أقام المركز اليمني للدراسات التاريخية وإستراتيجيات المستقبل "منارات" محاضرة للأستاذ الدكتور/ حمود صالح العودي تناولت قضايا الأمة العربية والإسلامية بين هزائم السياسة وانتصار المقاومة.
وفي المحاضرة التي حضرها نخبة من الأدباء والمفكرين وعدد من الأخوان العرب تناول العودي قضية فلسطين وهزائم السياسة العربية مقابل انتصارات العدو الإسرائيلي محلقاً على لبنان والعراق واختتم حديثه عن الصومال.
وبعد المحاضرة عقب الأستاذ/ حاتم أبو حاتم على ورقة العودي، مشيداً بها ومعترضاً على تسمية إسرائيل بكلمة إسرائيل، مطالباً بتغيير المصطلح إلى الكيان الصهيوني.
تغطية/ إياد البحيري
> حيثما تغيب السلطة تنتصر المقاومة والعكس صحيح
والسؤال المهم والصعب هو لماذا تقدم خط المقاومة الفلسطينية وصارت كل خطوط السياسية الفلسطينية والعربية تتخبط خلفه في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي؟ ولماذا انتصرت كل مقاومات الشعب اللبناني منذ غزو التحالف العسكري الإمبريالي عام 1982م والاجتياح الصهيوني في نفس العام، وخروجه مهزوماً عام 2000م ثم العدوان الهمجي عام 2006؟ ولماذا انتصر الشعب الصومالي على تحالف الغزو العسكري الأمريكي عام 1992م وينتصر اليوم ضد أمراء الحرب في الداخل والتآمر الإمبريالي من الخارج ولماذا تنتصر المقاومة العراقية البطلة اليوم ضد الغزو الأمريكي الذي عجز النظام السياسي العربي عن صده داخل وخارج العراق، بل أعانه ويسر مهمته؟؟؟
والرد الأصعب على مثل هذه التساؤلات هو ببساطة ومن وجهة نظرنا على الأقل أن كل انتصارات المقاومة هذه وتلك قد تمت وتتم بسبب غياب النظام الرسمي أو ضعفه أو بالرغم منه، وهكذا أصبحت الانتصارات الوطنية والقومية شبه مشروطة بغياب النظام الرسمي أو ضعفه أو بالرغم منه على الأقل، وهذا ما يؤكد انتصار المد المقاوم لحماس فلسطين ولبنان حزب الله، وعراق المقاومة الشريفة ضد الاحتلال وليس قتلة الأبرياء بالجملة، وأخيراً صومال المحاكم الإسلامية، وذلك مقابل ارتباط الهزائم الوطنية والقومية النكراء بتضخم وتورم الأنظمة الرسمية وعنجهيتها على الداخل ومذلتها للخارج، بل الأدهى والأمر من كل هذا وذاك أنها تقوم بدور راس الحربة القاتل ومخلب الوحش المفترس ضد كل أشكال المقاومة الوطنية والقومية والإسلامية لا من أجل نفوذهم ومصالحهم غير المشروعة فحسب -وليت الأمر كان كذلك-، بل ومن أجل أمن ومصالح حلفائهم من عتاة الصهاينة والإمبرياليين وبأوامر وقرارات منهم باسم ما يعرف اليوم بالتحالف الدولي ضد الإرهاب والتطرف، والذي لا يعني فيما يعني شيئاً أكثر من أمن إسرائيل وتصعيد الكراهية ضد العروبة والإسلام والمسلمين والمزيد من تأمين وتجذير المصالح الاستعمارية القديمة والإمبريالية الأمريكية الجديدة في وطننا العربي، ثم ما تبقى بعد ذلك من تامين فتاة المنافع والمصالح الشخصية والعائلية لهذه الأنظمة العربية المسخ بالمطلق إلا من رحم ربى وإلى هذا الحد أو ذاك.
> الأبعاد السياسية والاجتماعية لانتصارات المقاومة
والسؤال الثاني الأهم والأكثر أهمية هو: ما هي أبعاد ودلالات انتصارات هذه المقاومات الوطنية والقومية والإسلامية على صعيد الوطن العربي والدولي؟ ما هي دوافعها ومقوماتها وإمكانياتها وآليات عملها وعوامل الحسم في انتصاراتها السياسية والعسكرية التي أربكت كل حسابات أعدائها وأقضت مضاجعهم وأدهشت كل توقعات أصدقائها وأنصارها قبل أعدائها سلماً وحرباً؟؟ وحتى نوفي هذه القضية الهامة حقها سوف نتناولها من خلال ذكر الوقائع ثم تحليل أبعاد ودلالات كل منها في كل من فلسطين ولبنان والعراق والصومال وبشيء من التحليل والتفصيل كل على حده وعلى النحو الآتي:
1- المقاومة الفلسطينية:
أ. من فتح المقاومة إلى فتح المساومة
بعد 1956م وما بعد إنطلاقة حركة فتح الانتفاضة والمقاومة تحديداً فإن القضية الفلسطينية وبفضل هذه الحركة المقاومة كنضال سياسي وعسكري قد استعادت حيويتها على الأرض فلسطينياً وعربياً وعالمياً بقيادة المناضل التاريخي الجسور ياسر عرفات كخط سياسي وشعبي مقاوم، كما استعاد الخط الرسمي العربي والفلسطيني بعض حيويته أيضاً بفضل المقاومة الفتحاوية أيضاً على الصعيد الوطني الفلسطيني ممثلاً بمنظمة التحرير القديمة الجديدة ذات الشكل الكبير والمضمون الأقل من القليل كنسخة طبق الأصل من النظام العربي الرسمي حتى اليوم، وعلى الصعيد القومي العربي بكثير من الأقوال وقليل من الأفعال، وإذا كان أفضل ما في حصيلة الخط الرسمي العربي من 1956م وحتى أكتوبر 1973م هو تجسيد الوعي بالقضية على المستوى القومي والدولي والمقاطعة والممانعة القوية ضد مساومات التفريط بأي حق وطني أو قومي في القضية فإن أسوأ ما في هذه الحصيلة هو التواطؤ المباشر وغير المباشر في المواجهات وحروب الهزائم العسكرية النكراء كما سبق وأن حللنا، أما حصيلة خط المقاومة الفتحاوية فثبات على الأرض والمبدأ وتقدم مطرد في القول والعمل إلى حد انتزاع الاعتراف الدولي العام بكامل حقوق الشعب الفلسطيني وبدء تجسيدها على أرض الواقع حتى أوسلو عام 1993م حينما تحولت فتح المقاومة والانتفاضة إلى فتح السلطة والمساومة.
أما خط الخطاب السياسي العربي الرسمي عموماً فقد تحول انطلاقاً من كامب ديفيد 1973م وحتى الآن وبمفارقات دراماتيكية عجيبة، تحول من موقف التحريض القومي ضد الاحتلال الإسرائيلي والممانعة والرفض لكل تمدداته وأطماعه بقيادة عبدالناصر رغم الفشل والهزائم العسكرية إلى الاعتراف به وتمدداته على الأرض والعرض والكرامة العربية في زمن الانبطاح الساداتي الرديء، بل ودعوة البقية إلى التطبيع معه والتطبع بطبعه إن أمكن، والذين تزاحموا على شباك بيع بطاقات التطبيع من موريتانيا إلى بيروت، ولم يكن خط المقاومة الفتحاوية بأقل دراماتيكية من خط النظام السياسي العربي الرسمي والذي هب مهرولاً مرة إلى أسلوا سراً وأكثر من مرة إلى البيت الأبيض علناً، منضماً بذلك إلى موكب النظام العربي الرسمي المعاهد والمطبع سراً وعلانية جرياً وراء سراب السلام والدولة الفلسطينية القابلة للعيش، الدولة التي تنازل من أجلها ياسر عرفات فتح عن قيادة شعبه ومكانته العربية والعالمية كمقاوم ليصبح سجين أسوار المقاطعة الضيقة في رام الله بلا شعب وبلا مكانة وبلا دولة حتى مات مسموماً لأنه رفض من طيب معدنه الوطني وبعد أن أدرك الحقيقة المرة أن يقول الكلمة الأخيرة في كامب ديفيد الثانية لصالح العدو الصهيوني ويوقع عليها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي باراك كما فعل السادات مع بيجن من قبل بعد أن أدرك حقيقة وهم الدولة الفلسطينية المنتظرة بقلب أبيض من البيت الأسود في واشنطن، وفضل الموت دون ذلك وكان له ما أراد وللعدو منه ما يكره، وصارت فتح بعد عرفات تتخبط خبط عشواء بين أوهام الدولة والسلطة الرسمية المنتظرة كمنحة أو هبة من تل أبيب وواشنطن، وواقع المقاومة السياسية والعسكرية بآفاقها الجديدة والتي هوت بفتح إلى حيث أودت بنفسها هي إليه سياسياً وعسكرياً، ما لم تنقذ نفسها اليوم وفي اللحظة الأخيرة وقبل فوات الأوان، وأن تراهن على شعبها وأمتها العربية الإسلامية بدلاً من أعدائها لأن العدو يسلم بالحق مكرها ولا يعطيه هبة ومنحة.
ب. من فتح التاريخ إلى حماس المستقبل
لكن منطق الزمن ووجدان الأمة لم يتوقف عند زمن ومنطق المطبعين في النظام العربي الرسمي بما فيه مجموعة القطط السمينة في مقر المقاطعة في رام الله قبل وبعد عرفات من المنتفعين بفتات الموائد الأمريكية والأوربية والعربية المترفة، حيث ما كادت تشيخ فتح الانتفاضة والمقاومة وتنحرف بها مجموعة القطط السمينة بعد عرفات حتى كانت الأرض الفلسطينية الولود قد أنجبت لخط الصمود والمقاومة من هم أشد بأساً وأصلب عوداً وأنطق قلباً ويداً من فصائل المقاومة المختلفة وعلى رأسها حماس، حماس التي قيل عنها عند نشأتها قبل أقل من عشرين عاماً بأنها صنيعة القوى الصهيونية والرجعية والإمبريالية اليمينية على اختلاف أماكنها ومسمياتها في مواجهة المد اليساري التقدمي المتصاعد لفتح والديمقراطية والشعبية وقتها، على غرار احتشاد كل القوى اليمينية مادياً ومعنوياً وراء المقاومة الإسلامية وبن لادن في المقدمة ضد السلطة اليسارية لنجيب الله في أفغانستان والنفوذ السيوفيتي وقتها هناك، حيث كان الشعار المطروح وقتها في إدارة الصراع المحلي والدولي هو "ما لماركس إلا محمد" من اليمن إلى أفغانستان مروراً بفلسطين وباكستان وحتى الجزائر، مع حرص المنتجين والمخرجين لتلك المسرحية الأكذوبة من الرياض إلى قاهرة السادات وحتى البيت الأبيض على انتقاء أسوأ ما ألصق كذباً بالدين الإسلامي من تعصب وتطرف كدين بن لادن في أفغانستان، وأسوأ ما في اليسار والاشتراكية كبول بوت في كمبوديا، بدلاً من إسلام مهاتير محمد في ماليزيا واشتراكية كاسترو في كوبا، ولكن رياح التاريخ وقوانينه غالباً ما تجري بما لا تشتهي نفوس العابثين والمصرين على السير في الاتجاه المعاكس.
وإذا كان التحليل السابق يصدق إلى حد كبير على خط بن لادن الذي تحول من المجاهد الأكبر في قاموس الخطاب السياسي الأمريكي في الثمانينيات إلى الإرهابي الأكبر في نهاية الألفية السابقة وبداية الألفية الجديدة وحتى الآن، إلا أن الأمر ليس كذلك بالنسبة لحماس لا من حيث النشأة ولا من حيث النتيجة، فحماس تستمد جذورها من أفضل ما في أقدم وأعرق حركة سياسية ودينية إسلامية في العصر الحديث وهي حركة الأخوان المسلمين، إن صحت مقولة هذا الافتراض، وتتصدى لاعتى عدوان وأثقل مظلمة وقعت على شعبها الفلسطيني الصامد، ولم تكن يوماً طوال عمرها الفتي الذي لم يتجاوز بعد عقده الثاني باحثة عن سلطة بالمؤامرة أو التواطؤ أو محاربة لحساب أحد بالوكالة، إنها وإن كان خطها الوطني الإسلامي النظيف قد بدأ مختلفاً عن خط فتح الوطني والقومي الشريف فإن هذا الاختلاف والتنوع على الأصح قد كمل بعضه البعض وأتت حماس بما كانت تفتقر إليه فتح وتعلمت من خبرة فتح ونضالها الوطني المديد ما جهلته معظم الحركات الإسلامية المتطرفة والمتهورة الحمقى على امتداد الساحة العربية والإسلامية، بدأً بسوريا حافظ الأسد، ومصر الأسلامبولي، وطالبان أفغانستان والقاعدة، وحتى زرقاوي العراق، وحوثي صعدة اليمن.
حماس إذن بالدرجة الأولى وكل اشكال المقاومة الوطنية الفلسطينية هي خلاصة تجربتنا الوطنية والقومية ورمز تاريخنا النضالي وحاضرنا الممانع والمقام ومستقبلنا المنتصر بإذن الله، حماس النظافة والإيمان والمقاومة التي حققت على أرض فلسطين في أقل من عقدين عسكرياً وسياسياً ما عجز عنه غيرها داخل وخارج الوطن الفلسطيني من عشرات الدول العربية وملايين البشر المغلوبين على أمرهم فيها، وتجاوز خط الممانعة والمقاومة بفضل حماس وكل فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى كل خطوط المواجهة الرسمية الفلسطينية والعربية معاً مع العدو الصهيوني داخل وخارج فلسطين.
ج. حماس المقاومة بين مطرقة العدو الصهيوني وسندان النظام العربي