محمد ناصر الحزمي *
في مقال بعنوان العلماء والسلطة والرذيلة في العدد الماضي في صحيفة "الأهالي" شن الكاتب محمد الغابري هجوماً بأسلحة محظورة على العلماء السابقين واللاحقين الأحياء منهم والميتين، بغير مبرر ولا جناية سوى أنهم قاموا بواجبهم الشرعي الذي يمليه عليهم مقام الوراثة للأنبياء حيث أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وطالبوا بإنشاء هيئة وطنية لحراسة الفضيلة ومحاربة المنكرات، وقدموا بذلك مشروع نظام أساسي لهذه الهيئة عده وراجعه مجموعة من كبار العلماء والمختصين، وفي لقائهم بالرئيس وجهوا إليه بياناً شرعياً ذكروا فيه جملة من المنكرات والمفاسد والمظالم المتفشية في اليمن وطالبوه بالقيام بواجبه نحو ذلك. . بعد أن كانوا قد أصدروا بياناً سابقاً قدم للرئيس ونشر في معظم مساجد اليمن بعنوان "بيان علماء اليمن تجاه بعض المنكرات والمعاصي الظاهرة في البلاد" يعرف من خلاله من قرأة الصدق في النصيحة وعدم المجاملة للحاكم. . والغريب أن هذا البيان الشرعي هو الذنب الذي جعل الكاتب يشن هجومه على علماء الإسلام. . فهل القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستدعي كل هذا الهجوم. . ولا أدري ما هو الضرر الذي لحق بالكاتب جراء المطالبة بحماية الفضيلة ومحاربة الرذيلة وما الذي خسره الكاتب أو سيخسره إذا قام المجتمع بحماية الفضيلة. . لو كان الكاتب موضوعياً كان عليه أن يسأل العلماء هل هذا الفعل الذي قام به العلماء شرعي إذا كانت مرجعيته الإسلام ثم، أتعلمون من هم هؤلاء العلماء في اللجنة التحضيرية لهذا المشروع إنهم مجموعة من كبار العلماء المعروفين بعلمهم وورعهم ودورهم الواضح في النصح ومحاربة الاستبداد ومقارعة الظلم وبيان الحق، ومواقفهم مشهورة بحيث لا يسعني ولا يسع غيري في عجالة استقصاء مواقفهم المشرفة. . من هؤلاء العلماء في هذه اللجنة القاضي العلامة/ محمد بن إسماعيل العمراني، والشيخ/ عبدالمجيد الزنداني، والشيخ/ عبدالوهاب الديلمي، والشيخ/ علي سالم بكير، والشيخ/ محمد بن علي المنصور، والشيخ/ حسن مقبول الأهدل، والقاضي/ يحيى الشبامي والشيخ/ حمود هاشم الذارحي، والشيخ/ علي بارويس، والشيخ/ أحمد حسن المعلم وغيرهم.
هؤلاء هم العلماء الذي زايد عليهم الكاتب وهاجم من خلالهم بقية علماء الإسلام. . حيث وصف الكاتب بإطلاق أن العلماء هم أحد خصوم الإسلام. . والغريب كذلك أن هذا الهجوم تزامن مع قيامهم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. . ولا ندري هل يريد الكاتب أن يكف العلماء عن البيان الشرعي كشهادة حسن سيرة وسلوك. . أخر القارئ الكريم يا ترى ما هو الميزان الذي يزن به الغابري. . في حكمه على الأشياء.
أليس هذا الميزان هو نفسه الميزان الذي استخدمه قوم لوط في خصومتهم مع نبي الله لوط عليه الصلاة والسلام، كما قال الله تعالى عنهم: "فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون".
سبحان الله هل قيام العلماء بواجبهم دون أن يخافوا في الله لومة لائم يجعلهم كما زعم الكاتب اتباعاً للسلطان. . لكنه الميزان الذي يجرم وينتقد المحسن لأنه أحسن. كم كنت أتمنى كما تمنى غيري ممن اطلع على المقال أن يكون الكاتب موضوعياً ومنصفاً وأن يناقش قضية محددة أو ينتقد سلوكاً محدداً، لكنه عرض بكبار أئمة الإسلام من أمثال الإمام زيد بن علي وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل مع أنهم ليسوا في اللجنة التحضيرية. . فهل توهم الكاتب أنهم كانوا ضمن الوفد أم أنها الخصومة مع الإسلام ودعاته وعلمائه. . إخواني القراء أليست الحرب مع العلماء بإطلاق هي حرب على الإسلام إرضاءً لمنظمات وجهات أجنبية. . أيها المسلمون إن الله سبحانه وتعالى قد أعلى من شأن العلماء الربانيين ورفع قدرهم حيث قال تعالى: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" وقال تعالى: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"، فما معنى الحط من منزلة من رفع الله قدرهم، الله رفع منزلتهم وهذا الكاتب يحط من قدرهم. . ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" وقال: "العلماء ورثة الأنبياء". . فهل موقف الكاتب هو الموقف الشرعي في التعامل مع ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. . أليس من المقرر عند العقلاء أن الطعن في الحامل بغير جناية طعن في المحمول فكيف لو طعن في الحامل صراحة بسبب ما يحمله، ألم تكن جناية هؤلاء العلماء عند الكاتب هي قيامهم بالواجب الشرعي امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فتداسوا فلا يستجاب لكم".
كما أن المفارقات المذهلة أن الله سبحانه وتعالى يقول: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" وهناك من يزهد الناس عن العلماء ويصرف الناس عنهم ويتهمهم بأنهم لا يصلحون للفتوى. . فإذا لم يصلح العمراني وأقرانه من العلماء للفتوى فمن أيها الكاتب. . والأدهى من ذلك اتهام الكاتب للعلماء في نياتهم فلا ندري ما هي الحيثيات التي يمتلكها والقوة الخارقة التي استطاع بواسطتها أن يعلم الغيب وأن يحكم على ما في الصدور، حيث قال عن العلماء: "وثالثة الأثافي الاستعلاء على الناس وتزكية الذات، إنهم يحسبون الرسل الكرام دونهم"، فمن هذا العالم أيها الكاتب قد زعم أنه فوق مقام رسل الله. . فهل هذا كلام يقوله وأين هذا الكاتب من قوله تعالى:" عالم الغيب والشهادة فلا يظهر على غيبه أحدا".
ثم إن المتتبع للمقال سيجده مبني على ظلم وباطل. . فهل كلف الكاتب نفسه أن يسأل أحد هؤلاء العلماء عما دار وماذا قالوا للرئيس. . لقد قدم العلماء بياناً شرعياً حول ما يدور في اليمن وطالبوه القيام بواجبه من غير مجاملة أو محاباة ولعلنا سنطلب من هذه الصحيفة أن تنشر هذا البيان ليعرف الناس موقف العلماء الصارم في القضايا التي تهم اليمن والمواطنين. . ومع ذلك لم يكتف الكاتب بوصف العلماء بأنهم أحد خصوم الإسلام بل تجاوز ذلك إلى رد المصطلحات الشرعية التي جاءت في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة. . حيث أنكر الكاتب وجود مصطلح شرعي اسمه ولاة الأمر بقوله عن العلماء: "تنظيرهم الدائم لمن يصفونه بولي الأمر وهو وصف باطل لا أصل له في الشرع"، وكأنه لم يقرأ قول الله تعالى: "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" وقوله: "ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم". . أيها الكاتب لا تحملك خصومتك مع الرئيس على إنكار المصطلحات الشرعية وإنكار الألفاظ التي جاءت في القرآن الكريم. . كان عليك أن توضح مذهبك بأنك لا تقر للرئيس بأنه ولي أمر مع ذكر مبرراتك بدلاً من الهجوم على شريعة الله. . لكنك جبنت عن ذلك فتحولت إلى مهاجمة المصطلحات الشرعية هل هذه هي الحرية التي تنادي بها. . وفي الحقيقة فإنني لا أريد أن استقصي الرد على كل ما جاء في المقال الذي يحمل في طياته معاول هدمه. ولكنها فقط النصيحة والإشفاق عليكم وواجب البيان والله بيننا وبينك ونذكرك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن رب العزة سبحانه: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب" فكيف إذا تعدى الأمر إلى معاداة الإسلام، والله حسبنا ونعم الوكيل.
* عضو مجلس النواب