شكري عبد الغني الزعيتري
من أهم الوسائل والإثباتات الفعلية على وجود دولة المؤسسات والقضاء على الفساد والمفسدين هو إخضاع أي وزير أو أي موظف حكومي مهما كانت مرتبته الوظيفية سواء السياسية أو الحكومية ومهما كان تأثيره الاجتماعي في حالة إفساده أو محاولته الإفساد للمساءلة والاستجواب من جهات الضبط التنفيذية والقضائية بل أحياناً تمتد هذه المساءلة إلى رئيس وزراء الحكومة وان كان قائماً في السلطة .
ومؤخراً نستغرب أن نرى دولة الإرهاب الصهيوني ( إسرائيل ) تستدعي وتستجوب رئيس حكومتها (اولمرت ) رئيس الوزراء الحالي وهو قائم على رأس السلطة التنفيذية ويتمتع بنفوذ واسع حول قضية مصادر أمواله التي حصل عليها في حملته الانتخابية ، واستدعاء رجل أعمال يهودي أميركي لاستجوابه حول مبالغ قدمها لرئيس الوزراء (اولمرت ) وتحت أي مقابل ... قضية فساد مالي يراها المجتمع الإسرائيلي بانها قضية فساد وتستوجب المساءلة والتي من شأنها هزت كرسي رئيس الوزراء لدولة إسرائيل (اولمرت ) ووضعته تحت خانة التهديد بالإطاحة بمستقبله السياسي والمطالبة بتقديمه الاستقالة أو إجراء انتخابات مبكرة رغم ان المال قدم قبل سنوات ماضية ومن حر مال رجل أعمال أراد مساندته في الانتخابات فما بالك بالنهب والاضرار بالمال العام كيف يكون الرد والمساءلة حوله؟! مع حقيقة ان المال العام في الدول العربية مهدر دمه من قبل فئات الحكم ولا من يسأل ولا من يجيب ولا من يعاقب .
وهناك الكثير من الحكومات وأعضاءها وفي دول أوروبية وأميركية وأسيوية تسير بنفس التوجه في ظل دولة المؤسسات بشأن تفعيل دورها وأحقيتها في مساءلة واستجواب أي مسؤول حكومي يصل أحياناً إلى درجة الاستبعاد والإقصاء الجبري من المنصب الحكومي وأحياناً حتى من مزاولة النشاط السياسي المستقبلي إن ثبت ضده الاتهام الموجه له بالفساد .
إلا الدول العربية وبدون استثناء والتي لا نرى هذا يتم فيها وبين أعضاء حكوماتها كبرت مناصبهم أو صغرت ، وإنما نرى زيفاً يدعي بوجود دولة مؤسسات وما يدعي بوجود مؤسسات الحكم المدني (كالمجالس النيابية والحكومات المنتخبة بطرق غير مباشرة والقضاء المستقل والفصل بين السلطات وأجهزة الرقابة والمحاسبة ونيابات ومحاكم الأموال العامة والنظم الديمقراطية والانتخابات ..... الخ )
لكن على ارض الواقع لا نرى تفعيل ذلك في اتجاه القضاء على الفساد وبجميع أنواعه سواء المالي أو الإداري أو المهني والقضاء على المفسدين والذي يتضرر منه الحاكم والمحكوم .
فالحاكم هو في غنى عن الإفساد واستمرار الفساد والمفسدين لأنه رأس الدولة والحكومة ويهمه في ظل النظم الديمقراطية والشعبية كسب رضاء شعبه لاستمراريته على رأس الحكم وعدم الإطاحة به ، كما انه المسؤول الأول أمام شعبه عن أي حالات فساد وعن إفساد آخرين لا ذنب له في ارتكابهم للفساد وفي أي نواحي تضر بالشعب والبلد ...
وأما المحكوم فيتحمل أعباء أضرار الفساد سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ، وينعكس ذلك على ظروف معيشته ورفاهيته في شتى جوانب حياته ... كما يسهم المحكوم بوجود الفساد من خلال مشاركته في فساد جزئي في جانب ما ،وكلاً حسب إمكانيته ومرتبة وظيفته صغيراً أو كبيراً أو من كانت مهنته تاجراً أو طبيباً ، وأيضاً يسهم في وجود الفساد من خلال سوء اختياره لمن يمثله في انتخاب أشخاص يديرون شؤون حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية .... الخ من خلال المفاضلة في انتخاب الشخص المرشح من منطلق اعتبارات التقليد للغير ممن هم كبار القوم والمؤثرين اجتماعياً أوسياسياً أو التأثر الأعمى بما يريده الغير أو للحصول على مقابل مادي مؤقت .. أو لصلة ذي قربي .. أو لمرض التعصب المناطقي او المذهبي الأعمى ... الخ
وبعدها يصيح ويتوجع المحكوم متناسياً انه هو من اختار من يمثله في الانتخابات الحرة وعند الاقتراع السري في الصندوق.
وفي الأخير يكمن القول بان الشعب يكون هو صاحب الحق في تفويض من يختاره من الحكام وتصعيدهم من بينه في ظل الانتخابات والنظم الديمقراطية ومن ثم يتوقف هؤلاء الحكام او فسادهم تبعاً لحالات الوعي لدى أفراد الشعب ومعايير المفاضلة بين من ينهضون لتولي الأمر والحكم من بين أبنائه عليه وبمقدار تحري الشعب معايير الكفاءة والأهلية في اختياره يكون مستوى رقيه وسعادته أو خذلانه وتعاسته فالأمر متروك بيد الشعب لتحقيق مبدأ الحرية والمساواة وغير محصور في فئة أو سلالة أو منطقة أو قبيلة في ظل النظم الديمقراطية والانتخابات الحرة والاقتراع الحر والسري المباشر.
فقط مطلوب أن يحسن الفرد اختيار من يمثله لإدارة شؤون حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية .... الخ ما لم فأول من يلوم يلوم نفسه لأنه وقع تحت تأثيرات من غرروا به وصدقهم لانتخاب الشخص الذي يمثله ولا يدرى عنه وعن تاريخه وسيرته الذاتية وعطاءه شيئاً .
كما يكون اللوم أيضاً لفئات المتعلمين والمثقفين وأهل العلم والدين بعدم التوعية السياسية الدائمة ليس فقط في فترات الفعاليات الانتخابية وكلا لمن يصل إليه وتوعية من هم فاقدين للوعي السياسي بأهمية تأثير صوته و انتخاب الناخب ليمثله في إدارة شؤون حياة الفرد والبلد العامة ،وأيضاً مطلوب التوعية السياسية الواسعة والمستمرة لجميع أبناء الشعب من خلال إعطاء الاهتمام الواسع وتسخير الموازنات والمبالغ الكبيرة للرقي بالتعليم ومؤسساته وكوادره ، وإعطاء هذا الجانب الأهمية والرعاية الكبيرين مقارنة بما يسخر لمؤسسات أخرى كالدفاع وشراء الأسلحة ، وايضاً إدخال برامج التوعية السياسية إلى مناهج التعليم لإنقاذ الشعب من فئات المصالح والمتسلقين والمغررين والمزايدين والذين يظهرون أثناء قيام الفعاليات الانتخابية وليس لهم تاريخ حافل بالمهارات الإنتاجية وليس لهم سيره ذاتية حافلة بالعطاء وليس لهم خبرة ومهارة عالية بحسن إدارة شؤون عامة الشعب لكي يستطيع أبناء الشعب أن يفسروا ويحللوا ويفاضلوا بين كل مرشح وآخر في أي فعاليات انتخابية وينتخبوا ويعطوا اصواتهم لمن هو الأفضل .