خالد السرجاني
يبدو من سياق الأحداث التي تشهدها تركيا في الوقت الراهن أن حظر حزب العدالة والتنمية أصبح أمراً مطروحاً ومرجحاً، وهو ما لابد وان يطرح أمرا آخر يتعلق بالخيارات المتاحة أمام حزب العدالة والتنمية سواء لمواجهة قرار الحظر ومنعه أو للتعامل مع الواقع السياسي في مرحلة ما بعد الحظر.
فبعيدا عن أن مطالبة المدعي العام التركي من المحكمة الدستورية حظر الحظر هو وسيلة من وسائل الضغط عليه، لإرغامه على وقف محاولاته تعديل بنية الدولة التركية، فإن رد فعل الحزب الذي أعلن على لسان رئيسه ورئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان وهو أن يصدر البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب قانونا من شأنه تقليص سلطات المحكمة الدستورية يمكن أن يدخل تركيا في أزمة سياسية كبيرة ويفتح باب الخلاف والصراع بين السلطة القضائية من جهة والسلطتين التنفيذية والتشريعية من الجهة الأخرى.
وقد يبدو أن حزب العدالة والتنمية الذي يسيطر على البرلمان والحكومة هو الذي يملك زمام المبادرة ولكن الأمور ليست على هذا الحال، لأن النظام السياسي التركي يعطي للمحكمة الدستورية امتيازات كبيرة حيث انه من المتوقع أن يلجأ معارضو العدالة والتنمية إلى هذه المحكمة من اجل وقف محاولات الحزب تقليص سلطات المحكمة، الأمر الذي يعني أن محاولات الحزب سوف تبوء بالفشل إذا ما قرر أن يبدأ مواجهة مفتوحة مع السلطة القضائية.
وهو ما يعني انه على الحزب أن يبحث عن خيارات أخرى في مرحلة ما قبل صدور قرار المحكمة الدستورية حول حظره من عدمه. ولدى الحزب خياران أساسيان هما خيار المواجهة المفتوحة مع النخبة العلمانية، ومن عناصرها السلطة القضائية، لكن هذا الأمر لا يمكن أن يحقق للحزب النتائج المرضية في ظل تراجع شعبيته في الوقت الراهن فضلا عن أنه سوف يستفز النخبة العلمانية ويمكن أن يجعل المحكمة تتشدد إزاء الحزب في المراحل المتتالية من الملاحقة القضائية.
أما الخيار الآخر فهو التهدئة والانحناء للعاصفة وهو ما يتطلب من الحزب التراجع عن خطوات تغيير بنية النظام السياسي التركي، ويبدأ تطبيق هذا الخيار بأن يذعن الحزب لقرار المحكمة بعدم دستورية قرار البرلمان بالسماح بلبس الحجاب في الجامعات التركية.
وبالطبع فإن يد الحكومة لن تكون مطلقة إذا ما قررت تبني هذا الخيار ذلك أن الكوادر المتشددة داخل الحزب ترى أن المواجهة المفتوحة هي السبيل المناسب للتعاطي مع التطورات الراهنة، وإذا لم يضع الحزب حسبانا لهذه الآراء فإن ذلك يمكن أن يفتح الباب أمام انشقاقات داخلية في الحزب تصعب من المواجهة بوجه عام.
كذلك فإن تبني الحزب لهذا الخيار سوف يضعه في موضع المتخاذل أمام نفس الكوادر خاصة وأنها هي التي ضغطت على قيادات الحزب من اجل الإسراع بتنفيذ برنامجهم المتعلق بتعديل كافة القوانين التي ترى أنها تتصادم مع الإسلام أو تشكل عقبة أمام تعبير المسلمين عن ديانتهم بصفة عامة.
ومجمل ما يمكن قوله إن الحزب في الوقت الراهن في موقف لا يحسد عليه لان هامش المناورة المتاح لديه غاية في الضيق، وهناك كوابح عديدة أمام تطبيق الخيارات المتاحة لديه وهي كوابح من داخل الحزب ومن خارجه، وهو الأمر الذي قد يجعل القيادات تفتقد إلى المبادرة وتختار أن تقوم برد الفعل وليس الفعل خوفا من التبعات السلبية لأي خيار متاح لها.
أما ما يتعلق بخيارات الحزب إذا ما صدر قرار المحكمة بحظره فهي أيضا خيارات ضيقة منها ما سبق ولجأ إليه التيار السياسي الإسلامي التركي في النصف الثاني من القرن العشرين، وهو تشكيل أحزاب أخرى بأسماء مختلفة، فالعدالة هو امتداد للرفاهية الذي هو امتداد للرفاه الذي هو امتداد لأحزاب أخرى شكلها نجم الدين أربكان كلما حلت له السلطات التركية حزبا.
ولجوء الحزب لهذا الخيار هو المتوقع، وان كانت كوادر الحزب المتشددة يمكن أن يكون لها رأي آخر وقد يلجأ بعض منها إلى خيارات عنيفة تتصادم مع الدولة التركية. والأمر الذي علينا أن نعرفه هو انه إذا كانت هناك خيارات أمام حزب العدالة والتنمية، وهى خيارات محدودة، فإن النخبة العلمانية هي الأخرى خياراتها محدودة في ظل أن هناك كوابح دولية لابد وان تضعها في حسبانها وهي تتخذ قراراتها بشأن حزب العدالة والتنمية.
فمثل هذا القرار قد ينهي تماماً أي أمل لتركيا لكي تصبح عضوا كاملا في الاتحاد الأوروبي، وقد يفتح المجال أمام عودة انتقادات المجتمع الدولي لسجل تركيا في مجال حقوق الإنسان خاصة ما يتعلق بحقوق الأقليات وعلى رأسها الأقلية الكردية.
من هنا فإننا نستطيع القول أن هناك خيارين أمام النخبة العلمانية، أولها أن تسير في المواجهة إلى حدودها القصوى أي أن تحظر الحزب، وفي هذه الحالة فإنه على النخبة العلمانية أن تتحمل كافة تبعات هذا الخيار. أما الخيار الثاني فهو أن تصل إلى حل وسط مع الحزب حول برنامجه في المرحلة المقبلة بحيث ينهي الحزب محاولاته الاستئثار بالسلطة ويسمح بالمشاركة من الأحزاب الأخرى.
وبحيث يتوقف الحزب عن محاولاته تغيير بنية الدولة وهيكلها بما يطمئن النخبة العلمانية، خاصة وأن الأصوات التي حصل عليها الحزب كانت على برنامجه الاقتصادي وليس على النقاط التي استبعدها من البرنامج الانتخابي له، لأن برنامج الحزب في الانتخابات البرلمانية الماضية تجاهل الإشارة إلى هذه النقاط تماماً.