العيد في الريف.. بين فرحة الماضي وتعاسة الحاضر

2014-07-27 19:01:55 تقرير/ علي الصبيحي - عبداللطيف الشوتري

وسط زحام الأزمات ومن بين مسارح الضجر واختناقات الحياة اليومية يتذكر أهالي الصبيحة الغربية بمديرية المضاربة ورأس العارة محافظة لحج, يتذكرون لحظات سعادتهم القصوى في يوم أعيادهم التي كانت يوما ما أعياداً سعيدة تحيطها أجواء الابتهاج والسرور ويتحسرون على أعياد اليوم وقد فقد الناس فيها تلكم الأفراح التي استبدلت فيها السنوات لباس السعادة بلباس الكآبة لتغيب معها ألوان السرور التي كان يكتسي حلتها الناس في يوم عيدهم ليصبح العيد اليوم تعيسا تتزاحم فيه الهموم على المواطن البسيط الذي بات عاجزا عن توفير أدنى المتطلبات لتتحقق فيه أعلى معدلات الحرمان.

"أخبار اليوم" استطلعت أحوال الناس في الصبيحة الغربية ومدى استعداهم لاستقبال عيد الفطر


يحل عيد الفطر المبارك للعام الميلادي 2014م على المواطن اليمني عموما في ظل أوضاع سياسية معقدة محتقنة, انعكست آثارها سلباً على الوضع الاقتصادي والاجتماعي وهما يشهدان تردياً كبيراً ألقى بظلاله القاتمة على حياة الناس, سيما مع حلول عيد الفطر الذي سبقت مقدمه موجة غلاء جديدة في أسواق الملابس الجديدة و ارتفاعات كبيرة لأسعار السلع الغذائية، وأزمة خانقة في المشتقات النفطية وكل ما يعتمد في إنتاجه على الوقود الذي يسجل شُحّاً كبيراً منذ قرابة خمسة أشهر. كل تلك الأزمات التي يمر بها اليمن ويعيشها على مختلف الأصعدة, جعلت من حلول عيد الفطر مسلوب الفرحة معدوم السرور لدى المواطنين وتزداد معاناة الطبقة الأشد فقراً في اليمن، من ارتفاع أسعار الملابس والتي تراوحت بين 30 إلى 50 في المائة، حيث يعيش ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 25 مليون نسمة على أقل من دولارين في اليوم، وتقدر البطالة بحوالي 35 %، في حين تصل نسبة البطالة بين الشباب إلى 60 بالمائة.

كان العيد فرحة

عبد الغني محمد يوسف- من منطقة تربة أبي الأسرار المضاربة ـ قبل أن يتحدث عن  أفراح العيد وطقوسه في القرى والأرياف اخذ شهيقا قويا ثم تأوه وتوقف هنيهة من الوقت وقال: بماذا أتحدث؟ لا أدري, كان العيد فيما مضى إذا حل له طعم آخر رغم ما كان يعانيه الناس من شظف العيش إلا أن العيد سابقا غير اليوم في بهجته وسروره كانت ليلة العيد تهتز لها مباني وأزقة القرية بالتكبير وإذا ما جاء الصباح بعد أن نصلي الفجر نلبس الجديد ثم نتوجه بفرحة غامرة تملأ الأنفس لصلاة العيد وبعد الصلاة يقدم لنا سيد أبو الأسرار وجبة الفطور(الصبوح) وهي عبارة عن عصيد دخن وزيت السمسم مع السكر وأنا عشت صبيا في أزهى العصور وهو عصر السيد عبد الجبار السروري- رحمه الله- وبعد أن يتناول الناس وجبة الفطور ويدعون له بالرحمة والغفران ويأخذون البيارق (لافتات) ملونة من داخل الجامع مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله يرددها الجميع بلحن جميل في مسيرة جماعية إلى مسجد الشيخ إبراهيم ابن علي بنابي الأسرار ثم يدعون له بالرحمة والغفران وتطوى بعدها البيارق ويتجه الناس إلى المقابر لزيارة موتاهم والدعاء لهم ثم يعود الناس إلى بيوتهم وزيارة أرحامهم وبعد الظهر يتجمع الناس في مبارز المقيل يتبادلون التهاني والطرائف وعندنا يبدأ الأطفال استقبال العيد من يوم 25رمضان بألعاب نارية في النهار وفي الليل يتجمعون في ساحات القرية بعد المغرب وكل يضع يديه على عنق زميله ويشكلون حلقات ويرددون (السلام عليك يا شهر رمضان مودع مودع يا رمضان وفي وداعة الله يا رمضان ) وغيرها من الأهازيج.

