محمد ناصر الحزمي
الحروب الفكرية هي حرب صامتة فيها يصرع المسلمون دون أن تسمع لهم أنيناً، فكم من أناس تساقطوا تحت أقدام الراقصات وكم من رجال اسقطتهم الخمور وأسقطتهم العمالة والعملة، وقد يقلد وهو يضحك لكنه يضحك ضحكة المهووس، إنه كالشخص الذي أصابه فيروس مرضي، وهو لا يحس بخطورته فلا ينتبه إلا وقد أهلك له جهازاً، أو أتلف له عضواً، وهكذا المصاب بفيروس الفكر، قد لا ينتبه طيلة حياته حتى إذا طال عليه الأمد وعاد إلى مولاه الصمد ووقف بين يديه وهو يخاطبه مع شيعته "ألم أعهد إليكم با بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين" إنها عبادة السمع والطاعة لشياطين الجن والإنس، فيقف هؤلاء مذهولين فقد كانوا في الدنيا "يحسبون أنهم يحسنون صنعاً" فإذا بهم يتبرؤون مما قالوا فددوا "ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا" إنه القول الذي لا يقدم ولا يؤخر في ذلك اليوم، من بداية المقال إلى هذا الموقف قصة طويلة، القصة بدأت عندما قرر الأعداء اجتياح أوطاننا وأخلاقنا وأفكارنا - معتقداتنا - فالأوطان احتلوها والأخلاق قصفوها، والأفكار شوهوها وحرب الفكر بدأت بالتشكيك والتشويه وهي لا شك تأتي ضمن المخطط الرئيسي للأعداء الذين شهد الله بديمومة عداوتهم إلى قيام الساعة قال تعالى "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا" فقاد مستشرقوهم حملة التشكيك والتشويه، فوقع الجهلة من المسلمين في شراك خداعهم فمنهم من تنصر ومنهم من تعلمن، وأنا لست بصدد هؤلاء الذين أعلنوا بصراحة ارتدادهم عن الإسلام، وإنما سأتكلم عن المؤمن الضعيف الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) وهو المستهدف من هذه الحرب لقلة عمله، وضآلة إيمانه، هذا الضعيف الذي لم يستطع مقاومة رياح الثقافة الغربية - ثقافة الأقوياء - الممتلئة بالفيروسات المعطلة والتي هبت كريح عاتية فصار أمامها كقشة تتقاذفها الرياح يمنة ويسرة، أو كغثاء تتلاطم به الأمواج مدا وجزراً فقاوم إلى حد الانحناء أمامها، لا كمقاوم يزرع قنبلة، ولا كمزارع يغرس سنبلة ولكن كراكع لمن أمره، انحنى انحناء المبهور لما قطفوه من زهرة الحياة الدنيا فراح بجهله بالإسلام يصدق أطروحات الغرب المضللة بأن الإسلام والتراث الفقهي هما سبب تأخر المسلمين، ولو كلف نفسه هذا المسكين وسأل نفسه متى تصدرنا الحضارة الإنسانية؟ لأجابته الدنيا بأسرها في عهد من تسخر من تراثهم لكنه استسلم وبالغ في الانحناء ليتحول إلى رضاء وتسليم وبدلاً من أن يقاوم عاد على حساب دينه يساوم محاولاً المقاربة بين ثقافة الأنبياء وثقافة الأقوياء - الغرب - يبحث عن الآراء الشاذة حول كل حكم شرعي وخاصة أحكام الجهاد وما يتعلق بالمرأة والعلاقة بالآخر والغناء والموسيقى - مطالب الغرب- فيأخذ هذا الرأي الشاذ ويقدسه ويعطل الحكم الشرعي ويكدسه ليتحول هذا الرأي إلى انفتاح ومرونة والحكم الشرعي وإن كان نصه قطعياً، تشدداً ورعونة، حتى لو أجمع عليه أهل العلم المتقدمون والمتآخرون فالمتقدمون بنظره اجتهدوا لعصرهم، والمتأخرون ناقلون مقلدون لغيرهم، ولو تبحر في علوم الأولين واجتهادهم ونظر في عبادتهم وزهدهم، لغرف منه وارتشف، وما هزئ بهم واستخف لكنه أعجب بنفسه وفتن برأيه إن مثله كمثل المريض المثقف هذه الأيام يدخل على طبيب أفنى عمره في الطب دراسة وتطبيقاً وبحثاً فيناقشه في تشخيصه وعلاجه بعد أن قرأ مقالاً مبسطاً باللغة الإنكليزية ويحسب أنه قد أوتي العلم كله؟ مريض أحمق وأحمق منه من أخذ عنه وترك الطبيب الخبير إن هذا المنهزم بدلاً من تقريب الناس إلى دين الله تبارك وتعالى يأخذهم إلى أقاصي الأفكار ومهاوي التأويلات فيدينهم من الشبه والباطل ويتركهم في حالة من الحيرة والخبط ويفتح لهم باب الردة والكفر، ويهون عليهم أمر المعاصي والمنكرات ينظر إلى العدو مبتسماً، وإلى العالم متجهماً فهو المجتهد الذي طاول السماء، والعبقري الذي فاق العلماء حاز، على رضا الغرب وعلى سخط الرب، كره التراث وأحب التياث، باسم العقلانية عطل عقله، وباسم الانفتاح فتح للغرب عقله وقلبه، فلا قيم أبقاها، ولا أخلاق حماها، فالتعطيل مقصده، ورضاء الغرب غايته، وما بين هذا وذاك إبراز شهرته، عطل النصوص الشرعية، باسم المصالح الخلقية، ونسي قوله تعالى "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" الإسلام عنده ليس التسليم لله والانقياد بل هو التدقيق والبحث عن العلة أو الحكمة في أمر الله فإن ناسب عقله وإلا رد وعطل، بل جمدوها بحجة مراعاة مصالح الخلق، وكأن الشريعة جاءت ضد مصالح العباد وحقيقة هؤلاء أنهم متسترون تحت المقاصد لإلغاء الفقه الإسلامي كله وإلغاء علم أصول الفقه، ويفسرون الشريعة تفسيراً فضفاضاً، ولسان حالهم يؤكد أنهم يهدمون الشرع بالشرع، وأهم ما تتسم به هذه المدرسة الجهل بالشريعة، والتبعية للغرب تفكيراً وسلوكاً ومنهجاً، والتصدي للحديث في الشريعة دون علم به، وترتكز هذه المدرسة على إعلاء العقل على منطق الوحي) انتهى كلامه، إذا فهم يد المنهزمين الآن لقطع الطريق على الجادين أو لإدخال الأمة في طريق ملتو، أو لفتح دوامات فكرية أقل نتائجها استقطاب الجهد وتفريق الصف.
انكروا السنة باسم الدفاع عن الإسلام وذلك لأهداف خبيثة منها إسقاط العبادات ومعظم الأحكام الشرعية التي لا تثبت إلا بالسنة، مستكفين بزعمهم بالقرآن وهو منهم براء وهذا مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "يوشك الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل ما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله" أخرجه أحمد وأبو داوود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني رحمه الله.