أقام المركز اليمني للدراسات التاريخية وإستراتيجيات المستقبل "منارات" محاضرة للأستاذ الدكتور/ حمود صالح العودي تناولت قضايا الأمة العربية والإسلامية بين هزائم السياسة وانتصار المقاومة.
وفي المحاضرة التي حضرها نخبة من الأدباء والمفكرين وعدد من الأخوان العرب تناول العودي قضية فلسطين وهزائم السياسة العربية مقابل انتصارات العدو الإسرائيلي محلقاً على لبنان والعراق واختتم حديثه عن الصومال.
وبعد المحاضرة عقب الأستاذ/ حاتم أبو حاتم على ورقة العودي، مشيداً بها ومعترضاً على تسمية إسرائيل بكلمة إسرائيل، مطالباً بتغيير المصطلح إلى الكيان الصهيوني.
تغطية/ إياد البحيري
1 - هل كان نظام صدام هو أهون الشرور قياساً بما حوله وما بعده؟
نعم لقد كان نظام صدام حسين على مدى أكثر من ثلاثة عقود وبكل مساوئه هو أهون شرور ما قبله من النظم السياسية داخل العراق وما حوله في المحيط العربي، بل وأهون مما بعده مائة مرة من سوء في الداخل العراقي والمحيط العربي عموماً، وهذا هو ما نفترضه على الأقل ونحاول البرهنة عليه، فصدام قد استولى على السلطة بانقلاب عسكري ضد الرئيس السابق أحمد حسن البكر، وحكم بمنطق الحديد والنار كل اتباعه والمطبعين له وبمنطق القتل الفردي والجماعي المنظم لكل المعارضين له تحت أي مسمى أو مبرر حتى مجرد الظن، وخاض حرب الخليج الأولى المدمرة لمدة ثمان سنوات مع إيران لحساب الولايات المتحدة الأمريكية وبتنسيق المستشار العسكري الإميريكي الخاص لصدام والبيت الأبيض " دونالد رامسفليد " ووزير الدفاع الأمريكي الحالي وقاد حرب اجتياح الكويت التي عرفت بحرب الخليج الثانية عام 1990م التي أقدم عليها صدام أو دفع إليها على الأصح بكرت أخضر من سفيرة الولايات المتحدة في بغداد وقتها "باربارا" التي أغرته بنصيب الأسد وعاد منها بأقل من نصيب ابن أوى أو بخفي حنين، لينتهي بعد الاحتلال المباشر للعراق عام 2003م فاراً في أحد جحور مزرعة من مزارع ضواحي بغداد ثم في قفص اتهام مستشاره العسكري القديم "دونالد رامسفليد" حيث اقتيد فيها صدام الفأر من جحر المزرعة إلى قفص الاتهام لتتسلى به قطط البيت الأبيض في المنطقة الخضراء من بغداد قبل افتراسه أو رميه بين محتويات القمامة، هناك حيث انتهت وستنتهي كل ثعالب وفئران وحشرات النظام السياسي العربي السابقة والبقية آتية، لكن صدام حسين رغم كل ذلك سيظل هو أشرف المنحطين وأشجع الجبناء في وجه أعداء الأمة، وخيرهم طغياناً واستبداداً بشعبه في هذا النظام السياسي العربي الرديء.
2 - لماذا كان صدام أفضل السيئين في النظام السياسي العربي الرديء
ذلك إذاً هو صدام النموذج الأقل سوءاً في النظام العربي الأسوأ "تصوروا الأقل سوءاً" فما بالنا بالأسوأ!! لكن لماذا الأقل سوءاً وما دلالة هذا التقليل من السوء إنه ببساطة يتمثل في أمرين هامين يحتسبان لصدام بامتياز وهما:
أ - الأول قبل سقوطه وهو قيامه بما لم يقم به أو حتى يفكر فيه أي حاكم عربي، وهو محاولة الإمساك بناصية العلم والتكنولوجيا الحديثة، واختراق كل الخطوط الحمراء والأبواب المشفرة في قلب أوربا وأمريكا من أجل ذلك، وكان هذا الفعل التاريخي العملاق بالنسبة لصدام والعراق بل والأمة العربية كحق هو الخطر الذي لا يحتمل بالنسبة للوبي الصهيوني الاستعماري القديم والإمبريالي الأمريكي الجديد، وكان احتلال العراق وتدميره بل و رأس صدام هو الثمن الأقل والعقوبة الأهون لأعوان صدام والشعب العراقي على ما أقدموا عليه من ارتكاب مثل هذا الجرم الخطر على أمن ومصالح القوى الصهيونية والإمبريالية، والذي لم تشفع له كل أياديه البيضاء في خدماته السابقة لهم والسوداء في قهر وقتل شعبه وجيرانه من أجلهم حتى بالإبقاء على حياته كمجرد فأر في قفص للتسلية كما يبدو من مسرحية ما يعرف اليوم "بمحاكمة صدام حسين" بعد صدور أول حكم بإعدامه شنقاً ويكفي صدام شرفاً أنه قد صار عدواً لأعداء الأمة حياً كان أو ميتاً لا كغيره بلا شرف حياً وميتاً.
ب - أما الأمر الثاني الذي جعل من صدام البلاء الأقل سوءاً في النظام السياسي العربي فهو ما لم يفعله هو بل خدمته به الظروف والمتغيرات السياسية بعد سقوطه، وهو أن من أتى بعده من ثنائي فتح قبو العفن الطائفي من جهة وإدارة عنف الاحتلال لمخرجات هذا القبو وتصعيدها من جهة ثانية وما أسفر عن كل ذلك من تدمير المدمر وتجزئة المجزأ وقتل من لم يقتل بعد من الأبرياء وانتهاك حرمات وأعراض وحقوق إنسانية من لم ينتهكها صدام من قبل وبحدود لا يقاس معها ما حدث في أبو غريب صدام مع أبو غريب "بريمر" فصار صدام ملاكاً بجانب شياطين البيت الأبيض وأذنابهم في المنطقة الخضراء من بغداد، وهكذا وعن يقين صار الاحتلال الذي بشر بعراق النموذج الديمقراطي للشرق الأوسط الجديد وذيول هذا الاحتلال الذين أقتحموا بغداد على صهوة دبابات الاحتلال هم أسوأ من نظام صدام بكثير، وصار صدام هو عن حق أقل سوءاً منهم ومن منظومة النظام العربي الرسمي كله، لأنه ما دام قد انتهى بنظامه وشخصه على هذا النحو البشع على أيدي أعداء الأمة فإنه منطقياً ودون أدنى شك قد فعل شيئاً خطيراً أثار غضبهم إلى هذا الحد الذي سيجعل التاريخ منه أقل سوأ بل وبطلاً قومياً بسبب ذلك، وهم أسوأ منه بكل تأكيد، وبعد ألا يكفي هذا تدليلاً على إثبات فرضيتنا السابقة بأن نظام صدام حسين هو أهون الشرور وأفضل السيئين؟ أجزم بذلك بكل تأكيد.
