أبو الفضل الجوفي
إنهم جزء من المؤامرة
أولاً: لا أخفي إعجابي بالأستاذ/ محمد الحزمي وبما يطرحه من آراء وأفكار في مواجهة المد العقلاني العلماني سواءً تدثر بثوب العلمانية الصريح أو تلبس بلبس الإسلام وباسمه ومن ذلك ما كتبه في صحيفة "أخبار اليوم" بعنوان "إسلاميون متفلتون فكرياً" وفي تقديري أن الأمر بالنسبة لهؤلاء أكبر من "التلفت الفكري" والصفة التي يجب أن تطلق عليهم هي بأنهم "مخترقون فكرياً"، إذ أن التفلت ما هو إلا أحد ثمرات هذا الاختراق مما يعني أن كشف هؤلاء وزيفهم حماية للأمة من الداخل وكتابات الأستاذ/ الحزمي تعني أنه ما زال يبرز في هذه الأمة من يقف سداً منيعاً لحماية عقيدتها ودينها من غوائل أعدائها من اليهود والنصارى وأجهزتهم الضخمة وعملائهم الذين زرعوهم في الأمة وحكموهم في مصير البلاد والعباد أو من غوائل أبنائها من السذج ومغفلي الصالحين المخدوعين بدعوات الغرب المسماة بالإصلاحية والمزروعين، ربما داخل بعض التجمعات الإسلامية بغية تهديمها من الداخل تحت اسم التجديد والإسلام المعتدل فإن كان للصنف الأول صوت مسموع لنتيجة احتلالهم سدة الحكم والقيادة في الحكومات الإسلامية كإفراز طبيعي لمخططات الاستعمار والهيمنة على الأمة فإن من الغرابة بمكان أن يكون الضف الآخر أي صوت داخل التجمعات الإسلامية والتي بدأ البعض منها تخبط في مسارات التيه والضياع نتيجة لاحتلالهم مواقع مهمة ومفاصل قيادية خطيرة في تلك التجمعات ظهر ذلك بصورة سافرة على شكل آراء وأفكار وتوجهات لتلك التجمعات قد تجعلها عرضة للانهيار والسقوط أكثر من أي وقت مضى إذا لم يتدارك الأمر وهو مالا يرضاه مسلم في هذا الوجود على أن ما يجب أن يفهم هنا أن اهتمام الغرب بالإسلاميين لم يكن وليد اللحظة وإنما سبق ذلك بعقود بدأت بما فعله الإنجليز بالأزهر وتحديث مقرراته ومناهجه والتأثير على من كان ينطق باسمه كشيخ الأزهر حينها مصطفى المراغي وما كان لهم من تأثير على ما كان يسمى بالجامعة الإسلامية ورموزها كالشيخ/ محمد عبده وعلاقته بالشيخ/ جمال الدين الأفغاني ففي تقريره السنوي الذي رفعه لحكومة بريطانيا عام 1905م يقول اللورد كرومر: "إن معرفته بالشريعة الإسلامية أي محمد عبده وآراه الحرة المستنيرة تجعل التعامل معه عظيم الجدوى أنه وتلميذ مدرسته لخليقون بأن يقدم لهم كل عون ورعاية ودعم نظراً لما يقومون به من ردم للهوة الفاصلة بين الإسلام والغرب فهم الحلفاء الطبيعيون للمصلح الأوروبي"، إلا أنما أقض مضاجع الغربيين وأصابهم بالدهشة هو انبعاث إسلامي كبير تقوده التجمعات الإسلامية بخطاب ديني إسلامي هادف كادت أن تذهب معه جهودهم سدى فحينما أرادوا أن يحصروا هذا الدين في زوايا المساجد واركان البيوت الضيقة إذا بهذا الدين ينفجر من داخل المساجد شلالات من الحياة والروح الوثابة وإذا به يشع بنوره الوضاء ليخترق الجدران المظلمة ممتداً وإذا بهذا الجيل الحائر المرتبك يقف على قدميه ويتجه نحو المساجد وفي حلقات العلم وظهرت في سماء الأمة كوكبة من العلماء أضاءت لها الطريق فتخرجها من الظلمات إلى النور وإذا بهذه الأمة تلتف على علمائها ودعاة الحق فيها وإذا بهذه الحركات الإسلامية تقدم نفسها بمبادئها وقوتها الشعبية كبديل حتمي للأنظمة العميلة الحائرة وبعد أن سقطت رهانات الغرب على الحكومات العربية والإسلامية في علمنة وتغريب التجمعات الإسلامية أمام هذا كله وبعد أن عرفنا هذه الحقائق لم يكن لهم بدا من التفكير ففكروا وقرروا ثم فكروا وقرروا فقالوا!؟
هل من الحكمة أن نترك هذه الجماعات تعمل بهذا الشكل وهي الخطر الأوحد الذي بات يهددنا؟؟ لماذا لا نسعى لإلهائها عن مشروعها واستهلاكها في مشاريع وهمية لا حقيقة لها؟ لماذا لا نعمل على احتواء قيادتها ورموزها أو نوجد فيها من ينفذ المخططات الذي نريد؟ فلن يفل الحديد إلا الحديد ولن يقوى شيء على ثني ذراع هذا الدين إلا الدين نفسه ولن يقدر خطاب مهما علا قدره وفصح لسانه وظهرت حجته على مقارعة "الخطاب الديني" إلا الخطاب الديني نفسه ولن يضاد الفتوى الدينية إلا فتوى مثلها ولن ينافس دعاة الحق والبصيرة إلا دعاة يشبهونهم وليسوا منهم يحاكونهم في منطق اللسان ويخالفونهم في منطق الجنان أشكال ورسوم ليس لها من حقيقة هذا الدين إلا اسمه! ولتتثبت أركان العلمانية من جديد ولكن بأصابع لا تتهم ووجوه لا تدان فظهر نشء من المتطفلين على موائد الشريعة يهدون قواعد الفقه وأصوله ويعبثون بضوابطه ومناهجه وينتقصون الأئمة ويفتون في دين الله على غير بصيرة لا ينتمون لمدرسة معتمدة أو مذهب فقهي عتيد أو حتى أن يكون لهم مذهبهم المخترع بقواعده الواضحة وأصوله الجامعة لقد كان من لوازم تلك الموجة في كثير ممن تشربوا بها ودعوا لها أن ترى فيهم تطاولاً على العلماء وقدحاً في الأئمة وطعناً في الفقهاء وخاصة من سلف منهم وغيرهم ممن شهدت لهم الأمة والتاريخ بالفضل والعلم والصلاح وكان من نتائج ذلك أن سقطت هيبة المرجعيات العلمية واهتزت المقاومات الدينية قديمها وحديثها مما أفقد الشباب المتدين احترامه لماضيه وإجلاله لرموز تاريخه وتراثه العلمي وضيع معه المأوى والملجأ إذا احتدمت الصراعات الفكرية وتضاربت الآراء العلمية فأضحت الساحة عرضاً مباحاً وسوقاً مشاعاً يباع فيه الفقه ويشترى ويعرض ويبتذل وتعالت الأصوات وارتفعت الدعاوى واصطلمت الفتاوى واختلط الحاضر بالبادي والحابل بالنابل فمنذ زمن والفقه الإسلامي يعاني من عاصفة هوجاء وموجة رعناء إنها الدعوة إلى الاجتهاد الفوضوي والقول في دين الله بغير ضوابط والنهي عن تقليد واتباع الأئمة الكبار أصحاب المذاهب المعروفة وإغراء الناشئة على الخوض في كتاب الله تعالى وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخرج من تلك المدرسة الطائشة غلمة من أنصاف المتعلمين وأحداث من أرباع المثقفين فأفتوا فضلوا وأضلوا. إنما يروج له هؤلاء من أفكار وأطروحات لا يعني انهزامهم وحسب أمام نداءات العلمنة والتغريب وإنما هو تنفيذاً منهم لمخططات تم الاتفاق عليها مسبقاً أو ما تراهم جاهزون وحسب الطلب لإضفاء صبغة الشرعية الدينية على كل دعوة من دعوات الغرب المسماة زوراً "دعوات الإصلاح والتغيير" ولو كان في طياتها الكفر والفسوق والانحلال والهدم لكل ما هو مقدس وجميل في ديننا وحضارتنا كل ذلك سعياً منهم لإفراغ الإسلام من محتواه والفقه من مضمونه وفحواه كاستجابة حتمية لمشروع الهيمنة الأميركية الغربية المتمثل في إنشاء "إسلام صناعي" معدل أميركياً يناسب الذوق الغربي والنظام العالمي الجديد "وترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين" إن أخشى ما أخشاه هو أن هذا الصنف في داخل تلك التجمعات الإسلامية لم يعد تياراً وحسب بل يكاد أن يصبح توجهاً عاماً نتيجة لسيطرة هؤلاء أو بعضهم على الكثير من مقاليد الأمور فيها وفي ظني وليس كل الظن إثم أنه لولا التشجيع والرعاية من قبل قيادات حركية إسلامية لهؤلاء لما بلغ نزقهم وجراءتهم إلى هذا القدر من السفاهة والانحطاط مما يستدعى ضرورة بل ووجوب المراجعة الشاملة داخل تلك التجمعات وهل مازالت على أهدافها التي أنشأت من أجلها؟ وما هي علاقة غاياتها بوسائلها، كل ذلك لمعرفة مكامن الخلل وبيت الداء والقبض على أيدي السفهاء والعابثين قبل أن تبدأ بالانهيار والسقوط كغيرها من المشاريع النهضوية القومية والتي لفظت أنفاسها وأصبحت في خبر كان نتيجة لإفلاسها القيمي والأخلاقي وابتعادها عن هموم الأمة وعقيدتها وغياب دور المسلم الملتزم جملة من الظواهر السيئة في تلك التجمعات الإسلامية كانت كفيلة بهز توازنه وتغبيش الصورة الجميلة التي تخيلها عن الصفوة من هذه الأمة وأول تلك الظواهر المنازعة والمخاصمة والتهمة المتبادلة والمحاربة وثانيها المناقضة والمعارضة فكل يدعي أنه على الحق المبين الذي لا مرية فيه وأن غيره في أحسن الأحوال ليس كذلك وثالثة الأثافي ما كان يعتبر مبدأ لا يتغير وأساساً لا يتبدل وقيمة لا نمس أعتابها إذا بكل شي يقبل المط والشد والتقليب والتحويل.
فالعلمانيون كانوا أعداءً فإذا بهم اليوم أصدقاء في خندق الإصلاح والتغيير والشيوعيون أو الناصريون كانوا شراً مستطيراً فإذا بهم اليوم رفقاء في تجمع واحد واتحاد واحد من أجل الديمقراطية والحرية السياسية وكان الشعار بالأمس لا حل إلا بالإسلام ولا يجوز التفاوض على المنهج الرباني أو التصويت أو الاقتراع فإذا بنقيض الإسلام يصبح جائزاً حلالاً زلالاً؟! إذا جاء عن طريق الأصوات الحرة والانتخابات النزيهة كل هذا أو غيره كان كافياً لتشويش جماعة من الشباب المسلم الملتزم مما جعلهم صيداً سهلاً للنزاعات المريضة والأنحاء الغربية.
لا نريد بهذا الكلام ظلماً لأحد أو تجنياً على التجمعات الإسلامية أو بعض رموزها واتباعها أو أن لدينا من القسوة والغلظة ما يفيض على الحاجة لنتحف به نفراً من أبناء جلدتنا وأهل ملتنا بقدر ما نريد بكل ذلك أن نصل إلى الحقيقة كما هي دون رتوش وأن ندرك الواقع بحقائقه وأبعاده دون مجاملة أو مداهنة أو تملق أو خوف، وما يخطه يراع الأستاذ/ الحزمي وغيره من الدعاة كفيلاً بإذن الله بدعوة العلماء والدعاة بالخروج من قواقعهم وأبراجهم العاجية لينظروا إلى ما يحاك للإسلام والمسلمين من مخططات ومؤامرات تستهدف عقيدة الأمة ودينها سواء تدثر منفذوها بثوب العلمانية الصريح أو بثوب الإسلام وتحت مظلة الدين فمن للأمة إذا أحلولكت الظلمات ومن لها إذا عم الفساد وفشا الجهل؟
ومن لها إذا تقنع الباطل بالحق واختفى الحق واستحى لبهرجة الباطل وأفانينه!!، ومن لهذا الدين إن أمعن المفسدون فيه تقطيعاً وتخريقاً أو مسخاً وتحجيماً أو تعريفاً وتبديلاً فمن لهذه الملمات العظام إلا العلماء؟ ومن لهاتيك البلايا الجسام إلا الفقهاء الأتقياء.
إن من مصائب هذا الزمن على هذه الأمة ودينها تغييب دور العلماء وتقزيم حجم الفقهاء وقد أشترك في هذا البلاء العظيم أعداء الإسلام وأصدقائه والغرباء عنه وأهله وأحبابه وإني لأرى تجديداً لأمر هذا الدين قادم من بعيد بإذن الله إنه من هناك من الغرب ومن أميركا تحديداً ومن يدري فلعله يأتي التجديد من حيث أتى التغريب والتحديث أتعجبون!!!.
فاقروا إن شئتم كتاب "الخطاب الديني بين تحديث الدخلاء وتجديد العلماء" لرجل من أبناء هذا الدين وحماته يعيش في الغرب منذ أكثر من ثلاثين عاماً ورفض أن يكون ألعوبة في أيديهم فأخذ بقلمه العذب المتجدد يفضح كيدهم ومؤامراتهم فلله دره أنه الدكتور/ محمد نعيم هاني ساعي أستاذ الفقه وأصوله في الجامعة الأميركية المفتوحة بأميركا.
وهذا الكاتب جديراً بالقراءة وقد استفدت منه في كتابة هذه المقالة فليراجع وله غير هذا من الكتب الجميلة والرائعة وكلاً يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم ، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
والله من وراء القصد. .