علي صلاح
ظل الشيخ يوسف القرضاوي لفترة طويلة يرعى الحوار مع الشيعة، ويسعى لتحجيم خطرهم بشكل هادئ، وارتبط بعلاقات مع بعض أئمتهم، كما تبوأ أحد المرجعيات الشيعية المعروفة منصب نائب القرضاوي في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين؛ إذن الرجل ليس عنده ضغائن شخصية ضد الشيعة بل لقد تعرض للانتقاد من بعض دعاة أهل السنة لتهاونه في إيضاح خطر الشيعة على الأمة وبيان فساد عقيدتهم، وعندما توحش المد الشيعي وفشلت محاولات الحوار وتبين مراوغة الشيعة والاتكاء على تقيتهم المعروفة، خرج الشيخ القرضاوي عن صمته وأبان للأمة حقيقة مذهب الشيعة وخصوصا الطائفة الإثنى عشرية التي تتولى الحكم في طهران وينتمي إليها حزب الله في لبنان؛ عندئذ ظهرت بعض الحقائق التي طالما حذر منها عدد من المحللين والكتاب ولم تجد في الغالب أذانا صاغية.
الموقف الشيعي
كالعادة شحذ الشيعة ألسنتهم ضد الشيخ القرضاوي الذي طالما اعتبروه صديقا لهم أمام الناس ورموه بأبشع الألفاظ وأشنعها؛ فقد طالبت وكالة "مهر" للأنباء الإيرانية، الشيخ القرضاوي بأن "يترك العصبية الجاهلية ضد شيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، زاعمة "أن الشباب العربي أصبح يتوجه الآن نحو المذهب الشيعي الثوري"، وادعت الوكالة بأن الشيخ " يتحدث نيابة عن زعماء الماسونية العالمية وحاخامات اليهود"، وأضافت: "إن كلامه يصب في مصلحة الصهاينة وحاخامات اليهود الذين يحذرون من المد الشيعي. . . " وهذه الاتهامات المعلبة التي يرددها "البغبغاوات" في "قم" هي الحرب المعنوية التي تعلن على كل مخالف لطريقتهم ومنهجهم الملتوي في محاولة لإرهابه وإسكاته، فإما أن تكون مع الشيعة الذين يسبون الصحابة ويتهمون السيدة عائشة رضي الله عنها بالإفك ويؤلهون أئمتهم ويدعون عصمتهم ومعرفتهم بالغيب، وإما أن تكون مع الصهاينة! وهي حيلة مكشوفة لا تنطلي إلا على البسطاء الذين يسعى الشيعة لاجتذابهم إلى مذهبهم من خلال الدعاية المضللة بشأن تحدي القوى الأمريكية والصهيونية في المنطقة، وهم في الحقيقة يتعاونون معها في الخفاء وأحيانا في العلن، كما حدث في غزو العراق وأفغانستان، والمتأمل في أوضاع العراق والنفوذ الإيراني المتصاعد فيها بعد الغزو يعرف جيدا أين يقف نظام طهران من "قوى الشر".
موقف أدعياء الثقافة
في وطننا العربي نخبة مثقفة أورثت الأمة الذل والعار والمهانة على مدار الخمس عقود الماضية، انتفخت أوداجها في عهد الاشتراكية الثورية التي اتخذت موقفا مناهضا للدين ووضعته بعيدا لتنفرد بالسيطرة على عقول الشعوب، وبعد الهزائم المتكررة ذهب بعضها يمينا ونافق البعض الآخر السلطة في بلادهم وحصلوا على مناصب ثقافية رفيعة واقتربوا من أصحاب القرار، والبعض الآخر انزوى وعندما جاءته الفرصة رجع يبث سمومه مستغلا الحملة العالمية ضد الإسلام، هؤلاء جميعا لا يهمهم الإسلام وعقيدته بقدر ما يهمهم الترويج لمذهبهم العلماني أو لمصالحهم مع السلطة التي ينتمون إليها، وطهران بالنسبة للفريق الأول تحقق طموحاته القديمة في مناطحة الإمبريالية ولو بشكل ظاهري كما أنها تعادي التيارات السلفية التي تمكنت من الإطاحة بهم واستطاعت الحصول على ثقة الشعوب في الفترة الماضية، وهي الفترة التي شهدت انحسارا كبيرا في تأثيرهم، أما الفريق الثاني فالقضية سياسية في المقاوم الأول والأخير؛ فطهران اليوم ملاك وغدا شيطان على حسب مصالح وعلاقات السلطة التي ينتمون إليها؛ من هنا نستطيع أن نتفهم الحملة التي شنت على الشيخ القرضاوي من قبل البعض والصمت الذي اعترى البعض الآخر.
كلمة للشيخ القرضاوي
أعلى بعض العلمانيين كثيرا من شأن الشيخ الشعراوي والشيخ الغزالي في وقت سابق؛ نظرا لدورهم وأرائهم في قضية العنف الذي تبنته بعض الجماعات الإسلامية وليس حبا فيهما أو اقتناعا بمنهج "إسلامي معتدل"، على حد ادعائهم وقتها، ولكن عندما أدلى الشيخ الشعراوي برأيه في بعض القضايا الخاصة بالمرأة، وعندما بين الشيخ الغزالي الحكم الشرعي في قضية اغتيال فرج فودة انقلبوا عليهما؛ فالعلمانيون يتترسون ببعض العلماء لتنظيف صورتهم أمام الناس كمرحلة مؤقتة يقومون بعدها بالظهور على حقيقتهم، وهم يتسامحون مع قادتهم إذا سقطوا في التيه ولكنهم لا يتسامحون مع المشائخ في أقل هفوة، بل يتحينون لهم الفرصة للقضاء على شعبيتهم واحتلال موقع القيادة الذي افتقدوه، ألا تسمع انتقادهم الدائم لما يسمونه "الردة المجتمعية والثقافية" عندما يتحدثون عن المظاهر الدينية المنتشرة في معظم البلاد الإسلامية.