على أبواب بغداد ومن نينوى إلى الجولان "1"

2014-06-26 17:07:20 أخبار اليوم/ خاص

ما حقيقة الأحداث في العراق؟ هل هي ثورة أم مجرد قوى متطرفة وما يسمى إرهابية ممثلةً بداعش اعتدت على الدولة؟ وما حقيقة سقوط المدن الكبرى وانهيار الجيش الحكومي ؟ هل ما جرى يوم العاشر من الشهر مجرد زلزال له ارتدادت تخفُّ تدريجياً ويمكن استيعابها؟ ما هي أهداف المسلحين وإلى أين يخططون للوصول؟ ما حقيقة الصراع هل هو طائفي أم هو صراع أعمق ؟ ما مصير ما يسمى بالعملية السياسية في العراق ؟ هل هناك تعاون دولي لتعزيز قدرة جيش الحكومة العراقية بقيادة المالكي ؟ هل صحيح أن هناك تنسيقاً وتعاوناً أمريكياً إيرانياً لدعم المالكي وقواته؟ هذا وغيره نتناوله في تقريرنا هذا بقراءة متاحة ممَّا هو مُعلَن وما يمكن استشفافه ممَّا يتم إخفاؤه.

 

أرتال هاربة

قبل عدة أشهر وبالتحديد في الاسبوع الذي تلا مليشيات مدعومة حكومياً من قِبل حكومة المالكي في بغداد على خيام المعتصمين في الحويجة بكركوك وذلك يوم الـ 23 من شهر نيسان والذي راح ضحيته من المعتصمين أكثر من مائة بين قتيل وجريح , بدأت الأنباء تتواتر عن تصاعد العمليات التي تستهدف قوات حكومة المالكي في المدن في الشمال وخاصة نينوى وصلاح الدين وكركوك وكانت الصحف العراقية تُفرِد لذلك الأنباء الرئيسية وقد قرأنا حينها عدة انتقادات لحكومة المالكي لتركها القوات في نينوى خاصةً بإهمال وأن هناك العديد منهم ممَّن يعودون وأن هنالك أيضاً العديد منهم ممَّن يشكون عدم صرف المرتب, إضافة إلى الشكاوى المعنوية التي كان الإعلام العراقي يتناولها في صُحُفه المتعددة ثم جاءت الهجمة الكبرى على المعتصمين في مدينة الأنبار وإحراق خيامهم وكان قد تم اعتقال العلواني عضو مجلس النواب من الفلوجة وقد قُتِل عددٌ من أفراد عائلته وشقيقه وزوجته ولم تكن الاعتصامات التي امتدت مدتها الى أكثر من سنة إلا سلمية تحمل مطالب بالحقوق, بالمساوات وبالتوزيع العادل الخارج عن العصبوية لكل أركان الدولة وبإطلاق سراح المعتقلين والمخفيين ومنهم النساء والاطفال والشيوخ... إلى آخره من المطالب التي أقر ببعضها المالكي رئيس الحكومة نفسه ولم نكن نسمع أن هناك داعش وغيرها ممَّا رُوِّج له إثر اقتحام الساحات, فقد كان المالكي قد أقر في خطاب له أنه قد يوجد من داعش (أي تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام) ما يقارب ستين إلى سبعين عنصراً, ثم فوجيء الجميع بالماكينة الإعلامية إثر إحراق الخيام بأن الهجوم استهدف من أسماهم الإرهابيين وقد أخذت وسائل الإعلام العالمية خاصة الرسمية الأمريكية وحلفاءها والإيرانية قبلها تتبني هذه الرواية وبدأت المعارك العسكرية في الانبار التي تحوي عدة مدن, كالفلوجة ثم الخالدية, فالأنبار فالرطبة والى الغرب راوة وحديثة وعانة بامتداد إلى الحدود السورية من جهة والحدود الأردنية أيضاً. من جهة كانت القوات التابعة لحكومة المالكي ومعها ما تبقّى من صحوات ومن جهة أخرى تم تشكيل مجلس عسكري للعشائر وتم التعاضد بين كل المناطق التي كانت تشهد انتفاضة بالاعتصامات السلمية وشكّلت مجالس عسكرية للعشائر في صلاح الدين بمناطقها وفي نينوى بمناطقها وفي محافظة ديالى بمناطقها وكلها بامتداداتها وهنا كانت التصاعد الذي سبق العاشر من حزيران (اليوم الفاصل).

نستنتج من هذا المختصر المكثَّف أن سقوط المدن العراقية المتوالي لم يكن وليد يومه وكان من أهم عوامل انهيار قوات حكومة المالكي تكوينها القائم على عدم التجانس العَقَدي العسكري وسنأتي على ذلك بالتفصيل. وفي يوم العاشر من حزيران توالت الانباء عن سيطرة المسلحين على الموصل (كبرى مدن نينوى), في البداية كانت السيطرة على المناطق الغربية التي هي في الضفة الثانية من نهر الفرات, بينما الجهة الاخرى اليسرى تحوي مراكز هامة للدولة, كمبنى المحافظ وانهار الجيش وتُركت القطعات العسكرية بكل ما فيها من تسليح وخرج القادة أولاً تاركين الجنود في زعزعتهم ثم خرج الجيش بكل وحداته والشرطة والامن وتركت أسلحتها وعتادها ومخازنها .

غنائم تكفي لتسليح جيش دولة

القوى المسلحة التي سيطرت على الموصل كبرى مدن محافظة نينوى تمكَّنت من غنيمة ترسانة من الأسلحة نظراً لتنوع صنوف القوات العسكرية التي كانت فيها من دروع ومدافع وأسلحة ثقيلة على اختلافها, بالإضافة إلى مخازنها, ناهيك عن المركبات العسكرية و"الهَمَر" والمركبات الأخرى الحكومية الحديثة المتنوعة, كما أن من المهم الإشارة إلى اعتراف حكومة المالكي بالأموال التي قُدرت بأربعمائة وثمانين مليون دولار فقط في بنوك الحكومة ناهيك عن غيرها من الغنائم المادية والعينية من المواد التي في المخازن على اختلاف أنواعها والوقود وغيره, وامتد انتشار السيطرة ولا يقل أهمية عن ذلك السيطرة على المطارين العسكري والدولي في نينوى بمحتوياتهما كل ذلك يشكّل لغزاً, فمن جهة قالت مصادر: إن المسلحين سيطروا على "5" طائرات سمتية, وقالت مصادر أخرى إن هناك أكثر من هذا المعلن والمعترف به من حكومة المالكي وأن هناك صواريخ بأنواعها ومضادات للطائرات وهو ما يفسر سقوط العديد من الطائرات والطائرات السمتية وبشكل يومي. هذا في نينوى وحدها.

ماهية قوى المسلحين

ثبتَ أذن أنه بعد تشكيل المجالس العسكرية للعشائر والتي أشرنا إليها وتوالي المعارك والاستنزاف لقوات حكومة المالكي أن الأمر لم يكن مباغتاً كما أشرنا, إضافة إلى إن الامتداد الزمني من جهة والتكويني الممتد منذ المقاومة ضد الاحتلال من جهة اخرى أعطى تجارب في التكيُّف والترابط بين القوى المسلحة وتكويناتها ولا يمكن نُكران وجود قوات المقاومة وفاعليتها, كما لا يمكن أيضا نُكران القول بأن القوى المقاومة والثورية المنتفضة هي ذاتها من جهة ونواة لأجيال متلاحقة من المسلحين من جهة أخرى وكذلك من امتداد تكويني لتنظيمات القاومة المسلحة بكل فئاتها وعلى الأرض, فإن هذه القوى تطورت بعد أن تكونت في المناطق ذاتها التي قاومت الاحتلال وهزمته بعد أن كبدته آلاف القتلى , وتكاد المصادر تُجمع ــ على اختلافها ــ أن العسكريين السابقين في الجيش العراقي الذي حلَّه بريمر الاحتلال هم قوة من القوى الرئيسية اليوم, وكما هو معلوم فإن الموصل بل نينوى معروف عنها أنها مدينة الضباط والقادة, ومعلوم أيضا أن تنظيم الدولة الاسلامية قد كانت له ما يشبه المبادرة في بعض المناطق والمراكز الهامة التي تم السيطرة عليها , كما أن هناك قوات البعثيين أو لِنقُل جلهم من الكفاءات والقدرات العسكرية الكبيرة وذات التجارب في المعارك وفي استخدام كافة أنواع الأسلحة ومن عدة صنوف مثلما أن قوات النقشبندية والتي يقودها نائب الرئيس قبل الاحتلال عزة الدوري تشكّل قوة نُخبة خاصةً في الموصل وسامراء التي هي جُلُّها من الرفاعية شيوخ النقشبندية والأهم في بعقوبة وديالى وجلولاء والرضوانية رغم أنها هناك كانت قد تلقت ضربات إثر معارك خاضتها مع القاعدة ولاحقاً مع تنظيم الدولة الاسلامية ثم مع المليشيات وما يسنى عصائب أهل الحق التابعة للمالكي وليس بعيداً عنّا المجازر التي اُرتكبت هناك. وعوداً على ما سبق فإن قوات عزة الدوري النقشبندية وقوات البعث والقوات المتشكلة من العسكريين السابقين ومسلحي العشائر يشكلون قوة ضاربة كبرى كُفأة مثلما هي متناسقة أيضا ومنسّقة بينها ومن الجهة الاخرى فإن قوات الدولة الاسلامية وأنصار السنة أيضا وبعد أن سيطروا على ما تركته القوات المنهزمة من أسلحة مختلفة وبعد أن تكيفت مع الواقع السكاني سلوكاً وخاصةً في عدم تشابكها مع سكان المدن التي تمت السيطرة عليها وعدم فرض المظاهر التي كانت تفرضها وبتأمينها مصالح السكان وجدت التكيُّف والتعايش والكسب أيضاً.

