ممدوح طه
إذا كان إعصار 11سبتمبر الأمني فاصلا بين عصرين، عصر ما قبل 11سبتمبر وعصر مابعد11 سبتمبر في بداية عهد بوش، فإن ما تشهده أميركا حاليا من إعصار 25 سبتمبر المالي في نهاية عهد بوش يشكل فاصلا بين عصرين، عصر ما قبل العولمة الاقتصادية وعصر ما بعد العولمة الاقتصادية، عصر ما قبل الرأسمالية الليبرالية، وعصر ما بعد الرأسمالية الليبرالية..
لقد شعر العالم بالزكام والصداع بعدما ما ظهرت إلى العلن بأشعة كاشفة أعراض الأمراض الكامنة في طبيعة الرأسمالية الأميركية، بما يشكل بداية النهاية للسوق الحر بغير ضوابط، ويظهر ما لنظام العولمة الاقتصادية تحت الهيمنة الأميركية من مخاطر، ويدعو للبحث عن عالمية عادلة ومتوازنة، بدعوة الرئيس الفرنسي لقمة عالمية، وبقول الرئيس الروسي «انتهى زمن الهيمنة الأميركية»، حتى لا يصدق القول الشائع «إذا عطس الاقتصاد الأميركي أصيب الاقتصاد العالمي بالزكام»!
وبرغم ما بشر به المفكر الأميركي «فوكو ياما» في كتابه «نهاية التاريخ» بحتمية انتصار الرأسمالية الديمقراطية أو الليبرالية الاقتصادية الجديدة، مؤكدا أن التاريخ قد وصل إلى نهايته بانتصار الديمقراطية والليبرالية واقتصاد السوق الرأسمالي الحر ونهاية الصراع. فإن ما حدث في أميركا مؤخرا يثبت خطأ هذه النظرية، لكنه لا يعني نهاية الفكرة الرأسمالية .. بدليل وصف البعض لبعض تطبيقات النظام الاشتراكي ب»رأسمالية الدولة» !
فوكوياما قال هذا الكلام ردا على نظرية المفكر الألماني «ماركس» الذى بشر في كتابه «رأس المال» بحتمية انهيار الرأسمالية وحتمية انتصار الاشتراكية في العالم .
مؤكدا نهاية التاريخ في ظل عالم شيوعي، وما حدث من انهيار النظام السوفييتي والمنظومة الاشتراكية في شرق أوروبا في مرحلة ما قبل الشيوعية يثبت خطأ هذه النظرية، لكنه لا يعني نهاية الفكرة الاشتراكية .. بدليل وصف المفكر الأميركي الشهير «نعوم تشومسكي» لما يجري هذه الأيام في أميركا ب «اشتراكية الرأسماليين»!
ويبدو للعالم الآن أن أساس استقرار واستمرار المجتمعات هو المزاوجة بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية برأسمالية إنسانية تراعي العدالة الاقتصادية والاجتماعية، أو باشتراكية تراعي الحرية والعدالة السياسية دون أن يكون أحدهما بديلا عن الآخر ..
وهذا هو الحل الذي يبدو اختيارا جبريا أمام أزمة الاشتراكية الروسية في عز نموها بقوة استبدادها، أو أزمة الرأسمالية الأميركية في عز حريتها بشيوع فسادها !
بينما بشر العالم العربي المسلم «عبد الرحمن بن خلدون» مؤسس علم الاجتماع ومؤرخ الحضارة العربية الإسلامية في «المقدمة» برؤية مستقبلية عن ظاهرة العمران البشري، وحينما لم يفهم العقل العربي مقولات ابن خلدون بشكل كاف، وفشل في وضع الحلول الواقعية بغير ابن خلدون، عطل دوره ونزع إلى اللا نظرية أو التبعية لما أنتجته عقول الآخرين في الحضارة المادية الغربية إما بالاشتراكية أو بالرأسمالية.
لقد نبه ابن خلدون قبل ماركس وفوكوياما بقرون إلى قوانين حركة التاريخ وحركات تغيير المجتمعات التي تبدأ من البداوة وتنتهي إلى الحضارة، وحذّر من الانهيار الحتمي للدول والمجتمعات التي تبلغ قمة الحضارة المادية والتي تبدأ في الانهيار عندما يستفحل فيها داء الترف والاستهلاك والفساد والاستبداد الذي يؤدي إلى إنهاك المجتمع وإهلاكه.
وهذا يذكرني بمقولة المفكر العربي المسلم «رشدي فكار» :«الشرق ينهار والغرب ينهار.. فلماذا لا نصلي في مساجدنا ؟!» <