خالد السرجاني
تشهد دول متعددة في العالم تظاهرات بسبب ارتفاع أسعار الغذاء وقلته، ولم تقتصر هذه التظاهرات على قارة بعينها وإنما امتدت من المكسيك إلى الهند ومنها إلى دول افريقية متعددة، ووفقا لتقارير دولية معتبرة فإن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 180 % خلال السنوات الست الماضية ارتفعت فيها أسعار الحبوب فقط بنسبة 100 % خلال العام الماضي فقط. وبناء على هذه الحقائق يأوي ما يقرب من 850 مليون مواطن في العالم إلى فراشهم وهم جوعى ويموت 16 مليونا بسبب نقص الغذاء كل عام.
ووفقا لتقديرات جان زيجلر المقرر الخاص لحق الغذاء بالأمم المتحدة فإن زيادة أسعار الغذاء بنسبة 1% فقط تضيف 16 مليون إنسان إلى قائمة الجياع على مستوى العالم. وبالطبع فإن من يتأثر بهذا الوضع الكارثي هم فقراء العالم ذلك أن قيمة المبالغ المخصصة لشراء السلع الغذائية من ميزانيات الأسر الغنية تمثل 15 % منها في حين تبلغ هذه النسبة لدى الأسر الفقيرة 75 %.
وهو ما يعنى أن زيادة أسعار الغذاء تجبر الأسر الفقيرة على تقليص إنفاقها في قطاعات حيوية أخرى مثل الصحة والتعليم، وهو الأمر الذي يعنى عمليا إعادة إنتاج الفقر في العالم. ووفقا لتقارير الأمم المتحدة فإن بورصة المحاصيل الزراعية تعد في الوقت الراهن في أدنى مستوياتها خلال الخمسة والعشرين عاما الماضية.
حيث يستهلك العالم كميات من الحبوب تفوق الكمية التي تتم زراعتها فما يتم إنتاجه لا يكفى سوى 54 يوما من الاستهلاك فيما يعد رقما قياسيا في الانخفاض خلال السنوات الماضية. وقد حذر روبرت زوليك رئيس البنك الدولي من أن أكثر من 100 مليون من سكان العالم سيتحولون إلى فقراء بسبب ارتفاع أسعار الغذاء.
وإذا كانت هناك تفسيرات متعددة لهذه الأزمة الطاحنة في الغذاء العالمي والتي تنذر بكوارث سياسية تهدد أكثر من 33 دولة بعدم الاستقرار حسب تصريحات رئيس البنك الدولي منها دول شهدت اضطرابات سياسية بالفعل مثل الكاميرون وموزنبيق وموريتانيا في افريقيا ودول أخرى في كل من قارتي آسيا وأميركا الجنوبية.
مثل الظروف المناخية التي شهدها العالم في العام الماضي والتي أدت إلى هلاك كميات كبيرة من المحاصيل في دول متعددة على رأسها استراليا وانخفاض إنتاجية المحاصيل في دول أخرى، وأيضا زيادة سكان العالم التي لم تتواكب مع زيادة الإنتاج من الغذاء.
وإذا كانت هذه التفسيرات مبررة فإن احد الأسباب الرئيسية الأخرى يعود إلى سياسة الدول الرأسمالية الكبرى والشركات المتعددة الجنسية بها إزاء أزمة الطاقة والتي تريد أن تستبدل النفط والغاز الطبيعي أو ما يطلق عليه علميا الوقود الأحفوري بالوقود الحيوي المستخرج من المواد الغذائية. فوفقا لجان زيجلر فان إنتاج الوقود الحيوي ما هو إلا انتزاع للغذاء من أفواه الفقراء ليستخدم في تسيير سيارات الأغنياء.
فقد صدر في ابريل الماضي قرار في انجلترا بإلزام محطات الوقود بإضافة 5. 2 % من الوقود الحيوي إلى الوقود الحفري وتزيد هذه النسبة لتصل إلى 75. 5 %بحلول عام 2010 بالتوازي مع سياسية الاتحاد الأوروبي في هذا الخصوص.
ووفقاً لهذه السياسة فإن الدول الصناعية الكبرى تهدر المحاصيل الغذائية مثل القمح والذرة والقصب في إنتاج الوقود الحيوي لكي تستخدمه كبديل للبترول. والخطير في هذه السياسة هو أن هذه الدول أو الشركات الكبرى التابعة لها أصبحت تتدخل من أجل تغيير التركيب المحصولي في بعض دول العالم الثالث.
فقد رصدت شركات النفط العالمية مئات الملايين من الدولارات لتعديل الدورة الزراعية في العديد من الدول الافريقية وذلك بهدف زراعة نباتات الجاتروفا بدلا من زراعة القمح والذرة، خاصة وان هذا النبات اثبت قدرة فائقة في عملية توليد الطاقة كبديل عن البترول.
وقدمت شركة بريتش بتروليم نصف مليار دولار لجامعة كاليفورنيا لكي تجرى الأبحاث على توليد الطاقة من المحاصيل الزراعية، وتم توجيه جانب من هذه الأموال إلى مزارعي دول العالم الثالث بهدف تشجيعهم على زراعة القمح وحصد سنابله قبل النضج بهدف استخدامها في توليد الطاقة، وقد وافقت بعض الحكومات على التوسع في زراعة الجاتروفا لتلبية احتياجات الدول الكبرى من الزيوت المستخرجة من هذا النبات لاستخدامها في إنتاج الوقود الحيوي.