أقام المركز اليمني للدراسات التاريخية وإستراتيجيات المستقبل "منارات" محاضرة للأستاذ الدكتور/ حمود صالح العودي تناولت قضايا الأمة العربية والإسلامية بين هزائم السياسة وانتصار المقاومة.
وفي المحاضرة التي حضرها نخبة من الأدباء والمفكرين وعدد من الأخوان العرب تناول العودي قضية فلسطين وهزائم السياسة العربية مقابل انتصارات العدو الإسرائيلي محلقاً على لبنان والعراق واختتم حديثه عن الصومال.
وبعد المحاضرة عقب الأستاذ/ حاتم أبو حاتم على ورقة العودي، مشيداً بها ومعترضاً على تسمية إسرائيل بكلمة إسرائيل، مطالباً بتغيير المصطلح إلى الكيان الصهيوني.
تغطية/ إياد البحيري
3 - الصومال بين أمراء الحرب القبلية والمخططات الإمبريالية الأمريكية
لم يسقط إذاً نموذج النظام السياسي العربي الفاسد في الصومال بسقوط نظام سياد بري فحسب بل ومشروع تأصيل وتوريث هذا النموذج في القرن الأفريقي ربما إلى الأبد وبلا عودة، لكن ما يترتب على سقوط مثل هذه النماذج من الأنظمة العربية وغير العربية المتخلفة من تبعات الفوضى والصراعات الطائفية والقبلية التي بذرتها القوى الاستعمارية قديماً وتعمل على إذكاء نارها الإمبريالية الأمريكية حديثاً هو أمران أحلاهما مر، الأول الإمعان في تمزيق الممزق وتجزئة المجزأ من مقومات الوحدة الوطنية والقطرية على الأقل، وتدمير البنية الاقتصادية والثقافية والروحية للمجتمع الصومالي، لا لمجرد الحيلولة دون استمرار الوحدة الوطنية القطرية للصومال حتى وفقاً للنموذج السياسي العربي الشمولي والاستبدادي فحسب بل وتمهيد الطريق للانقضاض المباشر لاستعادة السيطرة الاستعمارية الأوروبية القديمة بآلية الإمبريالية الإميريكية الجديدة وتغيير الهوية العربية والإسلامية لهذا البلد أو ذاك، وهو ما جرى ويجري في الصومال منذ سقوط سياد بري قبل 15 سنة وما يجري في العراق وما يراد له في لبنان والسودان، وصولاً إلى ما وصل إليه الهدف والمخطط الإمبريالي الجديد في عام 1993م من عملية الغزو العسكري المباشر للصومال بجنود وأساطيل المارينز لتضع يدها على أهم موقع استراتيجي في مدخل البحر الأحمر وشرق أفريقيا بشكل مباشر ونهائي.
لكن المفاجأة كانت مرعبة جداً وغير متوقعة حينما أصبحت جحافل الغزو الأمريكي أنفسهم مع من حضر معهم من مرتزقة الدول التابعة لأمريكا مصيدة سهلة لذئاب الحرب من كل حدب وصوب حيث تحول إعلان قيادة المارينز عن جائزة مقدارها خمسة ألاف دولار لمن يقبض على "فرح عيديد" أخر رموز السلطة الوطنية في العاصمة مقديشو ويدل عليه، تحول ذلك الإعلان بعد خمسة عشر يوم فقط إلى إنذار عاجل لجحافل علوج المارنز من نفسها لنفسها بسرعة الهروب من المستنقع الذي خططوا له ومولوه وصاروا هم أحد ضحاياه بعد أن انقلب السحر على الساحر في الصومال كما انقلب قبل ذلك في لبنان عام 1983م وأفغانستان على مدى عقد الثمانيات بعد أن تحول بن لادن- طبقاً لقاموس الخطاب السياسي المعلن للبيت الأبيض - من المجاهد الكبير ضد الشيوعية من أجل أمريكا في الثمانينيات إلى الإرهابي الأكبر ضد أمريكا والعالم في التسعينيات وحتى الآن، وكذلك هي الحال في العراق اليوم.
4 - الصومال من أمراء الحرب وفلسفة الفوضى البناءة إلى أمراء المحاكم الإسلامية المقاومة
كل ما يستطيع وما لا يستطيع أن يتخيله عقل بشر من فضائع الحرب القبلية والأهلية والمناطقية بفعل ما يعرف بعصابات أمراء حرب القتل من أجل السلب والنهب وانتهاك الحقوق والأعراض والحرمات يمكنه أن يجد له نموذجاً جليا فيما جرى ويجري على أرض الصومال طوال أكثر من عقد من الزمن وحتى الآن وبمعزل عن أنظار الأشقاء العرب وعالم "حقوق الإنسان" الذي أسقط من ذاكرته السياسية والإنسانية مأساة هذا البلد المنكوب، ربما لكونه عربي وربما لكونه مسلم وربما لأن فقره ومحنته لم تكن مرتبطة بأي من محاور الصراعات الإقليمية والدولية الكبيرة بصورة مباشرة، ولا يوجد فيه ما يغري أحد من الباحثين عن المصالح المباشرة على الأقل ما عدى طرزانات البيت الأبيض وقرانصة وعسس البنتاجون وال(C. I. A) الذين لم يتوقف اهتمامهم بالصومال والقرن الأفريقي ككل عند الاهتمام باستراتيجية المكان بالنسبة لمن يحلم بإدارة شئون العالم من المكتب البيضاوي في البيت الأسود فحسب بل ومن يصر على تنصيب نفسه كشرطي أو ولي أمر كل البشر على هذا الكوكب والمسلمين منهم خاصة حكوماته وجماعاته وأفراده من أسامة بن لادن في تورا بورا إلى عبدالمجيد الزنداني في اليمن وما يقرأه ويكتبه تلاميذ المدارس في السعودية وما تعنيه نداءات الباعة المتجولين في الأحياء الشعبية والشوارع الخلفية من دلهي القديمة إلى حي الأزهر والحسين بالقاهرة والنجف وكربلاء في العراق وحتى مخيمات نازحي دارفور السودان وما تبقى من خرائب عاصمة الصومال مقديشو، بل وما يضمره كل مصلي في صلاته لله من اندونيسيا إلى موريتانيا ومن أقصى جنوب أفريقيا حتى كاردف في بريطانيا ليقرر هو في ضوء كل ذلك مَن مِنْ كل منهم يستحق البطاقة الخضراء الشهيرة (Green Card) لا ليدخل أراضي الولايات المتحدة ويعمل بها قط كما كان المتعارف عليه حتى زمن قريب بل لمجرد أن يكون له حق البقاء في أمان في بيته ووطنه تحت المراقبة، أو أن يؤخذ إلى مركز الاختطاف والقرصنة العالمية الجديدة في جوانتناموا إذا كان القرار بخلاف ذلك طبقاً لما تشير به تقنيات جمع المعلومات واستخبارات ال(C. I. A) الغبية.
وعودة إلى موضوعنا في الصومال هناك حيث فلسفة الفوضى البنأة لإدارة اليمين المتطرف في البيت الأسود المطبقة في الصومال كما هي في العراق وكل مناطق العنف والتوتر التي يصنعها في العالم من هناك من قلب فوضى ومحنة أمراء الحرب المرعبة والممولة أمريكياً تنبثق روح المقاومة الوطنية الإسلامية التي بدأت كرد فعل لأعمال القتل والسلب والنهب التي ترعاها فلسفة الفوضى البنأة بصورة مباشرة وغير مباشرة عن طريق تشكيل جماعات لحماية الحقوق ورد المظالم، إستناداً إلى مركب الوجدان العميق للمجتمع الصومالي كمجتمع مسلم وبالرجوع إلى قواعد الشرع الإسلامي الحنيف في حماية الحقوق ورد المظالم وصيانة الأعراض وبعيداً عن أية نزعات قبلية أو طائفية أو مناطقية أو حتى تطلعات سياسية في البداية على الأقل، فوجد الشعب الصومالي المثقل بمحنه "فلسفة الفوضى البنأة" في هذا النوع من المقاومة المدنية والإنسانية الراقية ضالته المنشودة والقائمة على المفهوم المدني والشرعي للقانون والشرع الإسلامي والذي ربط المقاومون أنفسهم به شكلاً ومضموناً وأسماً على مسمى لما صار يعرف ب"المحاكم الإسلامية" ووجدوا هم أيضاً في الشعب الصومالي خير مستجيب لخير داع، فانطلقت مقاومة المحاكم الإسلامية بالناس في الصومال كما انطلق الناس بها أيضاً نحو النقطة المضيئة الضيقة في نهاية النفق المظلم بصعوبة ومشقة ولكن باقتدار وثقة غير محدودة بالنصر القريب والمتسارع بعد أن بلغ السيل الزبى والعتمة منتهاها والنسيان العربي والعالمي لهذا البلد المنكوب بفلسفة الفوضى البنأة أقصى مداه.
لقد انطلقت مقاومة المحاكم الإسلامية من صميم محنة الشعب الصومالي ليس من بن لادن في تورا بورا ولا من حسن نصر الله في جنوب لبنان ولا حماس في فلسطين ولا كربلاء العراق، فكل ما تملكه المحاكم بجانب إيمانها بالله والوطن هو التفاف الشعب الصومالي حولها ونقطة الضوء في نهاة النفق التي تتسع ومساحة العتمة التي تضيق وتتراجع بمعدل أسرع، لكن المفارقة العجيبة أن يصحوا العالم ويشد أنظاره إلى الصومال بعد الغياب أو التغابي الطويل عالم منظري فلسفة الفوضى البنأة في واشنطن تحديداً لا ليشد من أزر هذه المقاومة ويعجل بفرج خروج الشعب الصومالي الطيب من نفق المحنة المظلم، بل ليعلن أن الإرهاب العالمي الإسلامي يطل برأسه من الصومال وأن على حلفاء التضامن العالمي لمكافحة الإرهاب بقيادة بوش أن يبادروا لحتف عنق ذلك الرأس قبل استفحاله، فبادرت إدارة البيت الأسود إلى دعوة غرفة عمليات مجلس الحرب الأمريكي وليس مجلس الأمن العالمي وتشكيل ما يعرف بلجنة القضية الصومالية المشكلة من أعضاء الدول الاستعمارية القديمة للصومال "ايطاليا، وبريطانيا، فرنسا ورأس الاستعمار الجديد أمريكا" التي انتقلت من موقف السر إلى العلن في تعزيز ودعم أمراء الحرب من أجل محاربة "إرهاب المحاكم الإسلامية" كما تداعت معظم الدول المجاورة وفي مقدمتها أثيوبيا التي صمتت دهراً ونطقت كفراً وبناء على تعليمات سيد البيت الأسود داعية إلى ضرورة التدخل بقوات دولية لحماية الصومال من الإرهاب وتحقيق أمن واستقرار أهله وبالتعاون والتنسيق مع الحكومة الوهمية في مدينة بيدوا المكونة من أمراء الحرب أصلاً في مقابل الجهود الخجولة للجامعة العربية "أو جامعة عمرو موسى العربي الوحيد في الجامعة غير العربية على الأصح" إذا ما استثنينا بعض القادة العرب في اليمن والسوادن وموقفهم الإيجابي تجاه الصومال سابقاً ولاحقاً، وثم غزو الصومال من جديد من قبل النظام الأثيوبي خدمة للمصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة ودخول مقديشو. غير أن قافلة مقاومة المحاكم الإسلامية في الصومال تسير بثبات وكلاب أمريكا تعوي في كل مكان من واشنطن إلى أديس أبابا ولن تتردد عن العض ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً لكن قوة المقاومة وشرعيتها وثبات مبادئها ومصداقيتها الوطنية والإسلامية من أجل وضع الحد النهائي لا لعويل الكلاب المحلية والدولية المسعورة ونهشها الدائم في جسد هذا البلد المنكوب فحسب بل وتحقيق الأمن والاستقرار الوطني والديمقراطي الحر وتنميته عما قريب إن شاء الله، ولينصرن الله من ينصره والله قوي عزيز.
والله الموفق،،