معوقات الفرحة

 السيد محمد سيف علي السروري من منطقة "راسين تعز" صادف وجوده في تربة أبي الأسرار لزيارة صحبة له وهو ممن عايشوا كثيرا مجتمع التربة هو وأسرته قال عن طقوس العيد: وجدتها تتشابه تماما في القرى والمناطق المجاورة وكما كانت أحوال الناس سابقا ممتلئة بالسرور مع حلول الأعياد هي اليوم تتشابه في البؤس والأحزان إن الكثير من الأسر اليمنية باتت غير قادرة على شراء كسوة العيد لهذا العام، بسبب ارتفاع أسعارها وتدني مستوى الدخل في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور الذي تعاني منه البلاد وهذا أبسط مثال إذا ما تجاوزنا متطلبات العيش الضرورية وبحكم معايشتي للمجتمع في هذه القرية كانت أفراح العيد في التربة لها طقوس خاصة في منطقة الصبيحة لأنها حاضرة منطقة الصبيحة الغربية المهم العادات تكاد تكون متقاربة جدا أما اليوم الذي عكر فرحة الأعياد كثرة الأعراس والتي تكلف الناس فوق طاقاتها وتريد ميزانية خاصة سيما في منطقة ملبية التي تبلغ فيها الأعراس في الأعياد أكثر من خمسين عرسا.

لم يبق سوى الاسم

الأخ جميل علوان المشولي تحدث عن العيد في منطقة ملبية قائلا: هنا كانت تبدأ طقوس العيد من بعد غروب الشمس بالتكبير وإخراج زكاة الفطر وفي الصباح يذهب الناس إلى المصلى لأداء صلاة العيد ثم يتبادل الناس التهاني والتبريكات وبعدها يذهبون إلى السوق واخذ الحلويات لأطفالهم وبعد الظهر يتجمع الناس في مقايل خاصة واللقاء فيها بأهاليهم الذين يأتون من مختلف مدن المحافظات لقضاء عطلة العيد بين أهاليهم أما اليوم فتجد القلوب متنافرة والبسمة غائبة عن الشفاه وتجد يوم العيد أشبه بعزاء والسبب الفقر وغلاء المعيشة وهموم بعضها فوق بعض ولا حول ولا قوة إلا بالله.

تغير الأحوال

أما عبدا لوهاب عبدالباري علي ـ تحدث عن تلك المناسبات الدينية التي كانت مليئة بحب الخير سيما في عيد الفطر الذي يأتي بعد انتهاء شهر رمضان المبارك وقال: كانت أيام زمان عامرة بالحب والإخاء والبهجة والسرور في عيدي الفطر والأضحى, أما اليوم انعدمت معاني الأخوة وغاب معها مبدأ التراحم الذي هو جوهر الرسالة الخالدة وبدأ المسلمون أشلاء ممزقة وجماعات متناحرة انشغلت بالخلافات وبتكفير وتضليل بعضها بعضا فغيبت بذلك روح التسامح والتكافل الاجتماعي من معطيات الشريعة السمحاء التي نزل الوحي لتعزيز مبدأ التراحم وتحقيق الأمن والسلام للبشرية حتى إنك لتجد أعياد المسلمين اليوم مفرغة من أجواء السرور والسبب هو تغير الأحوال العامة في حياة الناس.

ويبقى الحال

مع أن عيد الفطر مناسبة دينية عظيمة يفرح بها المسلمون بعد شهر الصوم إلا أن المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية وتردي الأوضاع المعيشية تركت آثارها سلبا على طقوس الاحتفال بالعيد الذي كان فيما مضى فرصة لتبادل الزيارات والتهاني وصلة الأرحام إلا أن كل ذلك بات غائبا في أعياد اليوم ليبقى السؤال: ما الذي حدث لمنظومة القيم الدينية والتقاليد الثقافية والاجتماعية في بلد طالما عرف عنه بأنه بلد الإيمان والحكمة؟

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد