أقام المركز اليمني للدراسات التاريخية وإستراتيجيات المستقبل "منارات" محاضرة للأستاذ الدكتور/ حمود صالح العودي تناولت قضايا الأمة العربية والإسلامية بين هزائم السياسة وانتصار المقاومة.
وفي المحاضرة التي حضرها نخبة من الأدباء والمفكرين وعدد من الأخوان العرب تناول العودي قضية فلسطين وهزائم السياسة العربية مقابل انتصارات العدو الإسرائيلي محلقاً على لبنان والعراق واختتم حديثه عن الصومال.
وبعد المحاضرة عقب الأستاذ/ حاتم أبو حاتم على ورقة العودي، مشيداً بها ومعترضاً على تسمية إسرائيل بكلمة إسرائيل، مطالباً بتغيير المصطلح إلى الكيان الصهيوني.
تغطية/ إياد البحيري
لكن السؤال الأخير والأهم في موضوعنا هذا المتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي بصفة عامة والمقاومة الفلسطينية خاصة، هو ماذا عن موقف خط المواجهة الرسمي للنظام العربي من خط المقاومة وحماس تحديداً، بدءاً من المراهنين على سلام التفاوض بين الذئب والحمل، مروراً بالمطبعين بلا ثمن في السر والعلن، وانتهاء بالمتآمرين بلا خجل؟ ولا ندري هل هو من حسن الحظ أو من سوءه أن الرد على مثل هذا التساؤل قد صار من البساطة والوضوح المخزي ما جعل من النظام العربي الرسمي أضحوكة العدو قبل الصديق وشر البلية ما يضحك، فإذا ما تجاوزنا جزئيات الإجابة الأولى عن أن حماس والمقاومة الفلسطينية عموماً ترفض الاعتراف بإسرائيل أو التطبيع معها والنظام العربي الرسمي يصر على الاعتراف والتطبيع بدون مقابل يذكر بدءاً من كامب ديفيد السادات ووادي عربة الأردن، وحتى أوسلوا عرفات، وأخيراً قمة بيروت المبجلة، وفي حين أن شكلياً على الأقل المقاومة تقاتل الاحتلال على الأرض فإن الأخطر هو أن النظام السياسي العربي قد تجاوز قاموس خطاب الشجب والإدانة القديم للعدو الصهيوني إلى إدانة المقاومة وحصارها وتجويعها، بدءاً من مقاطعة أبو مازن والقطط السمينة من حوله في رام الله، مروراً بزريبة البقر الضاحكة في القاهرة، وحتى حفدة الأنجلوسكسون في عمان، وقبل أن يدينها ويتوعدوها راعي البقر والخنازير والقطط الأكبر في البيت الأسود في واشنطن أو الراعي الأصغر في تل أبيب، أما الأدهى والأمر من كل هذا وذاك فهو أن يفوز خط المقاومة حماس بثقة الشعب الفلسطيني الصابر والمجاهد في أكثر الانتخابات الوطنية والديمقراطية نظافة وشفافية على المستوى الدولي وبإقرار العدو قبل الصديق فيبادر خط النظام السياسي العربي الرسمي في المقابل بتقديم "التهاني" العلنية بضرورة عدم تمكين حماس من تشكيل الحكومة ما لم تعترف بإسرائيل والاعتراف باعترافات النظام العربي الرسمي بإسرائيل بدءاً من معاهدات الاستسلام في كامب ديفيد بإمريكا ووادي عربة في الأردن مروراً بأوسلوا وحتى قمة بيروت عام 2000م وإذا لم تقبل حماس بذلك فإن المقاطعة السياسية والحصار الاقتصادي والعسكري والتجويع للشعب الفلسطيني عقوبة له على انتخاب حماس هو الرد الأولي على ذلك، بل ولقد باشر النظام العربي الرسمي المقاطعة والحصار والتجويع قبل أن يطالب حكومة حماس بالاعتراف والتطبيع، هذا هو ما صار يمارس علناً بدءاً من رام الله مروراً بعمان والقاهرة فالرياض وحتى تل أبيب وواشنطن حيث يصنع القرار أصلاً، أما ما لم يكن معلناً فهو الأخطر على الإطلاق وهو ما يتعلق بإطلاق يد إسرائيل وألتها العسكرية الهائلة لتصفية حماس والمقاومة الفلسطينية عموماً بالإبادة المنظمة للبشر والشجر والحجر تحت سمع وبصر النظام العربي الرسمي إن لم يكن ذلك بمباركته غير المعلنة حتى تخلصهم إسرائيل من هذا الصوت والفعل المقلق بالنسبة لهم والخطر المحدق بالنسبة لها، وعلى نحو ما فعلوا ويفعلون مع المقاومة اللبنانية في حربها السادسة والمنتصرة على اسرائيل في يوليو أغسطس 2006م وهو ما سنتناوله بتحليل أعمق في البند التالي من هذه الدراسة، فهل سمعتهم أسوأ أو رأيتم أبشع أو شممتهم رائحة أقذر أو علمتم بانحطاط أكثر من هذا الذي حفلت به جرائم وفضائح خط هوان النظام الرسمي العربي الذي صار عدواً لنفسه وأمته أكثر من العدو نفسه!!
ثانياً: لبنان من حلم الدولة الصليبية إلى حقيقة انتصار الهوية والمقاومة
1 - جذور وهم الشروع الصليبي
نعم لبنان المساحة الجغرافية الأصغر في خارطة تقسيم الوطن العربي التي قررها مؤتمر "سايكس بيكو" وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا، الاستعماري بعد الحرب العالمية الثانية الذي أريد للبنان وفق ذلك التقسيم المشئوم أن يكون بمثابة نقطة الضعف الثانية بجانب وعد بلفور ومشروع الدولة الصهيونية، لا كمجرد التزام بتنفيذ خارطة "سايكس بيكو" في مشرق الوطن وتكريس الهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية للاستعمار الجديد فحسب بل ونقطة انطلاق لتغيير هوية الأرض في لبنان والإنسان العربي بسلخ هذه البقعة عن جذورها المرتبطة بأعماق الوطن العربي والأمة العربية والإسلامية، فإذا كان وعد بلفور قد حقق وهم الحلم بدولة صهيونية في قلب الأمة في فلسطين ولو إلى حين، فإن الحلم بإقامة دولة صليبية عنصرية في الشرق قد كان هو الأقدم وربما الأهم حتى الآن، فإذا كان المشروع الاستعماري البريطاني القديم قد نجح في إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين في القرن المنصرم باسم "حكمة موسى" عليه السلام فما المانع من أن تقيم الإمبريالية العالمية بقيادة أمريكا الكيان الصليبي العنصري في لبنان باسم "محبة المسيح" عليه السلام والبقية تأتي، (مصر القبطية والعراق وسوريا الكردية والمغرب الأمازيغي ...الخ) والوسيلة الأولى لتحقيق ذلك هو تأليب العالم المسيحي واليهودي كذباً والاستعماري الإمبريالي حقيقة في أوروبا الاستعمارية القديمة وأمريكا الإمبريالية الحديثة تحديداً ضد محمد ودين محمد وأهله باعتباره في نظرهم -كذباً- هو دين الإرهاب والتخلف، وباعتبار الإسلام اليوم حقيقة هو حجر العثرة والعائق المتبقي الوحيد - بعد أن اخترقت السياسة والاقتصاد - أمام المشروع الإمبريالي الأمريكي الصهيوني الجديد للشرق الجديد أو الكبير الذي ما فتئ قتلة الأنبياء في تل أبيب ورعاة البقر والخنازير في البيت الأسود يبشرن به ليل نهار.
أما ما غاب عن ذاكرة كاوبوى البيت الأسود في واشنطن وقراصنة القتل في تل أبيب من غبائهم أن موسى وعيسى هم أنبياؤنا حكمة ومحبة ومحمد كذلك نبينا ورسولنا إيماناً وتحرراً وعدالة، وأنهم مع غيرهم من أنبياء الله ورسله ورسالاته جميعاً قد خرجوا من حرم أرض المحبة والسلام الطيبة المقدسة من جزيرة العرب الممتدة بين مثلث القدس سمالاً ومكة وسيناء جنوباً، ومنه إلى أنحاء العالم والبشرية كلها، رسالة حكمة ومحبة وحرية وعدالة، ولم يخرج أي منهم قرصاناً من بلاد "الأنجلوسكسون" ويذهبون إلى النصف الأخر من الكرة الأرضية في الأمريكتين ليبيدوا أمماً وحضارات هناك بأكملها من على وجه الأرض، ويعود من أقصى الغرب بعد ما يقرب من ماتين سنة من ذهابه إلى أقصى الشرق على سفنه الحربية ومن الطائرات الحربية المحملة بقنابل الموت الجماعي للإنسان والمكان في هيروشيما ونجزاكي ثم في فيتنام وأفغانستان، وأخيراً فرق الموت والتعذيب في العراق وإقامة مركز القرصنة البشرية العالمي في جوانتنامو، أما أحدث نبوات ورسائل الديمقراطية وحقوق الإنسان من البيت الأسود إلى العالم فهي القنابل الذكية إلى أطفال قانا ومرواحين والضاحية الجنوبية لبيروت، وكل بشر وشجر وأحجار لبنان بحثاً عن وهم الطريق لفتح الشرق وهزيمة الأمة أمام قرصان الإدارة الأمريكية في البيت الأسود وأحفاد قتلة الأنبياء قديماً ورسل خراب ودمار العالم حديثاً، غير أن بيروت ولبنان المقاومة تأبى إلا أن تكون وهم الهزيمة أمام العدوان وحقيقة الانتصار للمقاومة في وجهة.
2 - وقائع العدوان وانتصار المقاومة اللبنانية
لن نذهب في رصد حلقات ووقائع العدوان على الأمة ممثلة بما جرى ويجري للبنان إلى أبعد من إقدام الإدارة الإستعمارية الفرنسية للبنان قبل رحيلها في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي بتأسيس سلطة سياسية وإدارة مدنية قائمة على أساس التفرقة الطائفية المفتعلة من رأس الدولة حتى أبسط وظيفة إدارية لأبسط موظف في أصغر مصلحة وليس بين المسلمين والمسيحيين فحسب بل بين المسلمين والمسلمين أنفسهم (سنة، شيعة، دروز..الخ) و المسيحيين والمسيحيين (مارونيين، وأرثوزكس، وكاثوليك ..الخ) وكان ورثة الإدارة الاستعمارية أو صنيعتها على الأصح من مكونات النظام السياسي العربي في لبنان وغير لبنان هم الأحرص على تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ من مخطط "سايكس بيكو" وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا حتى اليوم.