إنعاش الاقتصاد اليمني...الدور الغائب لرجال المال والاقتصاد

2014-08-31 15:39:51 خالد القدسي

كغيره من القطاعات الأخرى "السياسية والأمنية والتعليمية والصحية.. إلخ", يُعاني الاقتصاد الوطني من خلل هيكلي تعود أسبابه إلى غياب الرؤية الاستراتيجية الاقتصادية السليمة الشاملة التي تقوم عليها اقتصادات الدول والأطر الناظمة المتعارف عليها.

 يعزو ذلك الخلل ليس لغياب التشريعات القانونية المنظمة أو لقلة الخبرة والكفاءات الوطنية، بل لغياب الإرادة السياسية وما تحمله من أجندات تعمل أشبه بما نُسميه في غرف العناية المركزة وغرف الإنعاش والطوارئ في تقديم حلول إسعافية ولا تحمل رؤية واضحة للاستقرار البعيد المدى!.

كما تعود بعض من أسباب الخلل الهيكلي إلى كثير من الممارسات الخاطئة على مر العقود الماضية والتي أتسمت بغياب الشفافية والمحابة في الدفع برؤوس أموال وتقويض أخرى، من مُنطلق نفعي بحت لدى متخذي القرار السياسي في البلد، أدت إلى شعور بعض البيوت التجارية إلى الشعور بالغبن والبحث لها عن ملاذ آمن في دول المهجر.

وقد فاجئني ذلك العدد الهائل من رجال المال والأعمال اليمنيين الذين فضلوا أن يستثمرون أموالهم في بلدان المهجر والاغتراب على بلادهم، بل أن الأغلبية منهم قد فضل أن يحمل جنسيات تلك الدول وعدم الرغبة في العودة إلى الوطن! لا أبالغ إنْ أشرت، إلى أنه وحيث أعمل الآن في كينيا، إلى أن البيوت التجارية اليمنية قد أسهمت بشكل فعال في تنمية الاقتصاد الكيني ، بل ودول القرن الأفريقي وأفريقيا الشرقية كلها (جيبوتي، أثيوبيا، تنزانيا، أوغندا، روندا، بروندي، وغيرها).

بل لا يقتصر ذلك على دول أفريقيا فقط، كذلك هو الحال في دول الشرق الأدنى في آسيا ( كإندونيسيا، وبروناي، وسنغافورة، وماليزيا) والتي دخلها التجار اليمنيون منذ قرون وأدخلوا رسالة الإسلام (رسالة المحبة والسلام) معهم! وكذلك الحال في دول كثيرة من دول الغرب في أوروبا والأمريكيتين!

والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة: كيف استطاع هؤلاء التجار (من أفراد وجماعات)، أن يضعوا لهم موضع قدم مكّنهم إلى أن يكونوا في الريادة الاقتصادية وأصبحوا شركاء أصيلين في بناء مجتمعات تلك الدول؟ وما هي الأسباب في عزوف أولئك التجار من العودة إلى وطنهم للاستثمار والمشاركة في البناء التنموي لبلادهم؟.

وكانت تلك الأسئلة محور حديثي مع بعض من ألتقيتهم ، وكان الجواب المشترك: بأن رأس المال بحاجة إلى ملاذ آمن يمكنه من العمل بحرية وبدون تحرش السلطات ومحاولة المتنفذين في السلطة التسلق والتسلل إلى رؤوس تلك الأموال وإجبارهم على مشاركتهم فيها دون أدنى حق، وغياب الشفافية (الموجودة على الورق ولا محل لها من الإعراب على أرض الواقع)!

كنت أتمنى من سفاراتنا في الخارج ( وملحقياتها الاقتصادية) أن تعد دراسات بسيطة عن تلك البيوت التجارية و مجالات أعمالها وحجم استثماراتها، لأنها إنْ فعلت ذلك ستصيب الجميع بالذهول لأن تلك الأموال مجتمعة تكاد تفوق ما لدى دول الجوار النفطية الغنية !

وبالنظر مرة أخرى في دور القطاع الخاص الوطني، والذي لعب دوراً بارزاً على مدى العقود الماضية، سنجد أنه هو عانى هو الآخر أشد المعاناة من الأقصاء في صنع القرار تارةً، أو التهميش كونه لا يدين بالتبعية لبعض متخذي القرار في المطبخ السياسي والذين لاهم لهم إلا أن يبنوا إمبراطوريات اقتصادية على حساب التسلق على رؤوس أولئك التجار، مستغلين بذلك مناصبهم السياسية والعسكرية أسوأ استغلال! ومن رغب من أولئك التجار مرغماً في الرضوخ لتلك المطالب الشاذة، وجد نفسه يقاسمهم أصوله وممتلكاته وأرباحه ، والرضى بأقل القليل بغية الاستمرارية في سوق العمل!

ولكن هناك شريحة لم نتطرق بعد إليها على الرغم من أهميتها القصوى! ألا وهي شريحة الاقتصاديين الأكاديميين والذين درسوا وتخرجوا من جامعات عالمية مشهود لها بالريادة في تخريج اقتصاديين بارزين على مستوى العالم! أين أولئك من الوضع الاقتصادي الراهن في البلد؟ هل دورهم يكمن فقط في الحصول على مناصب وظيفية ووضع شهادتهم على الحائط؟ أو العمل في غرف مغلقة لسن القوانين والتشريعات الاقتصادية بمعزل عنما يجري في السوق؟ أم العمل في القطاع الخاص للحصول على رواتب مغرية وكفى؟!!

أريد أن أوجه لهم سؤالاً عاماً: ما الفرق بين دوركم (في البحث عن طرق مُثلى لأنعاش الاقتصاد اليمني) ودور الأطباء ( في غرف العناية المركزة في الحفاظ على حياة المرضى بإذن الله)؟ إن كنتم ترون أن سؤالي غير ذي صلة، فأنا أطلب السماح والعفو على زلة اللسان والقلم تلك.

وإن كنتم ترون بأنه سؤال مشروع وذو صلة، فلما لا تتحركون بشكل فوري وجماعي وتضعوا خُططكم ومبادراتكم بمواجهة ومعالجة شبح الانهيار الاقتصادي القادم؟!! أنا لست متخصصاً مثلكم أيها الاقتصاديون حتى أنُّظر في ساحتكم، ولكني على علم تام بأن أي انهيار اقتصادي يتطلب سنوات طويلة من التأهيل والعودة الطبيعية (متى توفرت الإرادات)، ولنا في العام 1994 خير دليل!

كما يتعين علينا إدراك أن الحلول السحرية ليست في المساعدات والقروض الأجنبية، بل باستكشاف الفرص الوطنية البديلة ونقاط القوة وتنميتها ودراسة مواطن الضعف والتهديدات ومعالجتها.

ولا ننتظر دور الحكومة الغائب اليوم والمغيب منذ عقود، بل يتوجب علينا المبادرة في طرح تلك الحلول وتقديمها للرأي العام (قبل الحكومة)، وفرضها على الواقع، ومن منطلق الحرص الوطني البحت وحب الوطن، إن كان لازال لحب الوطن في قلوبنا مكان.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد