نبيل مصطفى مهدي
تقاس انسانية وتحضر ورقي المجتمعات بمدى تقبلها واحترامها لنموذج المرأة الوحيدة. اذا كنا نحترم ونتقبل النساء اللاتي اخترن العيش مع ازواج، فلا بد ايضاً ان نحترم ونتقبل النساء اللاتي اخترن العيش وحيدات، فالمقصود أو يمكن القول منهن النساء الوحيدات؟ النساء الوحيدات هن لظروف مختلفة يعشن بمفردهن ويتحملن مسؤوليات الحياة بدون رجل أو زوج، بعض هؤلاء النساء اخترن هذا الوضع ولهن احلام خاصة في ادوار اجتماعية خارج البيت مثل العمل والفكر والابداع أو انهن يؤجلن الزواج لحين يكن قادرات اقتصادياً ونفسياً على تحمل مسؤوليات الارتباط، وهناك نساء لم يخترن العيش بمفردهن فهن يرغبن في الزواج ولكن لا يجدن الشريك المناسب الذي يقدر طموحاتهن خارج الزواج ويكون عوناً لهن على مزيد من التحرر والانطلاق، وهناك نساء لا يحلمن الا بالزواج والبيت والأمومة ولكنهن لم يتوفقن وانتهى بهن الامر للعيش بمفردهن لتأخر سن الزواج نتيجة صعوبة الوضع الاقتصادي، ولا ننسى فئة النساء المطلقات اللاتي يعشن بمفردهن، تتعدد الاسباب والنتيجة واحدة وهي ان مجتمعنا التقليدي يبدأ في مواجهة وضع اجتماعي جديد غير تقليدي اسمه «المرأة الوحيدة» والمرأة بدون رجل أو المرأة بدون زوج، ويشكل هذا النموذج اكبر تحد للثقافة الذكورية، وكلما كان اختيار المرأة لهذا النموذج نابعاً من ارادتها الحرة وقناعاتها الشخصية وليس مفروضاً عليها زاد اضطهاد المجتمع الذكوري لها ترى ما الرسالة التي توجهها المرأة الوحيدة للمجتمع الذكوري وبسببها تقع المرأة فريسة الاضطهاد..
يقول البعض من النساء الوحيدات ان الحياة يمكن ان تعاش بدون رجل ويؤكد البعض منهن على انه يمكن ان تعول نفسها وتحمي نفسها وتواجه العالم كله بقدراتها الذاتية على الفعل والتفكير والحركة وصنع القرار..
اليس هذا كسر للثقافة الذكورية؟ تلك الثقافة التي تزعم ان المرأة المتزوجة برجل افضل من الوحيدة وان الرجل هو المؤهل فكرياً ونفسياً لإعالة المرأة وحمايتها واخذ المسؤوليات والقرارات بالإنابة عنها، وان المرأة بدون رجل كائن مسكين ضعيف بائس تعيس. ان المرأة الوحيدة بدون رجل بدون زوج التي تواجه الدنيا بمفردها خطر على الثقافة الذكورية وهي ترغم هذه الثقافة على اعادة صياغة فهمها لقدرات النساء وعلى التخلي عن تحيزها المطلق لجانب الرجال، ان الثقافة الذكورية لا بد ان تشعر بالحرج امام نموذج المرأة الوحيدة، فهي لسنوات طويلة تعمدت اضعاف النساء بترويج الأكاذيب والأوهام عن طبيعتهن وافكارهن ومشاعرهن، وتعمدت جعل الرجال في مصاف السيد المطاع..
علينا ان لا نعتبر المرأة الوحيدة العاملة المستقلة اقتصادياً ونفسياً حرة القرار والمصير والكرامة والتي لا عيب في اخلاقها ولا عيب في انوثتها اكبر عدو للثقافة الذكورية بل يجب ان نحترمها ونقدرها مثلما ما هو معمول في المجتمعات الراقية واحترام حقوقها وواجباتها هو اكبر مقياس لتقدم هذه المجتمعات..
علينا ان نحاسب المرأة فقط على عملها وعطائها الفكري والابداعي والانساني لمجتمعاتها ولنفسها لا ان نحاسبها على أمر شخصي جداً وهو هل هي متزوجة أم غير متزوجة فذلك اختيارها الخاص الحر، واياً كان فمن الواجب احترامها اجتماعياً واخلاقياً اليس هذا اول ابسط حقوق الانسان.. فحين يواجه المجتمع الذكوري بامرأة اختارت الوحدة وتعمل وتكسب وتخوض الحياة بمفردها بشرف فانه يخرج من جعبته قائمة من الاضطهادات، والله من وراء القصد..