شكري عبد الغني الزعيتري
تقوم الدنيا وتقعد بتعليقات ونقد لكتاب وأحاديث سياسيين تصل إليهم أخبار ومعلومات وبيانات عن صياح وأصوات ترتفع وتنخفض..
مظاهرات واعتصامات نقرأ ونسمع عنها ونشاهدها وإن كانت ذات أهداف ومطالب حقه وواقعية نشارك فيها ولكن بمعرفة واضحة للأهداف والمطالب للمظاهرة التي نشارك فيها والتي تكون منصفة وفي حدود الإمكانيات للتعاطي معها..
وليس الشطح واللطخ السياسي، ولذا صادف يوماً أن كنت متواجداً في مدينة عدن لإعداد دراسة تسويقية لإحدى الشركات التجارية واستمريت فيها مدة تسعة عشر يوماً وتواجدت في عدن طيلة إعداد الدراسة التسويقية للشركة وفي أحد الأيام كنت في السوق لدراسته ففوجئت بوجود تجمع لقليل من الشباب في إحدى مناطق أحياء مدينة عدن "خور مكسر" وقيل لي بأنهم متظاهرون ورأيتهم يرفعون اليافطات المكتوب عليها عبارات لشعارات متعددة ويسيرون تحت حر الشمس رافعين لها يصيحون ويهتفون ووهلات يرتفع الصوت ووهلات أخرى ينخفض، فأخذت أقرأ ما كتب على اليافطات من عبارات وشعارات وأكثر ما لاحظت بروز شعار عريض يكاد يكون الرئيسي وقد سيطر على معظم اليافطات بعبارته وهي "الحراك الجنوبي" والمدهش الغريب أن تعداد المتظاهرين لا يزيد عن مائة وخمسين شخصاً فقلت لنفسي لماذا لا أجرب ممارسة عملي الذي جئت لأجله وأحول الدراسة من اختصاص تسويقي إلى اختصاص سياسي لهذا اليوم، وعليه سرت باتجاه المتظاهرين حتى وصلت إلى مؤخرة المتظاهرين ودخلت بينهم ووجدت نفسي بجوار مجموعة من الشباب يتراوح أعمارهم ما بين "15-18" سنة فسألت أحدهم ممن كان بجواري وكان عمره تقريباً "15" سنة: ماذا يحدث..؟ فأجابني "مدري" فسألت: وأين تذهب؟ فأجابني: "معهم"، فسألت: وإلى أين هم ذاهبون "المراد هنا بالمتظاهرين"؟ فأجابني:"مدري"، فلقت في نفسي سبحان الله.
هذا أول مشارك أسأله ولا يدري شيئاً عما يحركه سوى أنه ربما يأخذ بالقول "مع الجماعة رحمة.. فتمعنت وبعمق في التفكير.. ما هذه المظاهرة هل كل المظاهرات والاعتصامات التي ينادى بها وتتحدث عنها الصحف ويحدث الجدل الكبير حولها بين السياسيين وبشأن ما سمي "بالحراك الجنوبي" هكذا، مائة متظاهر ويزيدون قليلاً شباب أعمارهم صغيرة في سن المراهقة يتراوح ما بين "15-18" سنة، يحركون لا إرادياً بسبب جهل وعدم معرفة بأهداف ومطالب حقيقية للمظاهرات "عفويون وبحماس" وربما لقضاء وقت الفراغ" وهل يعقل أن التعداد السكاني لمناطق جنوب اليمن مائة نسمة ويزيدون قليلاً لأني أخذت أغوص بالتعمق بأغوار عبارة الشعار الرئيسي العريض التي تحمله المظاهرة وتتحدث عنه الصحف وهو "الحراك الجنوبي" وفسرت بأن الشعار يوحي بأنه ضم كل أبناء الجنوب رجلاً وامرأة ذكراً وأنثى، كهلاً وطفلاً، مثقفاً وسياسياً، موافقاً وغير موافقاً، قبولاً وقصراً وجبراً، لا يستثني أحداً من أبناء الجنوب حول الأهداف الظاهرة والخفية، والعامة والفردية التي وراء تحريك هذا الحراك الجنوبي، وقلت لنفسي معقول هذا الاتفاق الواسع لجميع أبناء الجنوب لا تباين ولا اختلاف بين الثقافة والفهم والغرض والسن، أو معقول أن يتم اختزال كل أبناء الجنوب بعدد مائة ويزيدون قليلاً من الأشخاص يتظاهرون تحت هذا الشعار ويضخمه السياسيون والإعلام الصحفي ويهددون به الوحدة الوطنية، وخلصت إلى نتيجة هي أنه والله ما هي إلا ديكتاتورية من لا يحكم، فكيف الحال إن كان هو الحاكم، "يفرض عبارة من اختراع القلة القليلة ويضم فيها العامة".