محمد أمين الداهية
الانتقام هو النتيجة الطبيعية للمخاوف التي واجهها الإنسان منذ العصور الأولى ثم ترسبت في أعماقه وصارت من صلب كيان الإنسان باعتباره حيواناً اجتماعياً، لكنها تطورت بما اكتسبه من خبرات عبر الأجيال المتعاقبة، ولكن يا ترى هل يكون الانتقام هو الطريقة المثلى والصحيحة للتعبير عن الكبت وإشفاء الغليل ولو حتى لمجرد الحسد، أم أنه حالة نفسية يقودها الشيطان إلى أفعال لا يحمد عقباها، ويكون المنتقم هو الشخص الأول المتعرض لحسرات الندم التي لا تداوي ما حصل، إن الشخص العاقل النبيه هو الذي يدرك عواقب الأمور ونتائج الأفعال، أما من يعتريه الغرور ويقع في شباك الانتقام فمثل هذا الشخص لا يرحم نفسه ولا يرحم من حوله من محبيه وممن يخافون عليه.
إن الإنسان الذي يتهرب من معالجة الأمور ومواجهة المواقف بطريقة مسؤولة ومتقدمة ويلجأ إلى العنف والانتقام، فهذا الإنسان ضعيف في حقيقة الأمر ويعاني حالة نفسية من القصور والتهميش، فهو يحاول أن يظهر نفسه في موقف العنيد أو الشخصية التي لا تتراجع أبداً حتى وإن كان ذلك على حساب أسرته الذين في أمس الحاجة إليه وبتصرفه هذا اللامسؤول والأحمق يحمل أسرته أعباءً من الهموم والمشاكل لا طاقة لهم بها، فبدل من أن يكون هو مسؤول عنهم، يصبحون هم "أسرته" مسؤولون عنه، وقد ربما يكونون ضحية بسبب تصرفه هو لا يوافقون عليه.
وعندما أقصد ضحية فأعني أن يكونوا ضحايا من عدة جوانب، إما الثار، أو تدهور الحياة الاقتصادية، أو التفكك الذي سيحل على الأسرة والمأساة التربوية والتعليمية للأبناء.
إذا كان الغرور الذي يدفع إلى الانتقام نتائجه سيئة ووخيمة، أليس من الأفضل أن نكون عقلاء حريصين على أنفسنا ومن يهمونا ونهمهم، يستطيع الإنسان أن يحول الكراهية إلى حب والانتقام إلى خير يسديه للآخرين، فعندما يفهم الإنسان طبيعة الانتقام والحقد، ويقتنع بأن بإمكانه تحويل الانتقام إلى تسامح والحقد إلى حب هنا تظهر المثل العليا والأخلاق الكريمة.
إن الفضلاء من الناس يعتمدون في تعاملهم مع غيرهم على أساس مثل عليا فيحسون في قلوبهم بقوة روحية تمكنهم من إدراك ضعف الذين يسيؤون إليهم ويوجهون إليهم الإهانات وفي نفس الوقت تجعلهم في حالة حب عميق للحب نفسه وللإنسانية، فيقومون باحتواء الناقص وجوانب الضعف التي تظهر في مواقف الآخرين، ويعملون على إطفاء نيران البغضاء بماء طول الأناة والمحبة، فالتسامح الذي يتصف به الشخص الكريم ليس تسامح المتخاذلين المستسلمين لبطش الأقوياء وإنما هو تسامح الأقوياء القادرين، وهذا هو قمة العفو عند المقدرة، ولنكن أقوياء ليس باللسان أو بالقبضة، وإنما بأن نحترم أنفسنا وندرك قدرنا وقيمتنا،وقد قال المفكر "مارك أوريلييوس": إن الطريقة الوحيدة التي تنتقم لنفسك بها هي بألا تتصرف وتفعل مثلما فعل المسيء إليك والمخطئ في تصرفاته نحوك وبألا تتباهى بأن تقاتله بنفس أسلحته، بل قاتل بأسلوب أسمى وبأسلحة جديدة مؤسسة على الشعور الودي نحو الآخرين، وبالحب الباذل المتجدد الذي لا يعرف اكلل، ويعتز الأسوياء والفضلاء بما قاله صلاح الدين الأيوبي، الذي اتصف بالقوة وبالحكمة وروح العدل: "لا ترق ماء عديمة الجدوى لأن الدم لا ينام أبداً"، فإن البغضاء تولد البغضاء والعنف يولد عنفاً، أما الحب فيولد حباً حتى لو كان موجهاً لمن لا يستحقه في نظرك"، وبعد هذا أليس من الأفضل أن ننزع من داخلنا مبادئ الغرور والانتقام، وأن نحافظ على أنفسنا والآخرين ونقدر من يهمهم أمرنا ويخافون علينا؟؟ أعتقد أن هذا هو الطريق الصحيح.