جغرافية التشكل الجيد وخارطته واهدافه

بعد سقوط الموصل كبرى مدن نينوى توالت الانسحابات الطوعية وغير الطوعية لقوات حكومة المالكي وتمدد الثوار في الاتجاهات, فمن جهة جنوب الموصل واصل المسلحون الثوار زحفهم الى محافظة صلاح الدين بمدنها فسقطت بأيدي الثوار أولاً مناطق من بيجي ثم واصلوا إلى تكريت وواصلو الى شمال سامراء بل حوصرت مدينة سامراء, سقط الجزء الجنوبي الشرقي منها إلا أن الثوار تريثوا بسبب حساسية المدينة ووجود مقام الإمامين فيها وقد أصدرت المجالس وهيئة علماء المسلمين بياناً بهذا الخصوص ومن الجهة الشمالية للموصل واصل الثوار زحفهم حتى وصلوا اليوم الى الحدود السورية في منطقة ربيعة وهي محاذية أيضا للحدود التركية ومن الجهة الاخرى واصلوا زحفهم الى مدينة تلعفر وكركوك ووصلوا إلى الحويجة ومناطق عديدة من كركوك إلا أن مركز المدينة النفطية قد سيطر عليها الاكراد بقواته البشمركة بعد أن انسحبت لهم منها قوات حكومة المالكي وفي تلعفر ذات الغالبية الشيعية كانت تتواجد فيها نخبة قوات المالكي المعروفة بقوات الذيب والتي لها سمعة سيئة في المعارك الطائفية ويقودها المدعو أبو الوليد وقد لاذ بالفرار إلى أربيل وسيطر الثوار المسلحون تماماً على هذه المدينة وقاعدتها العسكرية التي تعتبر من أهم القواعد في الشمال, بالإضافة إلى قاعدة سباكر التي هي مركز العمليات والمشتركة أيضا مع المستشارين الامريكيين وقد انسحبوا منها وهذه القاعدة التي تقع في صلاح الدين كانت تُعِد وتدرِّب أيضا الطيارين الذين سيستخدمون طائرات الإف "16 " وصفقة الأسلحة الحديثة التي أُبرمت مؤخراً مع الولايات المتحدة الامريكية. واليوم وبعد سقوط مصفاة بيجي تماما والتي تمد العراق بالوقود المكرر بكل انواعه والمرتبطة بآبار كركوك التي بيد الاكراد انطلقت المعارك جنوباً باتجاه بغداد حيث الأنباء تتحدث عن معارك وسيطرة للثوار على مناطق من بلد التي لا تبعد عن بغداد الا 80 كيلومتراً بل وامتداداً إلى المشاهدة والطارمية التي هي أطراف بغداد الشمالية ولا يفصلها عن مركز بغداد والكاظمية إلا التاجي التي فيها قاعدة عسكرية كبيرة, أما في ديالى جنوب بغداد فإن الثوار سيطروا على مناطق كبرى في بعقوبة وأصبحوا عند معسكر أشرف الذي يقيم فيه من تبقَّى من مجاهدي خلق من جهة ومن جهة أخرى سيطر المسلحون على جلولاء وانسحبوا منها تحاشياً للصدام مع قوات البيشمرك الكردية ثم تشير الانباء الى أن المناوشات تتم بينهم بين الحين والآخر وخاصة مع قوات داعش.

ومن المناطق الشرقية فقد سيطروا على معظم مدينة الانبار وخاصة حديثة وراوة ووصلوا إلى القائم وسقطت الحدود العراقية السورية بيدهم والحدود الاردنية أيضا في طربيل.

وبذلك يكون الثوار والمسلحون قد اقتربوا من فرض طوق شبه دائري على بغداد وهم فعلاً اليوم على أبواب بغداد.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد