محمد أمين الداهية
بعد أن أصاب تلك الغابة التي كانت في يوم من الأيام في غاية الجمال - بعد أن أصابها الجفاف والقحط استاءت جميع حيوانات الغابة، وفي مثل هذه الحالات كان لا بد لساكني الغابة أن يجتمعوا ليتدبروا مصير غابتهم وما حل بها وما هي الأسباب التي أدت إلى استنزاف خيرات تلك الغابة وجمالها حتى جعلتها جرداء قاحلة وصار أهلها يفتقرون إلى أدنى ما كانوا يحصلون عليه.. اجتمعت الحيوانات في ساحة كبيرة - طبعاً ترأس ذلك الاجتماع الطارئ زعيم الغابة الأسد، ألقى كلمته التي قال فيها بعد أن عبر عن سعادته بمثل هذه الظروف التي تجمع كافة أهالي الغابة لمناقشة أوضاعهم بأسلوب حضاري رائع، ثم طالب من خلال خطابه المسؤولين المعنيين أن يقدموا له تقريراً شاملاً ووافياً عن الأسباب التي كادت أن تؤدي بالغابة ومن فيها، وأثناء حديث الزعيم تقدم زعيم إحدى الفصائل مستأذناً زعيم الغابة أن يطرح عليه ما يريدون إيصاله إليه، فبتواضع ذلك الزعيم سمح للفيل أن يعطي ما عنده، قال الفيل: اسمع يا سيدي، أنت قد كلفت المعنيين بإيفاءك بتقارير وافية عن الغابة وما صارت إليه، نحن نرفض عفواً يا سيدي، نحن نتمنى منك أن تعفيهم من هذه المهمة لأن هذه المسألة لا تحتاج إلى إشرافك المباشر، أما التقارير عن أحوال الغابة فهم يرفعونها إليك بصورة مستمرة ولولا أن الحال إزداد سوءاً حتى بات الأمر واضحاً، لظلت على ثقتك بأن الغابة من أحسن حال ولا ينقصها وسكانها أي شيء، نحن نقدر إهتمامك بنا وبأرضنا ونعرف جيداً أنه لولا إحاطتك بأننا في أحسن حال لكنت قد أصلحت الخلل قبل أن يصل بنا الأمر إلى مثل هذا الحال، أعجب زعيم الغابة بهذا الكلام الذي طرحه الفيل وشكره على صراحته، فبينما زعيم الغابة يثني على الفيل ويناقش ما طرحه تقدم الغزال وإلى جانبه الثعلب، فأستأذنا زعيم الغابة بالكلام فسمح لهما فقال الغزال: يا سيدي أعترض على ما قاله الفيل فنحن قد قمنا بواجبنا على أكمل وجه وبذلنا جهداً كبيراً كي نحافظ على الغابة وخيراتها، لكن أهالي الغابة ظلوا يعبثون ويتنازعون فيما بينهم وينصب كل واحد للآخر الكمين الذي يجهز فيه على عدوه ثم يتفرغ للآخر، وأنا بصفتي واحداً من المسؤولين على هذه الغابة حاولت أن أصلح تلك الخلافات بين الفصائل المختلفة، فكلهم كانوا آذاناً صاغية وقلوباً مطيعة إلا فصيلة الفيلة، والتي هي السبب الأول لما صارت الغابة عليه، وهذا زعيم الثعالب يشهد بذلك، وأيضاً زميلي المسؤول وفصيلته يؤيدون ذلك، تقدم ذلك المسؤول الآخر ليؤيد ما قاله الغزال والثعلب فقال: يا سيدي أنا وفصيلتي القطط بجميع أشكالها نؤيد ما قاله السيد الغزال، وأن السبب الأول في دمار الغابة وجفافها هم فصيلة الفيلة، رفع المسؤولون الآخرون أياديهم مؤيدين ما قاله الغزال وزميلاه الثعلب والقط ، بعد ذلك طلب زعيم الغابة من الجميع الهدؤ، ونزل بنفسه متجهاً نحو فصيلة الفيلة غاضباً مستنكراً تلك الصورة البريئة التي ظهر بها زعيم الفيلة أمامه.
