سعيد محمد سالمين
هناك ثلاثة أنواع من الكذب: الكذب، والكذب الأسود والإحصاء، والذي قال هذه العبارة رجل السياسة البريطاني " حزرائيلي" في القرن التاسع عشر، وفي نفس المعنى كتب "ستيفان ليكوك" يقول: "في الأزمنة الغابرة لم تكن توجد إحصاءات، مما اضطر الناس إلى الكذب، لسد الفراغ والنقص ومن هنا نشأت المبالغات الضخمة في الأدب القديم "الجبابرة، المعجزات، العجائب" لقد سدوا الفراغ بالكذب، ونحن الآن نسده بالإحصاءات، والنتيجة واحدة".
وفي عام 1962م، قال "خرد شوف" الزعيم السوفيتي لأعوانه من الفنيين والإحصائيين "نحن بحاجة إلى القمح لا إلى إحصائياتكم الخاطئة".
هذه كلمات قاسية من رجال ذوي خبرة في التاريخ ومكانة. في علم هو علم الإحصاء، أصبح اليوم ذا خطر كبير في كل مرفق من مرافق البحوث، سواءً منها الإنسانية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وحتى العلمية الطبيعية، هؤلاء القوم قالوا ما قالوا إلا استجابة لما وجدوا من تناقض نتائج بعض الإحصاءات لما عرفوا من حقائق الأمور، تلك التي جاءتهم من مصادر أخرى، هي عندهم أوثق، وهم بها أخبر وأعلم.
ولابد من الإقرار بأن للإحصاء في يد غير الخبراء أخطاء، وكذلك في يد المشتغلين الذين يطبقون الإحصاء بطريقتهم الخاصة التي تبلغهم النتيجة التي يرجونها، لا التي يؤدي إليها الإحصاء الصادق، ولكن نجد أن هناك متاهات ومواضيع للذيل في الإحصاء. نحاول في هذه العجالة أن نكشف عن بعضها إحقاقاً للحق، وإزالة للبس، وكشفاً عمَّا يستطيع الإحصاء بلوغه أكثر مما يدعيه هو لنفسه.
إن التعريف المحدد لكل لفظ إحصائي وسيلة لابد منها للتخلص من الخطأ، وأول ما يتوجب تعريفه الوحدات الإحصائية، بحيث يمكن بنتيجة هذا التعريف استبعاد الوحدات التي لا تعتبر جزءاً من المجتمع الإحصائي.
وليس شرطاً أن ينطبق هذا التعريف على المعنى اللغوي الشائع للكلمة طالما أنه يناسب الدراسة المعنية بدقة، فكلمة "مسكن" مثلاً قد تشمل إحصائياً "البيت المبني، والكوخ، والكهف، والخيمة، والعوامة في النهر أو البحر إذا استعملت لسكن الأسرة الدائم.
وكذلك كلمة "عاطل عن العمل" يجب تغيير المقصود منها بدقة وهل تشمل أم لا العاطلين عن العمل جزء الوقت؟، أو من يعمل لدى الأسرة بدون أجر؟، وهل تشمل هذه البطالة المقنعة؟، كما ينبغي أن تكون التعاريف محدودة من حيث الخدمات، فإن كلمة "جامعة" في القرون الماضية تختلف عن "جامعة" في العصر الحديث، وكذلك كلمة "طبيب" أو مهندس" من حيث سنوات الدراسة، ومواد الدراسة، والامتحانات..
وقد تعمدت بعض الحكومات إلى إبراز زيادة الدخل فيها، ونستنتج من ذلك زيادة في رضاء مواطنيها المالي، ولكنها تغفل أن هذه الزيادة قد تكون ظاهرية، لا تعود للنمو الاقتصادي بقدر ما هي نتيجة لارتفاع مستوى الأسعار، وبذلك نخفي نقصاً في الدخول الحقيقية نتيجة انخفاض القيمة الشرائية لوحدة النقد، ويمكن التغلب على هذا المحذور بحساب الدخل بالأسعار الثابتة "بقسمة الأرقام بالأسعار الجارية على الرقم القياسي للأسعار.
لنفرض أني أرغب باختبار مقدرة تلميذين من مستوى معين، فسألتهما في الحساب مثلاً، فحصل أولهما على عشر نقاط، والآخر على ثمان فلا استطيع أن أقول أن الأول أقدر من الثاني، حيث أنني لم اختبرهما إلا في موضوع واحد مما يمكن أن تشمله كلمة مقدرة، فلم اختبر بعد قدرتاهم على المحاكمة أو سرعة البديهة...إلخ.
ختاماً نقول، إن الإحصاء يعتبر أحد أعمدة حضارة هذا العصر، رغم كل المحاذير التي يمكن التغلب عليها بشكل أو بآخر.