;

القيادة.. قوة دفع للتغيير 708

2008-10-06 00:30:08

د. محمد عاكف جمال

المناظرة وجهاً لوجه أمام الجمهور بين المرشحين للرئاسة الأميركية، والتي ترصدها بدقة الدوائر المعنية محلياً وعالمياً، هي آخر المحطات التي يتوقف عندها المرشحان قبل فتح صناديق الاقتراع أمام الناخبين في نوفمبر المقبل. في المناظرة الأولى، في السادس والعشرين من سبتمبر المنصرم، خضع المرشحان للرئاسة الأميركية باراك أوباما وجون مكين إلى أول اختبار لقدراتهما.

ومع أن هنالك الكثير من القضايا التي يهم الناخب الأميركي التعرف على موقفهما منها: الحرب في أفغانستان وفي العراق، الإرهاب، الموقف من البرنامج النووي الإيراني، كوريا الشمالية، القضية الفلسطينية، الموقف من روسيا، الموقف من الصين، توسيع حلف الأطلسي، التغيرات المناخية، إلا أن الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي تمر بها الولايات المتحدة فرضت نفسها على أجواء المناظرة.

كشفت هذه المناظرة للمراقبين الفوارق بين برنامجي المُرشحين، وكشفت كذلك الفوارق بين شخصيتهما وبين قدراتهما القيادية. هنالك قناعة لدى بعض المراقبين بأن باراك أوباما قد اجتاز اختبار الأهلية للقيادة بنجاح في حين اجتاز منافسه مكين اختبار المعرفة والاطلاع الواسع في الشؤون الخارجية بنجاح كذلك.

المرشح الأول أكثر أهلية للقيادة لأنه مسكون بقوة دفع كبيرة للتغيير، في حين أن المرشح الثاني تقليدي النزعة في المشارب والمآرب يكرس وضعاً قائماً حين مجيئه إلى البيت الأبيض.

كما كشفت هذه المناظرة أحد الفوارق المهمة بين برنامجي المرشحين وهو أن مكين أقل رغبة في الذهاب إلى استراتيجية الحوار وحلول المشاكل بالطرائق الدبلوماسية وأكثر ميلاً للدخول في فضاءات الوعيد والتهديد .

وربما المواجهة على العكس من أوباما الذي عكس في المناظرة عن تقييم خاص للحوارات وللدبلوماسية ورغبة قوية في إبداء المرونة اتجاه الآخرين والسعي نحو حلول سلمية للمشاكل القائمة واستبعاد الذهاب إلى المواجهات، ولم يخف رغبته في إزالة بعض الخطوط الحمراء المرسومة في علاقات الولايات المتحدة مع دول أخرى.

انتخابات الرئاسة الأميركية ليست بالحدث المحلي الذي يخص الناخب الأميركي وحده وتقتصر أهميته على غد الولايات المتحدة، العام كله يرقب باهتمام ما يجري على المسرح الأميركي. باراك أوباما وجون مكين يتنافسان لإشغال أحد أهم مراكز صنع القرار في العالم. رئيس الولايات المتحدة ليس منصباً عادياً يتطلب من المتقدم لإشغاله تأريخاً وظيفياً مميزاً يعكس خبرة الماضي.

وليس منصباً عسكرياً يتطلب وجود من هو قادر على اتخاذ قرارات ميدانية فورية قد تكون خطيرة دون تردد، وليس منصباً رئاسياً في دولة صغيرة هامشية التأثير على الأحداث في العالم. فمن يشغل هذا المنصب يتأثر العالم أجمع بما يحمله من برامج لبلده وللعالم أجمع وبما يتخذه من قرارات، فمسؤولية الرئيس الأميركي تتجاوز كثيراً الحدود الجغرافية والسياسية والأخلاقية لبلده.

وتأتي هذه الانتخابات في ظروف غير عادية، فعلى الرغم من أن العالم شهد ويشهد على الدوام أحداثاً مختلفة الأهمية وتوترات متنوعة ومشاحنات محلية وإقليمية تطلبت وتتطلب تدخل الإدارة الأميركية بهذا القدر أو ذاك، إذ من الصعوبة بمكان أن نشير إلى حدث واحد في مكان ما من العالم لم يكن للولايات المتحدة حضور فيه بشكل ما، سواء في صنعه أو في عرقلة حدوثه أو في تغيير مساره أو في التوصل إلى نتيجة بشأنه.

إلا أن العالم يشهد في الوقت الحاضر وضعاً مختلفاً إلى حد كبير ، فهو على أعتاب مرحلة جديدة تشهد فيها العلاقات الدولية عودة إلى سياسة الاستقطاب في المواقف والمصالح حول أكثر من بؤرة، وليس كما كان الحال على مدى العقدين المنصرمين حيث هيمنت الولايات المتحدة على القرار الدولي.

كما يشهد العالم في الوقت نفسه أزمة اقتصادية خطيرة وغير عادية لأول مرة منذ أزمة نهاية العشرينات في القرن المنصرم حيث تقبع الولايات المتحدة في قلب هذه الأزمة سواء في الدور الذي لعبته سياساتها ومؤسساتها في صنعها أو في أدوات العلاج التي توظفها في مقاربة هذه الأزمة وذلك لأن اقتصاد الولايات المتحدة يشكل 30 % من اقتصاد العالم.

الولايات المتحدة دولة عظمى بكل معنى الكلمة تتراكم في زوايا مؤسساتها الكبيرة والصغيرة خبرات غزيرة وضعت من قبل الباحثين في جامعاتها ومراكز أبحاثها في دراسات رصينة ذات مستوى رفيع من الدقة والشمولية وُظفت في إعدادها أفضل الوسائل في تقصي المعلومات وجمعها وتحليلها ووضع الاستنتاجات بشأنها وفق أحدث نماذج معالجة المعلومات في مختلف المجالات.

هذه الخبرات تزود شاغلي المراكز المهمة بما يحتاجونه في عملهم اليومي التقليدي بما يضمن تجنب العثرات، فهي من غير شك تديم وضعاً قائماً. إلا أن هذه الخبرات لا تسهم، في أغلب الأحيان، إلا بشكل محدود في دعم القدرة على التغيير بل تلعب في أحيان كثيرة دوراً هاماً في عرقلته.

فالخبرات الطويلة في مجال معين تصبح في أحيان كثيرة عامل إعاقة للتغيير حين تتحول إلى أطرٍ وقوالب عقلية راسخة يَصعُب على الجديد أن يجد مكاناً له فيها لأنها تحدد فضاءات التفكير وترسم أبعاده ويصبح من الصعب جداً تجاوزها والتحليق خارجها.

يرسم كل مرشح للرئاسة الأميركية عادة صورة وردية في برنامجه لمستقبل الفرد الأميركي مذكراً إياه بما عُرف بالحلم الأميركي الذي جذب المهاجرين إليها من مختلف أصقاع الأرض، ذلك الحلم الذي رسم صورة ساحرة للأرض الأميركية ولفضاءات الحرية فيها وللفرص المتاحة لتحقيق ما يصبو إليه الفرد.

إلا أن ما ينتظره العالم من الرئيس الأميركي المقبل أكبر كثيراً من مجرد سعي لبحبوحة الفرد الأميركي، فعصرنا الحالي، عصر العولمة الذي تقلصت فيه المسافات، قد أوجد حلماً أكبر كثيراً من الحلم الأميركي الضيق، حلماً يتعلق بالإنسانية جمعاء عبرت عنه الوثيقة الصادرة عن الأمم المتحدة حول أهدافها في القرن الحادي والعشرين.

الولايات المتحدة كدولة عظمى عليها أن تتحمل مسؤوليات عظمى تتجاوز كثيراً ما احتوته الأجندة التي يحملها المرشح للرئاسة لكسب أصوات الناخبين من أبناء بلده، فمسؤوليتها اتجاه العالم، سياسياً وأخلاقياً، هي الأهم في إيصال الآخرين، في مختلف بقاع الأرض، إلى القناعة بدورها القيادي والريادي فيه.

يواجه الرئيس الأميركي كواحد من أهم القادة في العالم مهام التصدي لأبرز المخاطر التي تحيق بكوكبنا وبالبشرية جمعاء منها ما يتعلق بالبيئة كالتغيرات المناخية وارتفاع حرارة الأرض والتمزق في طبقة الأوزون ومختلف أنواع التلوثات البيئية، ومنها ما يتعلق بالإنسانية كمشكلة الفقر التي تتفاقم في العالم ومشكلة شح المياه والغذاء وانتشار الأوبئة وتجارة المخدرات.

ومنها ما هو سياسي يتطلب تحقيق العدالة ونبذ الانحياز نحو طرف معين في الصراعات الدولية والتخلي عن استخدام المعايير المزدوجة، ومعالجة بؤر التوتر بمرونة وواقعية، والعمل على إزالة أسلحة الدمار من العالم كله وتحجيم تجارة السلاح.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد