يونس الشجاع
تمر الأيام سراعاً وكأنها في سباق ماراثوني مع الزمن. . تصبح معه مجرد ساعات بل إن شئت قل لحظات. . وفي خضم هذا الهوس الجنوني المتسارع ندخل دوامة الوقت ونغدوا جزءً من حلقاتها المتسابقة. . تسقط من ذاكرتنا الأماكن. . والوجوه. . والأرقام. . ونتحول إلى آلة تتحرك في اتجاه واحد دون احتمالات للتوقف أو التراجع إلا على مساحة محدودة من الزمن هي محطة " ترانزيت "
" ترانزيت " محطة نشخص فيها واقع المسلمين وما آلوا إليه من ذل وانكسار وهوان وانحدار بين عمالة الشرق وشرارة الغرب. . نبحث عن الأسباب. . نغوص في الأعماق. . نستخرج العوامل ونستشف ما وراء الغيوم.
" ترانزيت " محطة نحلق من خلالها فوق تاريخنا الماضي ونبكي على الحاضر. . نسمع آهات المخلصين. . زفرات المنكوبين. . شهيق المعلولين نشخص الداء لمعالي السفراء من الحكام والعلماء لعلّ وعسى أن يجدوا الدواء في عصر صارت الأمة فيه غثاء.
" ترانزيت " محطة ننظر من خلالها إلى حاملي قرار الأمة وقد جندوا العديد من فرق العمل الطبية المدربة لمكافحة الأوبئة الجرثومية القاتلة ونسوا أو تناسوا الوباء المعنوي القاتل " الوهن " الذي يدب وينخر في جسد الأمة. . ذلكم الفيروس الذي ينهش في بنيانها. . ذلك لأن حاملي القرار هم بؤر الوهن ورعاة فيروسه وصانعوا محا ضنه ومبايض تفريخه ولأنهم لايرونه من وجهة نظرهم وهناً ولا علة وإنما يرونه تقدماً وإعماراً وإصلاحاً وحضارة.
(ترانزيت ) مساحة من الزمن نتوقف فيها. . نلتقط أنفاسنا. . ننسى إرهاق اللحظات اليومية وذكرياتها المعبأه بقضايا الواقع وتداعياته المتداخلة. . ومع الوقت يتحول ال " ترانزيت " إلى زمن في بعد آخر. . نغسل فيه عقولنا من زذاذ الأفكار اليومية العالقة فيها. . نشحذ أنفسنا بتموجات المستقبل مختزلين في داخلنا ماهو قادم. . لنعود إلى تسارع الايام من جديد. . يملؤنا الشوق إلى محطات ال " ترانزيت ". . إلى حالة التوقف. . الاغتسال. . الاختزال. . نراقب بخوف جنوح الاقلام والافكار في إصرارها على تحويل " ترانزيت " إلى مساحة تفريغ لما تعتركنا من قضايا. . وهموم. . وانتكاسات. . دون أن يكون في وسعنا سوى المراقبة والقلق. . وكأن اعتصارات التسارع اللحظي ليست كافية لتمزيقنا كيما نضيف اليها قلقنا هذا. . وكأنما الأقلام والأفكار في جنوحها ذلك قد استكثرت علينا واحة راحة واحدة ننزل بها في لحظة انتظار. . ومع ذلك يأبى " ترانزيت " إلا أن يظل كما كان واحتنا الأخيرة وغسقنا الليلي الممتع. . رافضاً كل محاولات الضم والارتهان والتبعية. . صامداً أمام احتلال هموم اللحظات له. . منتظراً في كل مرة عودة الهاربين من جحيم اللحظات المتسارعة. . وسياط الواقع المربك. . ليتجددون به ويتجدد بهم. . فارداً أشرعته لمساحة هادئة نرتشف فيها فنجان قهوة على سيمفونية السكون. . في لحظات تصبح فيها محطات الزمن متوقفة على أعتاب " ترانزيت ".