أقام المركز اليمني للدراسات التاريخية وإستراتيجيات المستقبل "منارات" محاضرة للأستاذ الدكتور/ حمود صالح العودي تناولت قضايا الأمة العربية والإسلامية بين هزائم السياسة وانتصار المقاومة.
وفي المحاضرة التي حضرها نخبة من الأدباء والمفكرين وعدد من الأخوان العرب تناول العودي قضية فلسطين وهزائم السياسة العربية مقابل انتصارات العدو الإسرائيلي محلقاً على لبنان والعراق واختتم حديثه عن الصومال.
وبعد المحاضرة عقب الأستاذ/ حاتم أبو حاتم على ورقة العودي، مشيداً بها ومعترضاً على تسمية إسرائيل بكلمة إسرائيل، مطالباً بتغيير المصطلح إلى الكيان الصهيوني.
تغطية/ إياد البحيري
لكن لبنان محبة السيد المسيح ورحمة وعدالة محمد الذي فرض عليه هذا النظام السياسي الطائفي المقيت قد ظل هو رمز الوحدة والتعايش والإبداع لنفسه وللأمة العربية والإسلامية علماً وثقافة وتحضراً ومنارة عالمية مضيئة للشرق والغرب، لبنان من تعلمت منه القاهرة ودمشق وبغداد علم الصحافة والطباعة والنشر وفن السينما وثقافة المسرح، لبنان الذي أراده الأوربيون المستعمرون والصهاينة ماخوراً للرذيلة وحلبة للسمسرة وتجارة الأرض والعرض والكرامة العربية فكان بعكس ما يشتهون منارة مضيئة لنفسه وللأمة والعالم، منه تعلمنا جميعاً الثقافة الوطنية والتقدمية والحرية، وتقلينا من خلاله الفكر العلمي والأممي وشاهدنا واستمعنا واستمتعنا من خلاله أيضاً بالأدب والفن الإنساني الرفيع بدءاً من ثقافة جرجي زيدان وساطع الحصري وميشيل عفلق وجورج طرابشي مروراً بفكر حسين مروة وعلي أحمد سعيد "أدونيس" ووطنية كمال جنبلاط الأب، لا تفاهة جنبلاط الإبن، وروح موسى الصدر، وصولاً إلى أدب ميخائيل نعيمة ونزار قباني وسليمان العيسى، وصولاً إلى فن صوت اشتياق الأرض لترانيم السماء فيروز الرحبانية، وحتى نبض قلب الجنوب وثورته وصموده وموسيقاه الجديدة وجوليا بطرس، ولما لا، والهلال هلالنا والصليب صليبنا وعيسى محبتنا ومحمد نبينا وثورتنا وعدالتنا وانتصارنا فلبنان الذي يتمدد قلبه أكبر من مساحة أرضه قد أتسع لكل ذلك.
لبنان الذي أريد له بفتنة الحرب الطائفية عام 1975م وحتى 1989م أن تموت في أعماقه روح الوحدة والانتماء العربي، وأن ينطفئ في وجدانه مشعل الثقافة والفكر والأدب والفن الوطني والإنساني الرفيع، وأن لا يكون أكثر من مجرد ما خوراً للرذيلة ونادي لسماسرة وتجار الأرض والعرض والكرامة والسياسة فحسب بل أفصحت نهاية تلك المحنة الفتنة عما هو أسوأ وأخطر من كل ذلك هي المحاولة لتوعه الجديدة لإعلان لبنان دولة صليبية عنصرية بجانب دولة الكيان الصهيوني، وبالقوة العسكرية المباشرة للتحالف الصهيوني الاستعماري الدولي القديم وبقيادة البطش الإمبريالي الأمريكي الجديد الذي القاء بكل ثقله السياسي والعسكري على لبنان في عدوان عام 1982م ليحسم أمر الدولة الصليبية العنصرية إلى الأبد، لكن لبنان محبة المسيح ورحمة وعدالة محمد وجهاده، بصليبه قبل هلاله قد تصدى لهذا العدوان ورده على أعقابه، رغم محنة الحرب الطائفية التي كان هذا العدوان قد خطط لها ونفذها على مدى خمسة عشر عاماً لتكون نتائجها المأساوية هي نقطة الضعف لحسم معركته النهائية، فكانت على العكس من ذلك مصدر استخلاص حكمة اللبنانيين وقاعدة انتصار مقاومتهم ضد العدوان، وبعروبة ووطنية المسيحيين الشرفاء قبل المسلمين تمكن لبنان المقاومة من إلحاق الهزيمة الأولى بالعدو الصهيوني وطرده من الجنوب في العام 2000م بعد احتلال ومقاومة استمر أكثر من 22 عشرين عاماً.
إن لبنان الذي أريد له أن يكون بشماله وجنوبه مرتعاً لعمالة سعد حداد وأنطوان لحد وحقد سمير جعجع قد خيب بالأمس واليوم ظن أعدائه وكان على العكس من ذلك هو حركة أمل ومقاومة حسن نصر الله، لبنان الذي أريد له في عدوان الحرب السادسة 2006م أن يكون رأس الحربة المتقدمة أو بوابة الانطلاق على طريق صنع شرق أمريكي صهيوني جديد، فكان لبنان المقاومة على عكس ما يشتهون وأكبر من كل ما كانوا يتوقعون، كان حربة مرتدة إلى نحورهم ومقبرة نهائية لكل أحلامهم، بل وعد صادق لنهاية كل أشكال العربدة الصهيونية والإمبريالية ليس في لبنان المقاومة فحسب بل والوطن العربي كله بدءاً بفلسطين مروراً بالعراق وحتى موريتانيا وصولاً إلى الشرق العربي الموحد والمقاوم الجديد وليس الشرق الإمبريالي الأمريكي الصهيوني الجديد والاستعماري القديم، وما ذالك على الله وعلى كل مؤمن بقضية وطنه وأمته بعزيز.
وعلى حد تعبير وزير خارجية قطر لقد هزمت إسرائيل لأول مرة على يد المقاومة اللبنانية وصار للعرب قوة ردع حاسمة ضد إسرائيل تمنع استمرار بقائهم تحت رحمة تهديد القوة العسكرية الإسرائيلية الضاربة ولأول مرة أيضاً، والحق ما يشهد به العملاء ناهيك عن الأصدقاء والأشقاء.
3 - المقاومة اللبنانية بين التآمر الرسمي والتضامن الشعبي
في النقطة أو البند السابق حللنا معالم الصراع بين وقائع العدوان الصهيوني والإمبريالي القديم والجديد على لبنان وانتصارات المقاومة ضده، والذي قد يبدوا منطقياً وبديهياً أن يقاوم شعب كلبنان أو غيره من شعوب الأرض غزاته وأعدائه من الخارج، غير أن ما لم يبدو بديهياً ولا منطقياً بل وأبعد ما يكون عن الخيال أن يجد لبنان المنارة ولبنان المقاومة من ساسته وساسة أمته العربية الكثير ممن لا ينصره في محنته فحسب بل ويتآمر مع أعدائه عليه، فكل الحكام والساسة العرب وبطاناتهم وذيولهم الفاسدة - إلا من رحم ربي- لم تكن تستهويهم ثقافة وفكر وفن ومقاومة لبنان وعروبته بقدر ما تستهويهم دوماً مواخيره وحانات فجره ومؤامراته التي أدمنوا عليها زمناً طويلاً، كما لم تستهويهم كذلك أرض لبنان الجميلة وسمائه المفتوحة وصدره الرحب وحريته الواسعة ليستمتعوا بكل ذلك ويتعلموا منه، بل لتوظيفه بملايينهم وملياراتهم في الدعاية والتآمر على بعضهم وتصفية حساباتهم السياسية والدعائية دائماً والعسكرية أحياناً، وضد لبنان أحياناً كثيرة.
وليت الأمر قد توقف عند هذه الحدود ولم يتجاوزه مؤخراً إلى التحالف والتآمر مع العدو الصهيوني والأمريكي ضد أهم وأعظم ما أنجبه رحم لبنان هذا القطر الصغير بمساحته الجغرافية والديمغرافية الكبير بقلبه الوطني والقومي العربي الأصيل وهو عملاق المقاومة الشجاعة التي حققت للبنان والأمة كلها ما عجز عن تحقيقه كل أقزام العروش والكراسي العربية وجموع ملايين خفافيش وحشرات جيوشهم وعسسهم الجرارة التي أعدت لاقتحام الحمى وقمعه بشجاعة، وليس التواري عن خطوط مواجهة الأعداء بجبن ونذالة فحسب بل والاستقامة على حماية حدودهم بقوة وعنف لا يعرف التراجع أو الرحمة ضد كل من تسول له نفسه اختراق حرمة حدود العدو الصهيوني من عناصر "الإرهاب الديني والوطني المتطرف" كما يسمونها، أما من لا قبل لهم بمنعهم من خارج حدود الاحتلال كمقاومة حزب الله في لبنان أو من هم داخل تلك الحدود كحماس في قلب الأرض المحتلة فإن مهمة الساسة وكلاب الحراسة هو حصارهم من الخارج وحث العدو الصهيوني على سرعة تصفيتهم الجماعية وبالقوة العسكرية في الداخل أو من الداخل المحتل.
فمن يستطيع أن ينكر أو يتنكر لحقيقة أن المقاومة الفلسطينية والفلسطينيين قد نكلت بهم الأنظمة العربية وكلاب جندها وعسسها أكثر مما نكلت بهم النكبة والاحتلال نفسه، بدءاً من الحضر المطلق عليهم وعلى كل مواطن عربي شريف من الجهاد ضد الاحتلال الصهيوني انطلاقاً من أي قطر عربي أو أرض عربية وانتهاء بمجازر القتل الجماعي المنظم للخارجين على هذا القانون الصهيوني العربي المشترك، كمجازر أيلول الأسود في عمَّان وتل الزعتر وصبرا وشاتيلا في لبنان في الماضي غير البعيد، وما أشبه اليوم بالبارحة حيث المقاومة اللبنانية والفلسطينية تعيش اليوم نفس القصة ونفس السيناريو مع أهلها من الخلف العربي والداخل اللبناني والفلسطيني أكثر مما تعيش القصة والسيناريو مع مواجهة عدوها الصهيوني والإمبريالي من الإمام، حيث لم تكن مأساة موسى الصدر هي البداية ولا فتاوى وأقوال وأفعال دراويش وساسة الرياض والقاهرة وعمان ضد شرعية المقاومة اللبنانية والفلسطينية والتآمر عليهما مع العدو الصهيوني مؤخراً هي النهاية، بل وإنكار حقهما في محاربة العدو الصهيوني على الأرض اللبنانية والفلسطينية المحتلة وفك أسراهم من السجون الصهيونية وإنقاذ الشعب الفلسطيني من وطأة القتل المنظم في غزة والضفة، بحجة تصفية حماس وتقويض سلطتها الشرعية المنتخبة، باعتبار أن كل من حماس وحزب الله على السواء في نظر الحكام العرب على السواء منظمات إرهابية خطرة عليهم أكثر من خطرها على دولة الاحتلال الصهيوني، وعليهم في سبيل مواجهة ذلك أن يتحالفوا مع العدو الصهيوني سراً وعلناً لكي يحميهم ويحمي نفسه من هذا الخطر، ودون أن يشفع لأي منهما تسننه المزعوم عند أهل السنة أو الشيعة الموهوم عند أهل الشيعة ككلمات حق يراد بها باطل أو كلمات باطل يراد بها باطل على الأصح.
أما معنى ودلالة هذا "الخطر المقاومة" بالنسبة لضمير ووجدان الأمة وسوادها الأعظم فإنه يمثل الحقيقة المتبقية من وجودها الحق ونبض الأمل المتجدد في حاضرها المظلم ومستقبلها المشرق بإذن الله وإن غداً لناظره قريب.
* خلاصة القول وختامه الآتي:
1 - إن لبنان الذي ظنه الاستعماريون القدماء والصهاينة والإمبرياليون الجدد هو النقطة الأضعف بعد فلسطين للانطلاق نحو هزيمة الأمة وإذلالها في وجدانها قد خيب ظنهم على مر الزمن وصار لبنان المقاوم اليوم على العكس من ذلك هو النقطة الأقوى لحماية وتحرير الأرض والعرض والكرامة العربية.
2 - إن النظام السياسي العربي الفاسد قد خسر كل أوراقه وضاقت به كل الطرق والمسالك حتى طرق ومسالك العمالة لأعدائه و أعداء الأمة وما عاد لهذا النظام من منقذ إلا أحد خيارين لا ثالث لهما، وأحلاهما مر بالنسبة له، الأول تغيير هذا النظام لنفسه بنفسه وهو الخيار الأصعب رغم أنه مازال ممكناً كفرصة أخيرة، لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وما في نفوس رموز هذا النظام الرديء لم يعد قابلاً للتغيير كما يبدو إلا بمعجزة، رغم أن زمن المعجزات قد ولى، أما الخيار الثاني فاقتلاع هذا النظام من جذوره استناداً إلى ثوابت وحدة الأمة التي مزقوها وعدالة قضاياها التي تآمروا عليها وحقها في الحرية والديمقراطية التي صادروها والتنمية والتقدم الذي يقف هذا النظام حجر عثرة في طريقه.
3 - إن منطق وفلسفة المقاومة السياسية والثقافية والمدنية والحضارية مع القوة والمنعة العسكرية إنطلاقاً من نموذج حزب الله لبنان وحماس فلسطين لهو الخيار الذي لا خيار معه أمام الأمة العربية والوطن العربي بأقطاره المختلفة من أجل الوحدة وتحرير الأرض والعرض من دنس الاحتلال الصهيوني والهيمنة الإمبريالية وتحقيق الحرية والديمقراطية والتقدم اللائق بمكانه وقدر هذه الأمة أرضاً وبشراً وموارد وحضارة.
ثالثاً: العراق نموذج السلطة ونموذج المقاومة
نعم عراق التاريخ وحضارة العشرة ألف سنة وعاصمة الرشيد بغداد هو بلد المفارقات العجيبة والتحديات الكبيرة عبر التاريخ والذي كان بالأمس القريب هو النموذج الأقل سوءاً في منظومة النظام السياسي العربي الرسمي بكل تأكيد، لكن الأسواء منه هو ما بعده اليوم من كابوس الاحتلال وشبح الفتنة الطائفية الضاربة أطنابها والتي بذرها كما في ويتولاها الاحتلال اليوم بالرعاية، وإذا كانت هذه هي خطوط السلطة والنظام الرسمي من صدام إلى بريمر وحتى ملوك الطوائف في المنطقة الخضراء من بغداد في وضع غير محسود، فإن خط المقاومة الوطنية والقومية والإسلامية الحقة ضد الاحتلال والطائفية هو الأصعب، لأنه يشق طريقه بصعوبة كبيرة تحت مطرقة الاحتلال وسندان أمراض الطائفية، وذلك ما يمكن تحليل أبعاده ودلالاته بدءاً بالرد على التساؤلات الآتية:
1 - هل كان نظام صدام هو أهون الشرور قياساً بما حوله وما بعده؟
نعم لقد كان نظام صدام حسين على مدى أكثر من ثلاثة عقود وبكل مساوئه هو أهون شرور ما قبله من النظم السياسية داخل العراق وما حوله في المحيط العربي، بل وأهون مما بعده مائة مرة من سوء في الداخل العراقي والمحيط العربي عموماً، وهذا هو ما نفترضه على الأقل ونحاول البرهنة عليه، فصدام قد استولى على السلطة بانقلاب عسكري ضد الرئيس السابق أحمد حسن البكر، وحكم بمنطق الحديد والنار كل اتباعه والمطبعين له وبمنطق القتل الفردي والجماعي المنظم لكل المعارضين له تحت أي مسمى أو مبرر حتى مجرد الظن، وخاض حرب الخليج الأولى المدمرة لمدة ثمان سنوات مع إيران لحساب الولايات المتحدة الأمريكية وبتنسيق المستشار العسكري الإميريكي الخاص لصدام والبيت الأبيض " دونالد رامسفليد " ووزير الدفاع الأمريكي الحالي وقاد حرب اجتياح الكويت التي عرفت بحرب الخليج الثانية عام 1990م التي أقدم عليها صدام أو دفع إليها على الأصح بكرت أخضر من سفيرة الولايات المتحدة في بغداد وقتها "باربارا" التي أغرته بنصيب الأسد وعاد منها بأقل من نصيب ابن أوى أو بخفي حنين، لينتهي بعد الاحتلال المباشر للعراق عام 2003م فاراً في أحد جحور مزرعة من مزارع ضواحي بغداد ثم في قفص اتهام مستشاره العسكري القديم "دونالد رامسفليد" حيث اقتيد فيها صدام الفأر من جحر المزرعة إلى قفص الاتهام لتتسلى به قطط البيت الأبيض في المنطقة الخضراء من بغداد قبل افتراسه أو رميه بين محتويات القمامة، هناك حيث انتهت وستنتهي كل ثعالب وفئران وحشرات النظام السياسي العربي السابقة والبقية آتية، لكن صدام حسين رغم كل ذلك سيظل هو أشرف المنحطين وأشجع الجبناء في وجه أعداء الأمة، وخيرهم طغياناً واستبداداً بشعبه في هذا النظام السياسي العربي الرديء.
2 - لماذا كان صدام أفضل السيئين في النظام السياسي العربي الرديء
ذلك إذاً هو صدام النموذج الأقل سوءاً في النظام العربي الأسوأ "تصوروا الأقل سوءاً" فما بالنا بالأسوأ!! لكن لماذا الأقل سوءاً وما دلالة هذا التقليل من السوء إنه ببساطة يتمثل في أمرين هامين يحتسبان لصدام بامتياز وهما:
أ - الأول قبل سقوطه وهو قيامه بما لم يقم به أو حتى يفكر فيه أي حاكم عربي، وهو محاولة الإمساك بناصية العلم والتكنولوجيا الحديثة، واختراق كل الخطوط الحمراء والأبواب المشفرة في قلب أوربا وأمريكا من أجل ذلك، وكان هذا الفعل التاريخي العملاق بالنسبة لصدام والعراق بل والأمة العربية كحق هو الخطر الذي لا يحتمل بالنسبة للوبي الصهيوني الاستعماري القديم والإمبريالي الأمريكي الجديد، وكان احتلال العراق وتدميره بل و رأس صدام هو الثمن الأقل والعقوبة الأهون لأعوان صدام والشعب العراقي على ما أقدموا عليه من ارتكاب مثل هذا الجرم الخطر على أمن ومصالح القوى الصهيونية والإمبريالية، والذي لم تشفع له كل أياديه البيضاء في خدماته السابقة لهم والسوداء في قهر وقتل شعبه وجيرانه من أجلهم حتى بالإبقاء على حياته كمجرد فأر في قفص للتسلية كما يبدو من مسرحية ما يعرف اليوم "بمحاكمة صدام حسين" بعد صدور أول حكم بإعدامه شنقاً ويكفي صدام شرفاً أنه قد صار عدواً لأعداء الأمة حياً كان أو ميتاً لا كغيره بلا شرف حياً وميتاً.
ب - أما الأمر الثاني الذي جعل من صدام البلاء الأقل سوءاً في النظام السياسي العربي فهو ما لم يفعله هو بل خدمته به الظروف والمتغيرات السياسية بعد سقوطه، وهو أن من أتى بعده من ثنائي فتح قبو العفن الطائفي من جهة وإدارة عنف الاحتلال لمخرجات هذا القبو وتصعيدها من جهة ثانية وما أسفر عن كل ذلك من تدمير المدمر وتجزئة المجزأ وقتل من لم يقتل بعد من الأبرياء وانتهاك حرمات وأعراض وحقوق إنسانية من لم ينتهكها صدام من قبل وبحدود لا يقاس معها ما حدث في أبو غريب صدام مع أبو غريب "بريمر" فصار صدام ملاكاً بجانب شياطين البيت الأبيض وأذنابهم في المنطقة الخضراء من بغداد، وهكذا وعن يقين صار الاحتلال الذي بشر بعراق النموذج الديمقراطي للشرق الأوسط الجديد وذيول هذا الاحتلال الذين أقتحموا بغداد على صهوة دبابات الاحتلال هم أسوأ من نظام صدام بكثير، وصار صدام هو عن حق أقل سوءاً منهم ومن منظومة النظام العربي الرسمي كله، لأنه ما دام قد انتهى بنظامه وشخصه على هذا النحو البشع على أيدي أعداء الأمة فإنه منطقياً ودون أدنى شك قد فعل شيئاً خطيراً أثار غضبهم إلى هذا الحد الذي سيجعل التاريخ منه أقل سوأ بل وبطلاً قومياً بسبب ذلك، وهم أسوأ منه بكل تأكيد، وبعد ألا يكفي هذا تدليلاً على إثبات فرضيتنا السابقة بأن نظام صدام حسين هو أهون الشرور وأفضل السيئين؟ أجزم بذلك بكل تأكيد.