مستور محمد و فهد كفاين
قياسا بالاهتمام السياحي الذي تحظى به جزر أرخبيل سقطرى بوصفها وجهة سياحية عالمية فان المنطقة تحظى باهتمام نوعي في عجلة المشاريع التنموية التي تسير بخطى متسارعة استطاعت خلال ال 18 عاما من أحداث طفرة نوعية في مستوى المشاريع الخدماتية والتنموية في مختلف القطاعات.
وثمة من يرى أن جزر الأرخبيل التي كانت حتى وقت قريب منطقة نائية ومعزولة تحولت بفعل ذلك إلى منطقة جذب سياحي ساعدها في ذلك بيئتها الطبيعية النادرة على المستوى العالمي ما حولها وجه للباحثين التاريخيين والبيئيين من مختلف الجنسيات. وحتى وقت قريب كانت سقطرى من أكثر الجزر اليمنية النائية والبعيدة عن الاهتمام الرسمي زاد من ذلك الظروف المناخية التي تسود المنطقة والتي فرضت عليها أجواء العزلة عن العالم الخارجي لأربعة أشهر من كل عام جراء الهيجان البحري والعواصف والأمطار الغزيرة التي يصعب معها تحرك السفن أو القوارب كما تقلل من إمكان هبوط الطائرة فيها.
لكن أوضاع الأرخبيل تبدو اليوم قد تبدلت كليا وثمة إجماع بان جهود التنمية الشاملة التي حرصت الحكومة على تنفيذها مدى الأعوام الماضية ساهمت في تأسيس بينة تحتية قوية في خدمات التعليم والصحة ووسائل النقل فضلا عن المشاريع السياحية والخدمات الاجتماعية.
بوابة إلى العالم
منذ العام 1990 ومع إعلان دولة الوحدة سعت الدولة إلى إخراج الأرخبيل من عزلته ومنحت جزره أهتماما خاصا أخذ في الاعتبار المحافظة على مميزاتها البيئية النادرة وتنوعها وخصوصيتها الحيوية المتفردة عالميا.
وكان مطار سقطري الذي أفتتح العام 2001م محطة تحول نوعي بارزة في تاريخ الأرخبيل خصوصا وأنه كسر حاجز العزلة وفتح للأرخبيل نافذة دائمة على اليمن والعالم. وبلغت الكلفة الإجمالية للمطار الحديث بحسب احمد حمود طارش مدير عام المطار ملياران و400 مليون ريال فضلا عن ترميم صالاته بتكلفة بلغت 152 مليون ريال.
وحاليا يبلغ طول مدرج المطار حوالي 3400 متر بما يسمح بهبوط أربع طائرات في آن واحد وهو الهدف الذي لبى الحاجة إلى استقبال الوفود السياحية من أرجاء العالم بمعدل ثلاث رحلات في الأسبوع الواحد. ويقول المسؤولون في الجزيرة أن المطار كان قبل ذلك ترابيا وصغيرا ولا يستقبل سوى الطائرات الصغيرة وبرحلات محدودة جداً تتوقف خلال الفترة ما بين يونيو وسبتمبر من كل عام.
ولغرض تلبية الإحتياجات السكانية في منطقة ساحلية ينشط معظم سكانها بالصيد البحري شرعت الحكومة بانشاء لسان بحري بطول 3590 متراً وعرض /15/متراً وهو يستوعب حاليا أكثر من /1500/ طن من الأسماك، إضافة إلى اعتماد ميناء للجزيرة بمنطقة ديمحيص بكلفة مليار ريال.
محمية طبيعية
ومثلت مشاريع الطرق شريان حيوي هام في جزر الأرخبيل التي ظل سكانها لعقود يعانون من مشكلات وصعوبات كبيرة في التنقل بين قرى جزر الأرخبيل المتباعدة إذ اعتمدت خطط الدولة منذ مطلع التسعينات أكثر من 668 كيلوا مترا من الطرق الرئيسية والفرعية نفذ منها حسب احمد جنة العواضي رئيس المجلس المحلي لمديرية حديبوا 350 كيلو متر، ربطت بين مدينتي حديبو وقلنسية، وبين أكثر من 200 قرية وحي سكني في كل اتجاهات الجزيرة وعلى امتداد سواحلها وعمق مناطقها الوسطى.
ويقول العواضي لوكالة الأنباء اليمنية ( سبأ ) إن تكلفة الطرق التي نفذت والأخرى التي هي قيد التنفيذ في سقطرى بلغت 12 مليار ريال يمني.
حماية البيئة
دفع تزايد وتيرة النمو الاقتصادي والسكاني في جزر ارخبيل سقطرى خلال ال 18 عاما الماضية الدولة إلى تبني مشاريع خاصة لحماية البيئة الطبيعية هناك خصوصا وأنها ظلت تحافظ على بيتها الطبيعية لقرون وذلك في مسعى لحماية التنوع الحيوي داخل جزر الأرخبيل. وسارعت الحكومة في إعداد الدراسات العلمية للكائنات الحية النباتية والحيوانية المستوطنة بهدف الحفاظ على المنظومة البيئية فيها كما عملت بجدية من أجل تسهيل عمل الفرق الدولية التي وصلت إلى الجزيرة لغرض درس بيئتها الطبيعية.