3 - المقاومة العراقية بين مطرقة الاحتلال وسندان الفتنة الطائفية
المقاومة الشعبية دائماً هي الاحتياطي الغير قابل للنفاد أو الهزيمة في مسار النضال الوطني للشعوب التي تتعرض للغزو والعدوان الخارجي أو القهر والاستبداد الداخلي، حيث قد تنهزم أو تنكسر الجيوش وتسقط النظم الرسمية في عملية المواجهة للغزو أو العدوان حتى لو كانت وطنية ومرتبطة بصميم هموم شعوبها ومتفانية في التضحية من أجلها، على غرار ما فعلته نظم وجيوش معظم البلدان التي تعرضت للغزو النازي في الحرب العالمية الثانية وفي مقدمتها فرنسا وروسيا، فما بالنا حينما تكون مثل هذه النظم وجيوشها في حالة قطيعة وعداوة مع شعوبها وتواطؤ وتبعية لأعدائها كما هو حال النظام السياسي العربي وجيوشه وعسسه مع شعوب وقضايا الأمة العربية والإسلامية، فإن خط المقاومة في مثل هذه الحالة لا يبدأ من نقاط التماس مع الغازي أو المعتدي من الخارج، بقدر ما يبدأ من خط التماس مع القهر والاستبداد في الداخل و التواطؤ عادة مع الخارج، أو المرتبط به أكثر من ارتباطه بشعبه، فمثل هذا النظام لا يكون فريسة سهلة لأي غزو أو عدوان خارجي فحسب مهما بدأ متضخماً بنفسه وإمكانيات جيشه وعسسه كما كان حال نظام صدام حسين وجيشه وعسسه أمام الغزو الأمريكي البريطاني، بل وبيئة مثالية لانبثاق المقاومة الشعبية ضد هذا النظام ومخططاته من جهة وضد الغزو والعدوان من جهة أخرى، وهذا هو حال المقاومة الوطنية العراقية التي تناضل على جبهة الغزو والعدوان القادم من الخارج من جهة وجبهة مخلفات النظام الدكتاتوري القديم من جهة ثانية، وماضي التخلف المذهبي والطائفي الكهنوتي الأكثر خطورة وتعقيداً على وحدة المقاومة وانتصار خطها الوطني والقومي الإسلامي النقي من جهة ثالثة، وكل هذا هو ما يفسر التعقيدات والخسائر المخيفة في مسار الأوضاع السياسية والاجتماعية والعسكرية في العراق والتي تحيط بخط المقاومة الوطنية ويغذيها الاحتلال.
4 - تجاوز الفتنة الطائفية أولاً
لقد كان من البديهي أن يفشل نظام صدام في المواجهة العسكرية سواء في العدوان على الكويت أو ضد الاحتلال الأمريكي وأن يسقط، مقابل أن تثبت جذوة المقاومة غير القابلة للنفاذ أو الهزيمة، لكن الأعقد والأصعب من مواجهة مقاومة الشعب العراقي للاحتلال والانتصار عليه هو مقاومة العراقيين لما في نفوسهم من أمراض الفرقة والفتنة الطائفية التي راكمتها حقب التخلف والمحن المتتالية، وإعلان الجهاد الأكبر عليها قبل جهاد الاحتلال، لأن الانتصار في معركة الجهاد الأكبر للعدو الكامن في النفوس طبقاً لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام هو الخطوة الأولى والمؤكدة لضمان الانتصار في معركة الجهاد العسكري الأصغر ضد العدو الخارجي، الذي يعتمد اليوم في انتصاره وبقائه على فرقة نفوس العراقيين وصراعهم وقتلهم لبعضهم البعض باسم الخلاف المذهبي واللاهوت الطائفي الذي لم ينزل الله به من سلطان، أكثر مما يعتمد على جيوشه وأساطيله الضاربة في البر والبحر والجو للغزاة الأمريكان والاحتلال الصهيوني، والتي تقزمت وانهارت أمام وحدة وعزة النفوس العالية لحزب الله والمقاومة اللبنانية التي طهرت نفسها من أدران الطائفية والمذهبية والعرقية المقيتة وسمت فوقها فيما يتعلق بمواجهة العدو الصهيوني على الأقل، فهل تفعلوا أيها العراقيون يا أحفاد الرشيد وأنصار الحسين وجند المثنى والقعقاع وعمورية فتنتصروا على أنفسكم أولاً في معركة الجهاد الأكبر قبل أن تحلموا بالنصر على الغازي في معركة الجهاد الأصغر؟ لأن هذه لن تتأتى إلا بعد تلك، أيها العراقيون الشرفاء لقد أذهلتهم العالم ببطولاتكم وصمودكم ضد العدوان والاحتلال رغم أنكم منشغلون بقتل أنفسكم أكثر من قتل أعدائكم فما بالكم لو تجاوزتم فتنتكم الطائفية الحقيرة والخطيرة وسلاح عدوكم الأول ضدكم؟؟ وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلون، ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
رابعاً:الصومال من أمراء الحرب القبلية إلى أمراء المحاكم الإسلامية
1 -الأهمية الاستراتيجية للقرن الأفريقي
ما يعرف بالقرن الأفريقي الذي تشغل جمهورية الصومال مركزه الاستراتيجي الأول بجانب جيبوتي وأرتيريا لا يحتاج إلى تأكيد أهميته الإستراتيجية كضفة عربية لبوابة البحر الأحمر الجنوبية من جهة، ومنطلق لقلب وجنوب القارة الأفريقية من جهة أخرى، ناهيك عن الموارد الطبيعية الزراعية والمعدنية البكر في هذا البلد بل والقرن الأفريقي العربي الإسلامي العريق الممتد عبر الصومال وجيبوتي وارتيريا، والذي لم يكن حظه من الأطماع الاستعمارية القديمة والإمبريالية والصهيونية الحديثة بأقل حظاً من أي قطر عربي أخر، بدءاً بالاحتلال الإيطالي والفرنسي وانتهاء بالتطلعات الصهيونية والإمبريالية الصلفة للهيمنة على المنطقة، وهذا البلد الذي نسيه أو تناساه أهله وأشقاؤه العرب بقدر ما انشغل به وتدخل في شئونه واعتداء عليه أعداؤه قد ظل رغم كل ذلك ورغم محنته الطويلة مع المؤامرات الخارجية وأمراء الحرب والنهب والقرصنة الداخلية ظل في وجدانه العميق عربياً مسلماً حقاً ومقاوماً صلباً للغزو والهيمنة الإمبريالية الأمريكية الصهيونية ومستقيماً على قدميه بلا عون يذكر من شقيق أو مساعدة تشكر من صديق إلا من رحم ربي، ومن وصلت بهم قوارب الموت إلى الضفة المقابلة من البحر في السواحل والأراضي اليمنية التي فتحت صدرها لكل الباحثين عن الأمان من بطش أمراء حرب البر وقراصنة البحر، أما تفاصيل البقية فتبدأ من النموذج الأبرز للنظام الشمولي الذي أسسه سياد بري بعد الاستقلال في أواخر الستينات وبداية السبعينيات من القرن المنصرم، مروراً بالحرب الأهلية التي أججتها أيادي الاستخبارات الأجنبية الأمريكية تمهيداً لاقتحام البلاد والسيطرة عليها سياسياً وعسكرياً، وانتهاء بخط المقاومة الوطنية الإسلامية والموضح كل ذلك على النحو التالي:
2- سياد بري النموذج الأول والأخير للنظام العربي الشمولي في الصومال
كان الصومال قد حصل على استقلاله الوطني في أواخر ستينيات القرن الماضي في سياق المد العربي والعالمي لحركات التحرر الوطني، وكان محمد سياد بري من أبرز المنتفعين بثمار ذلك التحرر وتوظيف مبادئه وشعاراته الوطنية والقومية بل والأممية والاشتراكية ككلمات حق أريد بها باطل لصالحه الشخصي ككل الساسة والحكام العرب وغير العرب على امتداد ما كان يعرف بالعالم الثالث، الذين انتقلوا بحركات التحرر الوطني من مرحلة الاستعمار الخطير من الخارج إلى الاستعمار الأخطر من الداخل، فكان سياد بري بسلطة سنوات حكمه. . . . . (؟) هو الزعيم الأممي والاشتراكي قولاً والأكثر فردية وقبلية تسلطاً وترفاً فعلاً في البلد العربي الإسلامي الأفريقي الأفقر، وإذا كان لكل قاعدة استثناء فإن قاعدة مسار النظام السياسي العربي ونموذجه البارز محمد سياد بري في أواخر ستينيات وبداية سبعينيات القرن المنصرم في جمهورية الصومال فإن الاستثناء الإيجابي الوحيد لهذا النموذج السيئ هو أنه قد كان هو البداية والنهاية لنموذج مساوئ النظام السياسي العربي في الصومال تحديداً وهو ما يحسب له رغم أنفه، حيث لم يتمكن أو يمكنه الشعب الصومالي على الأصح من تأصيل وتوريث نموذج أنظمة الحكم العربية السيئة على الطريقة الملكية والإميرية القديمة أو الجمهورية وديمقراطية 99. 9% الحديثة، فكان هو النموذج الأول والأخير بالنسبة للشعب الصومالي ربما لحسن حظه أكثر من سوء حظ الشعب الصومالي نفسه. <
3 - الصومال بين أمراء الحرب القبلية والمخططات الإمبريالية الأمريكية
لم يسقط إذاً نموذج النظام السياسي العربي الفاسد في الصومال بسقوط نظام سياد بري فحسب بل ومشروع تأصيل وتوريث هذا النموذج في القرن الأفريقي ربما إلى الأبد وبلا عودة، لكن ما يترتب على سقوط مثل هذه النماذج من الأنظمة العربية وغير العربية المتخلفة من تبعات الفوضى والصراعات الطائفية والقبلية التي بذرتها القوى الاستعمارية قديماً وتعمل على إذكاء نارها الإمبريالية الأمريكية حديثاً هو أمران أحلاهما مر، الأول الإمعان في تمزيق الممزق وتجزئة المجزأ من مقومات الوحدة الوطنية والقطرية على الأقل، وتدمير البنية الاقتصادية والثقافية والروحية للمجتمع الصومالي، لا لمجرد الحيلولة دون استمرار الوحدة الوطنية القطرية للصومال حتى وفقاً للنموذج السياسي العربي الشمولي والاستبدادي فحسب بل وتمهيد الطريق للانقضاض المباشر لاستعادة السيطرة الاستعمارية الأوروبية القديمة بآلية الإمبريالية الإميريكية الجديدة وتغيير الهوية العربية والإسلامية لهذا البلد أو ذاك، وهو ما جرى ويجري في الصومال منذ سقوط سياد بري قبل 15 سنة وما يجري في العراق وما يراد له في لبنان والسودان، وصولاً إلى ما وصل إليه الهدف والمخطط الإمبريالي الجديد في عام 1993م من عملية الغزو العسكري المباشر للصومال بجنود وأساطيل المارينز لتضع يدها على أهم موقع استراتيجي في مدخل البحر الأحمر وشرق أفريقيا بشكل مباشر ونهائي.
لكن المفاجأة كانت مرعبة جداً وغير متوقعة حينما أصبحت جحافل الغزو الأمريكي أنفسهم مع من حضر معهم من مرتزقة الدول التابعة لأمريكا مصيدة سهلة لذئاب الحرب من كل حدب وصوب حيث تحول إعلان قيادة المارينز عن جائزة مقدارها خمسة ألاف دولار لمن يقبض على "فرح عيديد" أخر رموز السلطة الوطنية في العاصمة مقديشو ويدل عليه، تحول ذلك الإعلان بعد خمسة عشر يوم فقط إلى إنذار عاجل لجحافل علوج المارنز من نفسها لنفسها بسرعة الهروب من المستنقع الذي خططوا له ومولوه وصاروا هم أحد ضحاياه بعد أن انقلب السحر على الساحر في الصومال كما انقلب قبل ذلك في لبنان عام 1983م وأفغانستان على مدى عقد الثمانيات بعد أن تحول بن لادن-طبقاً لقاموس الخطاب السياسي المعلن للبيت الأبيض - من المجاهد الكبير ضد الشيوعية من أجل أمريكا في الثمانينيات إلى الإرهابي الأكبر ضد أمريكا والعالم في التسعينيات وحتى الآن، وكذلك هي الحال في العراق اليوم.
4 - الصومال من أمراء الحرب وفلسفة الفوضى البنأة إلى أمراء المحاكم الإسلامية المقاومة
كل ما يستطيع وما لا يستطيع أن يتخيله عقل بشر من فضائع الحرب القبلية والأهلية والمناطقية بفعل ما يعرف بعصابات أمراء حرب القتل من أجل السلب والنهب وانتهاك الحقوق والأعراض والحرمات يمكنه أن يجد له نموذجاً جليا فيما جرى ويجري على أرض الصومال طوال أكثر من عقد من الزمن وحتى الآن وبمعزل عن أنظار الأشقاء العرب وعالم "حقوق الإنسان" الذي أسقط من ذاكرته السياسية والإنسانية مأساة هذا البلد المنكوب، ربما لكونه عربي وربما لكونه مسلم وربما لأن فقره ومحنته لم تكن مرتبطة بأي من محاور الصراعات الإقليمية والدولية الكبيرة بصورة مباشرة، ولا يوجد فيه ما يغري أحد من الباحثين عن المصالح المباشرة على الأقل ما عدى طرزانات البيت الأبيض وقرانصة وعسس البنتاجون وال(C. I. A) الذين لم يتوقف اهتمامهم بالصومال والقرن الأفريقي ككل عند الاهتمام باستراتيجية المكان بالنسبة لمن يحلم بإدارة شئون العالم من المكتب البيضاوي في البيت الأسود فحسب بل ومن يصر على تنصيب نفسه كشرطي أو ولي أمر كل البشر على هذا الكوكب والمسلمين منهم خاصة حكوماته وجماعاته وأفراده من أسامة بن لادن في تورا بورا إلى عبدالمجيد الزنداني في اليمن وما يقرأه ويكتبه تلاميذ المدارس في السعودية وما تعنيه نداءات الباعة المتجولين في الأحياء الشعبية والشوارع الخلفية من دلهي القديمة إلى حي الأزهر والحسين بالقاهرة والنجف وكربلاء في العراق وحتى مخيمات نازحي دارفور السودان وما تبقى من خرائب عاصمة الصومال مقديشو، بل وما يضمره كل مصلي في صلاته لله من اندونيسيا إلى موريتانيا ومن أقصى جنوب أفريقيا حتى كاردف في بريطانيا ليقرر هو في ضوء كل ذلك مَن مِنْ كل منهم يستحق البطاقة الخضراء الشهيرة (Green Card) لا ليدخل أراضي الولايات المتحدة ويعمل بها قط كما كان المتعارف عليه حتى زمن قريب بل لمجرد أن يكون له حق البقاء في أمان في بيته ووطنه تحت المراقبة، أو أن يؤخذ إلى مركز الاختطاف والقرصنة العالمية الجديدة في جوانتناموا إذا كان القرار بخلاف ذلك طبقاً لما تشير به تقنيات جمع المعلومات واستخبارات ال(C. I. A) الغبية.
وعودة إلى موضوعنا في الصومال هناك حيث فلسفة الفوضى البنأة لإدارة اليمين المتطرف في البيت الأسود المطبقة في الصومال كما هي في العراق وكل مناطق العنف والتوتر التي يصنعها في العالم من هناك من قلب فوضى ومحنة أمراء الحرب المرعبة والممولة أمريكياً تنبثق روح المقاومة الوطنية الإسلامية التي بدأت كرد فعل لأعمال القتل والسلب والنهب التي ترعاها فلسفة الفوضى البنأة بصورة مباشرة وغير مباشرة عن طريق تشكيل جماعات لحماية الحقوق ورد المظالم، إستناداً إلى مركب الوجدان العميق للمجتمع الصومالي كمجتمع مسلم وبالرجوع إلى قواعد الشرع الإسلامي الحنيف في حماية الحقوق ورد المظالم وصيانة الأعراض وبعيداً عن أية نزعات قبلية أو طائفية أو مناطقية أو حتى تطلعات سياسية في البداية على الأقل، فوجد الشعب الصومالي المثقل بمحنه "فلسفة الفوضى البنأة" في هذا النوع من المقاومة المدنية والإنسانية الراقية ضالته المنشودة والقائمة على المفهوم المدني والشرعي للقانون والشرع الإسلامي والذي ربط المقاومون أنفسهم به شكلاً ومضموناً وأسماً على مسمى لما صار يعرف ب"المحاكم الإسلامية" ووجدوا هم أيضاً في الشعب الصومالي خير مستجيب لخير داع، فانطلقت مقاومة المحاكم الإسلامية بالناس في الصومال كما انطلق الناس بها أيضاً نحو النقطة المضيئة الضيقة في نهاية النفق المظلم بصعوبة ومشقة ولكن باقتدار وثقة غير محدودة بالنصر القريب والمتسارع بعد أن بلغ السيل الزبى والعتمة منتهاها والنسيان العربي والعالمي لهذا البلد المنكوب بفلسفة الفوضى البنأة أقصى مداه.
لقد انطلقت مقاومة المحاكم الإسلامية من صميم محنة الشعب الصومالي ليس من بن لادن في تورا بورا ولا من حسن نصر الله في جنوب لبنان ولا حماس في فلسطين ولا كربلاء العراق، فكل ما تملكه المحاكم بجانب إيمانها بالله والوطن هو التفاف الشعب الصومالي حولها ونقطة الضوء في نهاة النفق التي تتسع ومساحة العتمة التي تضيق وتتراجع بمعدل أسرع، لكن المفارقة العجيبة أن يصحوا العالم ويشد أنظاره إلى الصومال بعد الغياب أو التغابي الطويل عالم منظري فلسفة الفوضى البنأة في واشنطن تحديداً لا ليشد من أزر هذه المقاومة ويعجل بفرج خروج الشعب الصومالي الطيب من نفق المحنة المظلم، بل ليعلن أن الإرهاب العالمي الإسلامي يطل برأسه من الصومال وأن على حلفاء التضامن العالمي لمكافحة الإرهاب بقيادة بوش أن يبادروا لحتف عنق ذلك الرأس قبل استفحاله، فبادرت إدارة البيت الأسود إلى دعوة غرفة عمليات مجلس الحرب الأمريكي وليس مجلس الأمن العالمي وتشكيل ما يعرف بلجنة القضية الصومالية المشكلة من أعضاء الدول الاستعمارية القديمة للصومال "ايطاليا، وبريطانيا، فرنسا ورأس الاستعمار الجديد أمريكا" التي انتقلت من موقف السر إلى العلن في تعزيز ودعم أمراء الحرب من أجل محاربة "إرهاب المحاكم الإسلامية" كما تداعت معظم الدول المجاورة وفي مقدمتها أثيوبيا التي صمتت دهراً ونطقت كفراً وبناء على تعليمات سيد البيت الأسود داعية إلى ضرورة التدخل بقوات دولية لحماية الصومال من الإرهاب وتحقيق أمن واستقرار أهله وبالتعاون والتنسيق مع الحكومة الوهمية في مدينة بيدوا المكونة من أمراء الحرب أصلاً في مقابل الجهود الخجولة للجامعة العربية "أو جامعة عمرو موسى العربي الوحيد في الجامعة غير العربية على الأصح" إذا ما استثنينا بعض القادة العرب في اليمن والسوادن وموقفهم الإيجابي تجاه الصومال سابقاً ولاحقاً، وثم غزو الصومال من جديد من قبل النظام الأثيوبي خدمة للمصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة ودخول مقديشو. غير أن قافلة مقاومة المحاكم الإسلامية في الصومال تسير بثبات وكلاب أمريكا تعوي في كل مكان من واشنطن إلى أديس أبابا ولن تتردد عن العض ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً لكن قوة المقاومة وشرعيتها وثبات مبادئها ومصداقيتها الوطنية والإسلامية من أجل وضع الحد النهائي لا لعويل الكلاب المحلية والدولية المسعورة ونهشها الدائم في جسد هذا البلد المنكوب فحسب بل وتحقيق الأمن والاستقرار الوطني والديمقراطي الحر وتنميته عما قريب إن شاء الله، ولينصرن الله من ينصره والله قوي عزيز.
والله الموفق،،