قرية في طي النسيان وتحفةٌ أثريةٌ مغيبة

2014-08-25 13:20:07 استطلاع وتصوير/ محمد المسيحي

قرية "تربهة" الواقعة في مديرية المضاربة ورأس العارة بمحافظة بلحج والتي تعتبر المعقل القبلي لقبيلة الشبيقة في الصبيحة.. هذه القرية عند ولوجك في شعابها وجبالها المحصنة وواقع الحال فيها, تحس وتشعر أن هناك بقاعاً في الأرض لا زالت دون تغير من بعد الطوفان الذي جرى بسفينة نوح وتتحسر على الواقع الذي يعانيه الناس هناك من غياب وانعدام كل اللمسات للمشاريع التي تجعل من المناطق تشعر بأنها تواكب العالم ولو بالقدر القليل, أما العدم والنفي فهذا ما يجعل من هذه المنطقة تحفة أثرية وسياحية يفترض الترويج لها ليرى السياح من الغرب والشرق المتقدم والمتطور كيف يعيش الإنسان هنا وكأنه في العصر الحجري, فلعل الله يحرك قلوبهم بإيفاد منظمات إنسانية وخيرية تعمل للناس في "تربهة" ما تخلت عنه الدولة منذ بزوغ فجر الاستقلال وحتى الآن.. تفاصيل أكثر في الاستطلاع التالي:


فعندما بادرنا بالسفر إلى مناطق الصبيحة لتلمس هموم الساكنين والذين حرموا من مطالب أساسية توفرت لدى كل المديريات والمناطق التابعة لها ، فحينها كنا حاضرين في قرية تربهة وتلك القرية التي غابت عنها الدولة تماما وجعلتها تسبح في مستنقع الإهمال والتهميش المتعمد من قبل جهات حكومية عملت على هذا التعمد رغم أن هناك مناطق أخرى تم رفدها بمشاريع تنموية.

إن الملاحظ لقاطني تربهة يشعر بالخزي الذي جلبه بعض المسئولين في العمل بأمور شخصية، فقرية تربهة تضم عدداً من القبائل منها قبيلة الشبيقة والبرهنة والجرتتة, فكل القبائل التي ترجع إلى تربهة تعيش في طي النسيان لا تجد شيئاً فيها يُسر الناظر، حيث أن الأمية وصلت إلى حد كبير بين أوساط الساكنين من الشباب وكل من فيها يعملون على رعي الأغنام والحطب "السود" ويقومون ببيعه في الأسواق المتعارف لديهم لكي يسدوا جوع أسرهم من هذا الفقر المدقع والإهمال الذي لحق بهم.

يقول مواطنون إن البطالة وصلت إلى 80% لعدم توظيف أبنائها وهذا ما جعل البطالة تزداد يوماً تلو الآخر دون أن تتوجه جهة حكومية في انتشالها وإخراج أبنائها من هذا الفقر والحرمان والتكدس المتزايد ولكن ما وجد من القائمين على زمام المحافظة والمديرية هو التغطرس والسكوت عن واقعهم الذي تقشعر منه الأبدان.

يقول وضاح احمد علي الشبيقي- من أبناء القرية: إننا نعاني من أمور عدة تناستها سلطات لحج وكل من عمل في المديرية فنحن بكل صراحة من يحل علينا ضيفاً أو زائراً, فيقول: انتم ليسوا محسوبين من ضمن المديرية وهنا نشعر انه على حق ومصداقية هناك وفُرت لمناطق أخرى لجان شعبية ولكن لم تصل إلينا هذه اللجان لكي تخفف من أحزاننا وتقلل من البطالة المتواجدة وبكثرة بين أوساط الشباب وهذا ما جعل كل الساكنين صغيرا وكبيرا يشعر بالتحسر تجاه ما يعاملونا به من نسيان وتهميش والقرية محبوسة في أدراج المسولين ضمن الخطط التي تعطى للمديرية وكل مناطقها من مشاريع وخدمات أخرى فهم يقومون بتحويلها إلى مناطق أخرى ليستفيدوا منها.

رغم أن أهالي المنطقة يعيشون حياة بسيطة في الرعي والزراعة والاحتطاب إلا أن التعمد ما زال يلاحقهم حيث ما حطوا ورحلوا.. يقول رائد شمسان الشبيقي: نحن نعتمد على الزراعة في مواسم الأمطار التي تحدث أضرار جسيمة في الأراضي وجرفها فلا يوجد لدينا أي اعتمادات تساعدنا في إصلاحها, ففي السنوات التي مضت انجرف علينا حوالي 500 فدان من أراضينا الزراعية فلا جهات مختصة ولا صندوق اجتماعي ينظر إلى حالنا ولو بعين الاعتبار ففي الحقيقة أصبحنا نعيش في عالم الإهمال من قبل الجهات المعنية، ونطالبهم بلفت النظر إلينا ولو بعين المسؤولية.

لا أمل في الدولة

 يقول سكان هذه المنطقة إن الأمل في الدولة أن تعمل شيئاً لهم انتهى ووصل الأمر إلى اليأس والقنوط منها لكن أملهم أن يمر أصحاب الخير والإنسانية من العاملين في المنظمات كما قد مروا أعوام عمال منظمة اليونيسيف وعملوا على بناء فصلين دراسيين باعتبار المنطقة من الجحور التي لم يصل إليها التعليم ومنذ تلك السنوات والناس بدون تعليم رغم بناء الفصلين الدراسيين بسبب عدم رفد المدرسة بالمعلمين.

يقول العقيد/علي عبده علوان أبو يعقوب: إن المدرسة التي قامت ببنائها منظمة اليونيسيف لازالت مغلقة حتى تلك اللحظة فهي أصبحت مخزنا للأعلاف "القصب" دون أن يحرك مكتب التربية بالمديرية أي ساكنا تجاه التشويه في هيبة التعليم وهذا هو وضع التعليم هنا لا إدارة تربوية تقوم بالنزول ولا فصول دراسية صالحة للتعليم فهنا ارتبط الحابل بالنابل وأصبح التعليم يحتاج إلى عمليات جراحية لتصحيح وضعة الحالي.

وأضاف علوان" ما لاحظناه من مدير التربية انه غير مهتم بأبناء المنطقة رغم انه ينزل إلى مدارس أخرى إلا قريتنا لم يدخلها احد إلا يوم الانتخابات فتجدهم يتهافتون مثل الذباب وهذا لمصلحتهم الشخصية فقط أما الاهتمام بأمور الطلاب والتعليم لا حس في ذلك.

وأردف في القول:" أننا نعاني من اندلاع الثأر الذي أصبح من كبار المصائب علينا فيما نطالب الجهات الحكومية في المديرية والمحافظة ورجال الدين والخيرين بالحل العاجل في قضايا الثأر التي أكلت الأخضر واليابس وراح ضحيتها العديد من الناس وتيتم بسببها أطفال وعاشوا هؤلاء الأطفال في يتم وفقدان للحياة الكريمة التي يعيشها الطفل مع أباه".

وبخصوص الوحدة الصحية يوضح علوان أنه تم بنائها في العام 2008م وافتتحت في العام 2010م ولكن مازالت مغلقة ومكتب الصحة بالمديرية والمحافظة هم في سبات ولن يصحو منه. مطالباً الجهات المعنية وعلى رأسها مكتب الصحة توفير عامل للوحدة الصحية وخدمات لهذا المرفق الصحي حتى يستطيع السكان تحفيف العبء من إسعاف مرضاهم خصوصاً عندما يحدث أي مرض خطير ويقومون بإسعافه إلى المخيم التابع للاجئين أو الانطلاق به إلى محافظة عدن. وأضاف" منا الفقير ومنا الميسور في الحال أما الفقير فيصبر على ما ابتلاه الله به من هذا المرض فيموت حينها لعدم توفر خدمات وعامل في الوحدة الصحية فهذا يعتبر إسعاف أولي أن وجد أما تركنا نخوض في ظلام وفقر وتهميش هذا التسيب عنا ما جعلنا لا نصبر علية.

مدرسة بحاجة لجراحة

يوجد في هذه القرية مدرسة أساسية متهالكة ومشققة وغير صالحة لطلاب علم وأيضاً هناك فصلان دراسيان تابعان لمنظمة اليونيسيف" وهو مخزن للأعلاف "القصب" فالمدرسة الأساسية لم يكن لها أي اهتمام من قبل القائمين على أمور التربية أو المدرسة التي بنتها.

يتساءل الناس هنا: هل إذا قاموا باللجوء إلى المحكمة تحت بند إلزامية التعليم الأساسي ومحاكمة مدير التربية بالمديرية والذي تخلى عن الأطفال في هذه المنطقة وتركهم أُميين فهل سيكسبوا الدعوة؟.

يقول احد المواطنين والذي يعمل عسكرياً إن احد المثقفين أخبره في عدن بأنه إذا تم اللجوء إلى اليونيسيف ومنظمة رعاية الأطفال السويدية وطرح هذا التنصل والإهمال للطفولة من قبل مدير التربية, فلعل هاتان المنظمتان تلجآن إلى السلطات المحلية بالمحافظة كون الطفولة والاهتمام بهما من اختصاص هاتين المنظمتين.

وفي هذا المجال حدثنا احد المعلمين فضّل عدم ذكر أسمة، بالقول أن المدرسة تعاني المنقوصات العديدة حيث إن الإدارة لا توجد فيها وتدار من تحت الأشجار أو عندما نحصل على ظل نقوم بالاجتماع تحت الظل أما بجانب الأشجار ونلجأ حينها إلى أي جهة فيها ظل لحمايتنا من أشعة الشمس المحرق فهي مدرسة ضيقة وغير صالحة لتعليم جيل صاعد يحمل رسالة أمنة ولكن بالعكس فهي تخرج أجيال أميون غير منطبق عليهم لقب طالب.

وأضاف" كل الكتب المتواجدة هنا قديمة وتالفة ونصل بعض الأحيان إلى إدماج طالبين في كتاب واحد وهذا التخلف بأم العين رغم تواصلنا مع مدير التربية بالمديرية لكن لم يلبِ لنا أي احتياجات إلا وعود عرقوبية ومنذ أن تولى أمور التربية استبشرنا خيراً في التغير ولكن ما وجدناه خيب ظننا أمام ما لوحظ من إهمال متعمد فلن يزورنا أي مخلوق وخصوصا من مسئولي المديرية والمحافظة. وبخصوص الفصول فان هناك الزحمة القاتلة والتي تجعل الطلاب لا يدركون المعلومة بشكل أسرع ووصل في كل فصل حوالي 30 طالباً ويفرشون "الكرتين".

وطالب الجهات المعنية الاهتمام بالتعليم والأمور الأخرى وإيجاد بئر لصالحة المدرسة لكي يشرب منها الطلاب حيث يوجد بئر قديم ومكشوف ومائها ملوثة قد سببت لدى الكثير من الطلاب المرض لعدم حمايتها من الحيوانات والطيور وأيضا مائها ملوث غير صالح للشرب منه.

الأخ/ فارس شمسان يقول: التعليم وصل إلى مستوى التدني في تلقي التعليم فعندما نصل إلى مرحلة السادس الأساسي يتم الرحيل إلى مدرسة خالد بن الوليد لنكمل تعليمنا هناك ونبقى أشهراً عديدة نفارق فيها أهلنا ونحن في سن مبكر ونعيش في أحزان وفي بلدان لا نعرفها ولا نعرف طباع ساكنيها ورغم الفرقة نتكيف مع الواقع الملائم ونكمل التعليم بكل سهولة.

ويشير إلى أنه لا يوجد في المنطقة سوى أربعة معلمين وكل عام يزداد عدد الطلاب مما يجعل التعليم ضئيلاً جداً، وأما الطلاب فمعاناتهم كثيرة فهم يقطعون المسافات الكبيرة للوصول إلى مدرسة النور للتعليم الأساسي فأكثرهم من ينطلق في الساعة الخامسة فجراً وذلك لبعد المدرسة عن بعض المنازل فيما يواصلون السير حتى يوصلوا في الساعة السابعة صباحاً.

وذكر فارس" إن أكثرهم تعرض للسع الأفاعي في الطريق, مناشداً كل الجهات المعنية بتوفير وسيلة نقل أو باعتماد فصول دراسية إضافية ومن ثم توظيف مدرسين من أبناء القرية لكي يتعايش مع الظروف المتواجدة مع السكان".

من جهته يقول الأخ/فاروق شمسان عبدان" من ضمن المدارس التي بنيت ولم تخدم أبناء القرية أن هناك مدرسة مكونة من فصلين بُنيت من قبل اليونيسيف فمنذ يوم أن شيدت وتم بناؤها وعمرها ما يتجاوز السبع سنوات وهي على الحالة العمياء لخلوها من الطلاب, وأصبحت مأوى ومخزناً لجمع الأعلاف فيها رغم سرعة التطور في العالم التكنولوجي, فكل الطلاب لا يجيدون كتابة الحروف الهجائية فأكثرهم من ترك التعليم وذهب للعمل لتوفير لقمة العيش لأفراد أسرته نتيجة للفقر المدقع الذي يعاني منة المواطنين هنا.

وحدة صحية مغلقة

ونفس الحال في الجانب الصحي حيث يوجد وحدة صحية حديثة المبنى ولكن بلا عامل ومغلقة ولافيها أدوية مثلها مثل ما حصل للتعليم الحياة التي يعيشها هؤلاء الناس لا تلائم الحياة الآدمية المتعارف عليها فهم محرمون من كل الخدمات منها المياه والكهرباء والطريق وكل شيء يخدم الناس من مشاريع منعدمة في هذه القرية والناس تتنقل هنا بالحمير والجمال ومصادر رزقهم الزراعة ورعي الأغنام ورغم كل القسوة التي فرضتها الحياة عليهم لكنهم عائشون.

بل أن احدهم والذي تناسل غالبية أهل القرية منه لا زال عايشاً وعمره تعدى المائة عام ويدعى" راشد عبدان سالم الشبيقي، فيما حدثنا عن أحوال الصحة في رحاب المنطقة وكنا سعدنا في ذلك فاطلعنا الأخ/ عيسى محمد راشد، فسرد لنا المعاناة التي يعاني منها كل الأهالي والقاطنين على قفار الجبال من تردي في الخدمات الصحية التي وصلت إلى عدم تحملها لا من صغير ولا كبير فهم يفتقرون لحبة "بارا مول".

مضيفا" أن تكلفة المواصلات مع استمرار الجرعة القاتلة وصلت إلى أكثر من 20 ألف ريال يمني فالكثير من الأسر غير قادرة على إسعاف مريضة، فنحن هنا نتكبد العديد من المعاناة منها الطريق والبعد في المسافة والإيجار أكثر المشاكل والمصائب، فنرجو من القائمين في مكتب الصحة في المديرية والمحافظة بإلزام لنا احد موظفيها في الصحة وان يكون ملتزماً في عمله في الوحدة الصحية رغم وجود المبنى والحديث إلا انه خالٍ من الخدمات الصحية والممرض العامل فيه لا أثر له هنا في القرية فالصحة في مديرية المضاربة مشلولة لغاية أن تهرب أكثر العمال وتسيب من مرافقهم الصحية لتردي الخدمات وعدم المراقبة من قبل المعنيين والمهتمين بأمور الصحة سواء في مستشفيات المديرية أو حتى في الوحدات الصحية الموزعة على المناطق المجاورة لها".

ثمار الثورة والوحدة غائبة

عند وصولك إلى هذه القرية يجعلك تصدق كتابات بعض الصحفيين المنتقدين للحكومة والذي يعتبروا ما يقال في التلفاز من إنجازات ومشاريع وثمار الثورة والجمهورية والوحدة كله تزييف للواقع وحتى الشباب العاطلين عن العمل يشكون من التناسي والإغفال لهم ومساواتهم بالشباب في بعض المناطق المجاورة لهم من حيث تسجيل البعض منهم في اللجان الشعبية وهنا تذكرت فقط ما قاله الشاعر:

"أن يحسدوني على موتي فوا أسفاه**حتى من الموت لا أخلو من الحسدي"

فهؤلاء الشباب لا يريدون سفراً ولا مناصب, يريدون العمل مع لجان شعبية في الطرقات ليموتوا من اجل الوطن الذي نسيهم وأغفلهم من خارطته, لكن حتى ذلك الطلب البسيط  لم يلاقوه، اخبروني بضرورة التواصل معي فأردت إعطائهم رقمي لكن غالبيتهم أُميين إلا طفل عمره 7 سنوات ويدعى/قصي طه شمسان عبدان الشبيقي: يقرأ ويكتب دون أن يدخل المدرسة وبمحض إرادته علّم نفسه, فدّون رقمي فاعتبرت ذلك من المعجزات في هذه القرية والذي نتمنى من السلطات المحلية المسؤولة أن تقرأ استطلاعنا هذا وتخجل قليلاً كونها مسؤولة عن الناس وما عدا ذلك؛ فالله هو الرحيم بهؤلاء الناس واللطيف بهم.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد