د. محمد أحمد عبدالله الزهيري
دأبت "الأهالي" في أعدادها الأخيرة على التعرض للشيخ الجليل/ محمد بن محمد المهدي رئيس جمعية الحكمة اليمانية فرع إب وخطيب وإمام جامع الرحمن في مدينة إب -حفظه الله- وعلى الرغم من الاستياء الواسع في هذا التعرض نتيجة لما يتمتع به الشيخ المهدي من شعبية كبيرة وثقة عالية وحب عميق في المجتمع اليمني كله، ولما لهذا التعرض من مساس بمكانة العلماء الذين هم ورثة الأنبياء الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم- "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه"، وقد بادر عشرات الشباب للرد ولكن الصحيفة التي لا زالت تسيطر عليها ثقافة الستينيات من "التلميع والحرق" رفضت كل الردود، فضلاً عن ذلك فقد رد رئيس تحريرها علي الجرادي على الشاعر والصحفي عماد زيد الذي كان أحد الذين أرسلوا بردود بقوله: "ما كل رد ينشر"، والغريب أن هذا التعرض والتهوين للعلم والعلماء يتولى كبره كتاب محسوبون على الحركة الإسلامية وتربوا في حضنها، وقد كان هناك اعتقاد واسع أن الأسماء التي تعرضت للشيخ/ المهدي هي أسماء وهمية مستعارة وكنت متشككاً من ذلك، ولكن العمود الأخير من صحيفة "الأهالي" العدد "46" بتاريخ 29/5/1429ه الموافق 3/6/2008م، الذي جاء تحت عنوان "المهدي. . . عافاك الله من كل افتراء" الذي جاء بدون أن ينسب إلى كاتب معين أظهر الحقيقة، لاسيما وقد ظهر القصد السياسي والبعد الانتخابي الذي هو جزء من التحضير للانتخابات القادمة وذلك بشن حملة مبكرة على الشيخ بقصد تحييده أو تقليل تأثيره لأن للشيخ تأثيراً كبيراً وشعبية واسعة على عكس ما صرحت به الصحيفة وحاولت فيه التقليل من الشيخ، ولكن الذي هو في الواقع ويعتقده الكاتب والذي دفعه إلى الكتابة أن مكانة الشيخ كبيرة وصدق من قال:
وكم على الأرض من خضراء مورقة
وليس يرمى إلا من به ثمر
وفي السماء نجوم لا عديد لها
وليس يكسف إلا الشمس والقمر
أما ترى البحر تطفوا فوقه جيف
وتستقر بأقصى قاعه الدرر
الشيخ فقيه معروف يعرف من أين تؤكل الكتف ويقارن بين المصالح والمفاسد آمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر يقدم النصيحة وينقد الخطأ، إذا اقتنع بالأولى أعلن به لا يخاف في الله لومة لائم لا يخضع للضغوط مهما كبرت، ووصفه أو لمزه بمساندة الظلم والدعوة للخنوع وسلب الأمة حقها، وأنه سلم التبرعات لممثلي السلطة الفاسدين فكلام عارٍ عن الصحة ويبين حقيقة الافتراء والعقلية الأحادية التي تريد إلزام الناس بمواقفها وإجراء الخير لا يكون إلا عن طريقها، فإن خالف أحد مواقفها ولو كان موقفها سابقاً شنت عليه الحملات والتشكيكات والاتهامات، وهذا قد حصل مع الشيخ المهدي كثيراً فلم يضره ولم يزده إلا مكانة وقبولاً وصدق القائل:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت
أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت
ما كان يعرف طيب عرف العود
أما بقية السباب والشتائم والاتهامات مثل "الزلل- الشلط -الافتراء- المداهنة- البجاحة- اختلاق الكذب- الدس الرخيص"، التي وردت في الصحيفة فأربأ بنفسي عن الرد عليها ويكفي إيرادها من قبل الصحيفة رداً وقد أحسن من قال:
فحسبكم هذا التفاوت بيننا
فكل إناء بالذي فيه ينضح
وأحسن منه:
ولقد أمر على اللئيم يسبني
فأقول ثمة هذا لا يعنيني
أما مسألة وصف المهدي بأنه صاحب المنهجية الخارجة عن المجتمع المسلم والقدرية مع الحكام والمرجئة مع اليهود والنصارى فإنها تكشف عن فضيع وأن الكاتب يهرف بما لا يعرف ويجهل جهلاً مركباً، لأن هذه العقائد الضالة قد ظل الشيخ المهدي وطلابه يحذرون منها ويبينون خطرها في وقت كان الآخرون يلمزونهم بأنهم يتكلمون عن أشباح وتنبشون عن رفات، ولأن الخوارج هم الذين يخرجون على ولي الأمر ويثيرون الفتنة والشيخ ممن يدعون إلى طاعة ولي الأمر ويحرمون الخروج عليه، والذي قد يلمز من قبل الكاتب بأنه خضوع واستسلام وهو في الوقت نفسه يمتدح أوروبا لأنها توصلت إليه في القرن السابع عشر ولولا الانهزامية والانبهار والولوع بثقافة الغالب الذي يجعلنا نهول كل ما يأتي من عندهم وممتهنون كل ما هو من ديننا وثقافتنا لفخرنا بأن لنا السبق بأكثر من إحدى عشر قرناً وأنه المنهج العلمي الواقعي الذي قامت في ظله أعظم وأطول حضارة وأكبر قوة في تاريخ البشرية وحققت في ظله أعظم الإنجازات وأكبر الفتوحات منذ عصر صدر الإسلام إلى سقوط آخر خلافة إسلامية هي الخلافة العثمانية في العام 1917م، والسياسة هي فن الممكن وموازنة بين المصالح والمفاسد، وأما وصفه بالقدرية مع الحكام فالقدرية هي عقيدة ضالة ترى أن الإنسان خالق أفعاله وأن الله لا يعلم بالشيء إلا بعد وقوعه فأين هذا في عقيدة الشيخ؟، وما علاقته بالحكام؟، وأما المرجئة مع اليهود والنصارى فكلام غير سوي لأن الإرجاء والمرجئة عقيدة وفرقة، ترى أن الإيمان قول فقط وليس قولاً واعتقاداً وعملاً، وأنه ثابت لا يزيد ولا ينقص وأن إيمان أي إنسان كإيمان جبريل، ولا علاقة بين الإرجاء واليهود والنصارى، إلا إذا كان الكاتب يقصد أن الشيخ لين ورقيق معهم، قال تعالى: "كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً".