علي صلاح
الأزمة المالية في الولايات المتحدة الأميركية ليست وليدة اليوم، بل هي تراكم للمشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الأميركي منذ سنوات، وتتمثل في عجز شديد في الميزانية مع تزايد الإنفاق العسكري على مغامرات المحافظين الجدد العسكرية في العراق وأفغانستان، وقد تبلورت الأزمة عندما شهد سوق العقارات في أمريكا انهيارًا شديدًا بعد توسع من جانب البنوك في إقراض الهيئات والمواطنين للاستثمار في مجال العقارات الذي كان يشهد ازدهارًا، إلا أن التكالب الشديد على الاستثمار في هذا المجال أدى إلى انخفاض أسعار العقارات وأصاب البنوك والأفراد بخسائر ضخمة، وهو ما أدى لانهيار رابع أكبر بنك في البلاد، وأزمة مالية طاحنة تعاني منها كبرى المؤسسات المالية.
تأثير الأزمة على البلاد العربية
أكثر دول الخليج تربط عملتها المحلية بالدولار الأميركي، كما أن هناك استثمارات عربية ضخمة في الولايات المتحدة، أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة الأميركية أكبر مستورد في العالم والكساد الذي تعيشه الآن سيقلل من حجم تعاملاتها التجارية مع الدول العربية، في الوقت نفسه كبار المتعاملين في شراء الأسهم والسندات في الدول العربية يستثمرون في السوق الأميركية وعند حدوث خسائر فيها يحاولون تعويض هذه الخسائر بسحب بعض أموالهم من هذه الدول؛ مما يؤثر على أسواق الدول العربية، وهو ما حدث بالفعل حيث هبط مؤشر البورصة في معظم الدول العربية بدرجة ملحوظة ولم تتمكن هذه الأسواق من تعويض خسائرها، رغم التصريحات التطمينية المعتادة في مثل هذه الأحوال من قبل المسئولين.
توحش الرأسمالية
رغم أن الإسلام راعى النزعة الفردية في التملك لكنه وضع ضوابط حتى يحمي المجتمع من آثارها السلبية، مثل منع الاحتكار وفرض الزكاة، ودور الدولة وبيت المال في إعادة التوازن بين الأغنياء والفقراء. أما ما يحدث في أمريكا فهو نوع من "تأليه الفرد" وتكريس لأبشع نوازع الطمع والأنانية في النفس البشرية على حساب العدالة الاجتماعية، ويسري الأمر على تعامل النظام الأميركي مع الدول النامية التي عانت كثيرًا من الاحتلال الغربي، ثم عانت أكثر من شروط التجارة التي فرضتها أمريكا لتزيد من رفاهية مواطنيها على حساب الفقراء في دول العالم الثالث، وعندما جاء الوقت لتتذوق فيه الدولة الكبرى مرارة الحاجة ستجر معها للأسف الدول الفقيرة للهاوية.
توالي علامات انهيار الإمبراطورية
تكلمنا من قبل عن الهزائم العسكرية التي لحقت بالولايات المتحدة في الآونة الأخيرة على أيدي المقاومة التي تقل عنها كثيرًا من حيث العدد والعدة، وظهور علامات انهيار الإمبراطورية الأميركية التي قامت في الأساس على القوة العسكرية ثم حمتها بالقوة الاقتصادية، وهو ما حافظت عليه لفترة طويلة خلافًا للاتحاد السوف يتي الذي لم تمنع قوته العسكرية من انهياره بعد تدهور منظومته الاقتصادية، واليوم نرى ضربة قوية تخترق عصب الاقتصاد الأميركي، ويقف الرئيس الأميركي ليحذر من خطورة الوضع وتداعياته المؤلمة، وتسيطر الأزمة تمامًا على الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهي إشارة أخرى لتهاوي الغطرسة الأميركية. إن العاصفة المالية التي تجتاح الولايات المتحدة في وقت يعاني فيه العالم من ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية سيؤدي إلى المزيد من المشاكل الداخلية في الدول الفقيرة والتي تنتمي إليها معظم الدول العربية، وهو ما ينبغي التعامل معه بشكل واقعي والتفكير الجدي في سحب الاستثمارات الخارجية وإعادتها لتنمية شعوب المنطقة، بعيدًا عن مراعاة خواطر الأميركيين.