واصدرت الحكومة لذلك قرارا في العام 1996م لحماية التنوع البيولوجي في أرخبيل سقطرى وأنشأت مكتبا حديثا لحماية البيئة داخل الجزيرة ومكتباً أخراً للمختبرات العالمية سعيا إلى تجنب أي تدهور في البيئة الطبيعية وحماية الأنواع والمواقع الحساسة بيئياً بما يكفل استدامة التنمية فيها بشكل متوازن في ظل معادلة صعبة للحفاظ على مناطق المحميات الطبيعية حيث يشكل الإنسان داخل الجزيرة سواء المقيم أو الوافد أهم عناصر تلك المعادلة. وتوجت تلك الجهود باعلان الحكومة في27 سبتمبر عام 2000م سقطرى محمية طبيعية مستقلة بسبب ما تمتلكه من ميزات طبيعية فريد وتنوع حيوي نادر على المستوى العالم وهي الميزات التي دفع بالمنظمات الدولية المعنية بالبيئة إلى أعتبار سقطرى محمية طبيعية على الصعيد العالمي.
وتسلمت وزارة المياه والبيئة شهادة إدراج أرخبيل سقطرى ضمن الشبكة العالمية لمحميات المحيط الحيوي الذي تم إقراره من قبل برنامج الإنسان والمحيط الحيوي(ام. بي. إيه) التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو).
واعتمدت الحكومة كذلك 23 محمية طبيعية داخل سقطرى بتكلفة 10 /ملايين دولار مقدمة من مرفق البيئة العالمي (جي. إف. أي) التابع للأمم المتحدة. وحاليا يواصل برنامج صون وتنمية سقطرى مع صندوق صون سقطرى برعاية ودعم مشتل أديب الواقع في منطقة (دإشلهنيتن) شرق حديبوا والذي استطاع صاحبه أديب عبدا لله وهو خبير نباتي محلي أن يزرع فيه آلاف الشتلات من النباتات السقطرية النادرة من بينها دم الأخوين، وتريمو، وسبرة وإميعرو، كما يقوم هذا المشتل الذي اعتمدته الحكومة بالحفاظ على النباتات من الرياح الشديدة لاسيما في فصل الخريف.
نشاط سياحي
وشهدت السنوات الأخيرة تنفيذ عشرات المشاريع في هذا الجانب من بينها دراسة نهائية لدعم ترشيح ارخبيل سقطرى للانضمام الى قائمة التراث العالمي.
ومنذ إعلان الجزيرة محمية طبيعية وأرخبيل سقطرى يستقطب العديد من الوفود السياحية من شتى دول العالم ساعد على ذلك تطور مستوى الخدمات الأساسية ووسائل النقل ما أهل الأرخبيل إلى جذب زهاء 50 في المئة من السياحة الدولية الوافدة إلى اليمن.
طفرة تعليمية
يمكن القول أن العملية التعليمية في سقطرى شهدت هي الأخرى طفرة نوعية خلال السنوات الماضية فبعد أن كان عد د المدارس فيها لا يتعدى 17مدرسة معظمها ابتدائية، في ظل مشكلات شح المدرسين والوسائل التعليمية إلا أن الوضع تغير كليا فيها ويصل عدد المدارس حاليا فيها بحسب سالم احمد مدير مكتب التربية والتعليم في مديرية حديبوا إلى 69 مدرسة ابتدائية يدرس فيها أكثر من 11 ألف طالباً وطالبة في المرحلتين الاساسية والثانوية فيما وصل عدد العاملين في مجال التربية والتعليم إلى /368/ موظفاً منهم /21/ موظفة.
كذلك شهدت سقطرى تطوراً في قطاع التعليم العالي إذ افتتحت الحكومة كلية التربية بحديبو التابعة لجامعة حضرموت كما ساهمت في ذلك العديد من معاهد اللغات والكمبيوتر التي افتتحت في الجزيرة خلال السنوات الماضية.
ويبلغ عدد الطلاب الملتحقين بكلية التربية بالجزيرة 300 طالب وطالبة. . ويقول عميد الكلية الدكتور ثابت اليزيدي :" ان إدارة الكلية افتتحت قسم اللغة الانجليزية العام الماضي، و هناك خطط تستهدف أفتتاح عدد من الأقسام العلمية في السنوات القادمة. ويؤكد رئيس المجلس المحلي لمديرية حديبو أحمد العواضي أن الدولة في صدد تنفيذ مشروع تعليمي جامعي آخر بإنشاء كلية المجتمع في سقطرى.
الصحة والاتصالات
في جانب الخدمات الصحية شهد الأرخبيل كذلك تطورا كبيرا خصوصا بعد تشييد مستشفى 22 مايو بمرحلتيه الأولى والثانية بسعة /100/ سرير ومجهز بغرفة عمليات حديثة، بكلفة /920 / مليون ريال،إضافة إلى إعادة تحديث مستشفى حديبو وتزويده بأحدث المعدات الطبية ورفده بالأطباء المتخصصين.
ويقول مدير مكتب الصحة والسكان بسقطرى الدكتور سعد القد ومي أن جزر الأرخبيل شهدت في السنوات الماضية إنشاء ثلاثة مراكز صحية بكلفة /136/ مليون ريال، و /15/ وحدة صحية موزعة على معظم مناطق الجزيرة، بتكلفة /146/ مليون ريال. . وهناك مركز صحي قيد الانشاء بتكلفة 51 مليون ووحدتين صحيتين بكلفة 22 مليون فيما يجري العمل حاليا في توسعة عدد من الوحدات الصحية بكلفة قدرها 12 مليون ريال. وفي قطاع الاتصالات فقد مثل مشروع اتصالات سقطرى طوق النجاة وجسر للتواصل مع العالم بالنسبة لأهالي سقطرى بعد العزلة التي عاشتها مدى قرون الجزيرة. . ووصل عدد الخطوط الهاتفية الثابتة حالياً أكثر من 2000 خط هاتفي علاوة على خدمات الاتصالات اللاسلكية التي تغطي معظم جزر الأرخبيل.
الثروة البحرية
يعمل معظم أبناء سقطرى في الاصطياد البحري، و يتم سنويا تبادل الأحياء البحرية بين الصيادين والمستثمرين بما يعادل /200/ مليون ريال. وثمة /7/ جمعيات سمكية وفرع للإتحاد السمكي في عاصمة الجزيرة حديبو إلى جانب مصنعين ألأول لتعليب الأسماك والأخر لصناعة الثلج.
وفي مجال الكهرباء نفذت الحكومة خلال السنوات الماضية العديد من المشاريع منها مشروع إنارة مدينتي " حديبو و قلنسية " عبر توفير مولدات كهربائية تعمل على إنارة المدينتين كان آخرها مولدين العام الماضي بسعة 1. 5 ميجاوات بتكلفة 30 مليون ريال تنير المدينتين على مدى 24 ساعة يومياً. وهناك خطط لمد شبكة كهرباء كاملة لإنارة بقية مناطق الجزيرة، كما عمت شبكة المياه مدينة حديبوا تمهيدا لإيصالها إلى بقية مناطق الجزيرة. كذلك حظيت سقطرى باهتمام كبير في تطوير خدمات مياه الشرب النقية ويقول مدير مؤسسة المياة في سقطرى إن الوزارة أنجزت حوالي 50 بالمائة من شبكة مياه حديبوا وقلنسية، وبناء مكتب المياه وملحقاته في مديرية حديبوا بتكلفة 400 مليون ريال فضلا عن حفر آبار في منطقة دكشن، وتنفيذ مشروع فرضاحة لدعم مشروع مياه حديبوا. الحراك السياسي والمرأة /استطاع السقطريون مواكبة متغيرات العصرالحديثة والاستفادة من مناخ " الحرية والديمقراطية " الذي تعيشه اليمن فانخرطوا في الأحزاب السياسية وشكلوا جمعيات ثقافية وسياحية وبيئية ونسوية بلغت نحو احد عشر جمعية إضافة إلى الجمعيات السمكية والزراعية بالمنطقة.
وللمرأة في سقطرى حضورا في المشهد يعكسه مستوى مشاركتها الفعالة في الحراك المجتمعي والتنموي. وبعدما كانت مشاركة المرأة السقطرية محصورة في الرعي والزراعة هاهي اليوم تسهم بالعمل المنظم في إطار منظمات المجتمع المدني من خلال العديد من الجمعيات النسوية التي تشكلت في سقطرى وتهتم بتنمية المرآة ثقافياً ومهنيا وتدعم مشاريع إسهام المرأة التنمية المحلية.
مشاريع قادمة
ولا تتوقف حركة التنمية والتطوير في جزر الأرخبيل إذ تستعد وزارة النقل للبدء في تنفيذ مشروع ميناء سقطرى بتكلفة إجمالية تبلغ سبعة مليارات و289 مليون ريال بتمويل من الصندوق الكويتي للتنمية.
كما سيتم إنشاء مشروع الميناء في منطقة القرمة كميناء تجاري وسياحي ينفذ على مرحلتين تشمل الأولى إنشاء وتنفيذ مرسى بطول 175 متراً وعمق 10 أمتار، وكاسر أمواج بطول ألف و890 متراً، وبقدرة استيعابية لسفن تصل حمولتها إلى نحو 10 ألاف طن. كذلك سيتم تجهيز قناة ملاحية وحوض دوران للسفن، وعدد من التجهيزات المدنية والميكانيكية الكهربائية الخاصة بالميناء، إضافة إلى معدات المناولة للبضائع، فيما تشمل المرحلة الثانية، إضافة مرسى أخر بطول 150 متراً وغاطس سبعة أمتار وكاسر أمواج بطول 950 متراً.