;

صلاح الدين الأيوبي.. وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس.. الحلقة السابعة والثلاثون 2540

2008-10-08 00:35:41

المؤلف/ علي محمد الصلابي

وإليك أيها القارئ الكريم ما قام به أهالي الإسكندرية للدفاع عن الإسلام وعن دولته السنية الجديدة في مصر، فقد تعرضت الإسكندرية لإنزال صقلي في الأيام الأخيرة من عام "569ه/ نهاية تموز 1174م" وكان الأسطول النورماندي يتكون من مئاتي سفينة وقيل: من مائة وثمانين سفينة تحمل خمسين ألف رجل بينهم ثلاثين ألف مقاتل تنفيذاً للمخطط واسع النطاق الذي اتفقت عليه العناصر الموالية للفاطميين مع ملكي بيت المقدس وصقلية بهدف إحياء الخلافة الفاطمية في مصر ورد الدعوة الشيعية الرافضية إلى ما كانت عليه، وقد وصلت الحملة النورماندية أمام الإسكندرية في 16 ذي الحجة بعدما انكشفت المؤامرة وقضي على المتآمرين في الداخل من جهة، وبعد وفاة عموري الأول ملك بيت المقدس من جهة ثانية.

وشرع النورمان في مهاجمة الإسكندرية ونجحوا في إغراق بعض المراكب المصرية التي كانت راسية على الساحل وقد أبدى الجيش الأيوبي وأهالي الإسكندرية شجاعة فائقة، فأحرقوا دبابات العدو التي نصبت قرب السور" وأحسنوا القتال والصبر".

وكان صلاح الدين غائباً عن الإسكندرية، وحين وصلها:" زال ما بالمحاربين من تعب وألم الجرح وكل منهم يظن أن صلاح الدين معه، فهو يقاتل قتال من يريد أن يشاهد قتاله".

فما كان على الصليبيين سوى التسليم وصاروا بين قتيل وأسير.

وهكذا وجه جيش صلاح الدين وأهالي الإسكندرية ضربة ماحقة بأصحاب فكرة غزو مصر، بحيث لم يعودوا يفكرون في إعادة التجربة مرة ثانية في عهد صلاح الدين، على الرغم من أنهم لم يتخلوا عن الفكرة كلياً، إذ أعادوا الكرة بعد وفاة صلاح الدين بربع قرن.

- مؤامرة كنز الدولة:

ومن المؤامرات التي واجهها صلاح الدين في مصر مؤامرة قامت في أسوان وقوص وكان ذلك سنة "570ه"، فقد جمع كنز الدولة والي أسوان العرب والسودان، وقصد القاهرة ، يريد إعادة الدولة الفاطمية، وأنفق في جموعه أموالاً جزيلة، وانضم إليه جماعة ممن يهوني هواهم، فقتل عشرة من أمراء صلاح الدين وخرج في قرية "ود" رجال يعرف بقياس بن شادي وأخذ بلاد "قوص"، وانتهب أمواله فجهز صلاح الدين أخاه الملك العادل في جيش كثيف. .

فسار وأوقع بشادي وبدد جمعه وقتله ثم سار فلقي "كنز الدولة" ناحية "طود"، وكانت بينهما حروب فر منها كنز الدولة، بعد ما قتل أكثر عسكره، ثم قتل "كنز الدولة"، وقدم الملك العادل إلى القاهرة في الثامن عشرة من صفر.

وهكذا استطاع صلاح الدين أن يقطع دابر الفتن، وأن يقضي على شراذم البغي والعدوان، ومدبري المكائد والمرامرات، وينطبق عليه بحق قول الشاعر المتنبي:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

وتأتي على قدر الكرام المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها

وتصغر في عين العظيم العظائم

سابعاً: الوسائل التي اتخذها صلاح الدين للقضاء على المذهب والتراث الفاطمي:

ليس من السهل اليسير أن يقتلع مذهب من المذاهب، بمجرد تغيير النظام السياسي في بلد ما من البلاد، إنما يحتاج التغيير إلى سنوات عديدة، وتدابير ليست من تدابير القوة والبطش فحسب، ولذلك فالملاحظ أن صلاح الدين قد استخدم وسائل وأساليب عديدة في سبيل القضاء على الدعوة الفاطمية بمصر، جاءت بعض هذه الأساليب تتسم بالشدة والعنف والحسم الفوري المباشر، والبعض الآخر اتخذ وسيلة الحيلة والتدرج، واستخدام بعضها القوى العسكرية، في حين نهج البعض الأخر سبيل الدعوة والتعليم والإقناع، والاستمالة عن طريق المنشآت الاجتماعية الدينية الخيرية وما يوقف عليها من أوقاف للصرف عليها وإليك بعض هذه الوسائل:

1- إذلال الخليفة الفاطمي العاضد:

بدأ صلاح الدين بإذلال شخص الخليفة الفاطمي العاضد، للقضاء على فكرة " الولاية" التي تبنى عليها جميع النظريات والعقائد الإسماعيلية ويستمد منها الحكام الفاطميون قداستهم، فأرغم الخليفة العاضد على الخروج بنفسه لاستقبال والده نجم الدين أيوب، عند وصوله إلى مصر، رغم ما جرى عليه العرف، وحرصت عليه الرسوم الفاطمية، من استعلاء الخليفة الفاطمي واحتجاجه عن الناس لعدم ابتذاله بكثرة ظهوره أمام الناس ولإكسابه مسحة من القداسة والتعظيم، بل يذكر أبو شامة أن العاضد قد خرج لتلقيه إلى ظاهر باب الفتوح، ولم يجر بذلك عادة لهم، وكان من أعجب يوم شهده الناس، بل اضطر العاضد إلى مخالفة التقاليد والعرف وقواعد ورسوم الدولة، فمنح صلاح الدين ألقاب وزراء السيوف، إذ خلع عليه ولقبه الملك الأفضل، وحمل إله ن القصر الألطاف والتحف والهدايا، ثم ما فتئ صلاح الدين يعمل على الاستهانة بالخليفة وابتذال مكانته الروحية بين أتباعه وأنصار دولته، فأخذ يستولي على موجوداته وممتلكاته الشخصية وخيوله ، بحجة شدة الحاجة إليها في أمور الجهاد، حتى أن الخليفة في آخر الأمر، عرض على صلاح الدين أن يتنازل له عن فرصه الخاص الذي لا يملك غيره، فأجاب صلاح الدين بالاعتذار عن الحاجة، ولا يخفى أن هذا الابتذال المتكرر المتعمد الموجه للخليفة على الاعتزال، وتجنب الظهور في المناسبات العامة، حتى ينساه المصريون.

2- وضعه من مكانة قصر الخلافة الفاطمي:

عمل صلاح الدين على وضع مكانة قصر الخلافة الفاطمية، بأن أسكن فيه أمراء دولته الأكراد، وكان هذا العمل تأكيداً لسقوط الدولة الفاطمية، إذ ظلت الدولة الفاطمية تعرف طوال عصور ازدهارها بالدولة القصرية" نسبة لسكن خلفاء الفواطم لقصور عاصمتهم القاهرة ففي سنة "566ه/1170مط قبض صلاح الدين على القصور الفاطمية وسلمها لمملوكه قواقوش الخادم، ثم أسكنها لجنوده وأهله وأسكن أباه بقصر اللؤلؤة على الخليج، وقد سكن القصور الفاطمية الملك العادل إبان نيابته للسلطات بمصر عن أخيه صلاح الدين.

3- قطع الخطبة الجامعة من الجامع الأزهر، وإبطال تدريس الفكر الفاطمي به:

ما لبث صلاح الدين في سنة "567ه/ 1171م" أن وجه للدعوة الفاطمية بمصر طعنة قاتل، كانت كفيك ولا ريب بالإجهاز عليها، وذلك بقطعه للخطبة الجامعة من الجامع الأزهر الذي اتخذه الفاطميون جامعة لنشر علوم الدعوة الشيعية الإسماعيلية، وذلك بعد أن قلد وظيفة القضاء صدر الدين عبدالملك بن درباس، فعمل بمقتضى مذهبه، وهو امتناع إقامة الخطبتين للجمعة في بلد واحد، كما هو مذهب الإمام الشافعي ، فأبطل الخبطة من الدامع الأزهر، وأقر الخطبة بالجامع الحاكمي من أجل أنه أوسع، فلم يزل الجامع الأزهر معطلاً من غقامة الجمعة فيه مائة عام من ذلك التاريخ، إلى أن أعيدت الخطبة في أيام الملك الظاهر بيبرس، وأيد صلاح الدين هذه الخطوة الجريئة بإزالة الشعائر الشيعية التي أدخلها الفاطميون إلى مصر، واستمرت بها طول عصر دولتهم، من الأذان، وإبان إقامة الصلوات، فأبطل من الأذان قول "حي على خير العمل" واستمر الأذان في مصر على لمذهب السني، ومنع صلاح الدين ما كان قد تعود عليه المؤذنون في العصر الفاطمي، من السلام على الخليفة الفاطمي في الأذان، وأقيمت الخطبة الجامعة بجامع الحاكم على نحو يأخذ الخطيب فيها مأخذ سنياً يجمع فيه الدعاء للصحابة صلى الله رضي الله عنهم، وللتابعين ومن سواهم، ولأمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ولعميه حمزة والعباس رضي الله عنه، ويأتي للخطبة لابساً السواد على رسم العباسية.

ومما لا شك فيه أن قطع الخطبة الجامعة من الجامع الأزهر وما صاحب هذا من تعطيل دراسة مذاهب الشيعة بالأزهر، الذي ظل العصر الفاطمي أضخم مراكز الدعوة الإسماعيلية بمصر في العام، ثم تحويل الأزهر إلى جامعة سنية لتدريس علوم السنة وهو ما استمر عليه الحال حتى اليوم - مع هجرة علماء أهل السنة للتدريس فيه قد أدى إلى نشر علوم السنة بمصر وفي أغلب أرجاء العالم الإسلامي.

4- إتلاف وحرق الكتب الشيعية الإسماعيلية:

عمد صلاح الدين إلى الآلات الملوكية الفاطمية، وكنوز القصر الفاطمي، فعمل على إفسادها وأهدى بعضها إلى نور الدين زنكي، والبعض الآخر إلى الخليفة العباسي، ثم طرح باقيها للبيع، بحيث دام البيع فيها مدة عشر سنين وتنقلت إلى البلاد بأيدي المسافرين الواردين والصادرين، واستولى على كتب الدعوة الإسماعيلية التي احتوت عليها مكتبة القصر الفاطمي فأحرقها وألقاها على جبل المقطم، ثم فرق الكتب غير المذهبية التي صودرت من مكتبة القصر على كبار علماء وأنصار دولته، مثل العماد الأصفهاني والقاضي الفاضل، وأبي شامة الأصفهاني، مما يؤكد أن هدف صلاحالدين كان إحراق كتب الدعوة الشيعية الرافضية فقط، وفي الحقيقة كانت كتب الدعوة الشيعية الإسماعيلية من أهم وسائل التأثير التي يتخذها دعاة الفاطميين للترويج للدعوتهم، وقامت السلطات الأيوبية بإحراق كتب الإسماعيلية، بحيث لم يتبق من كتب الدعوة الإسماعيلية إلا الكتب التي احتفظ بها أنصار الفاطميين باليمن والهند بعد سقوط دولتهم بمصر.

5- ألغى جميع الأعياد المذهبية للفاطميين:

لم يغب عن فكر صلاح الدين، خطورة أثر الأعياد والمآتم والحسينيات المذهبية للشيعة في الترويج لمذهبهم وترسيخ معتقداتهم في نفوس المصريين، فألغى جميع الأعياد المذهبية لفاطميين مما أدى إلى انقراضها من مصر منذ ذلك الوقت، وبدهاء سياسي - ومنطلق عقائدي مبني على محاربة البدع الشيعية الرافضية - تم القضاء على الأعياد المذهبية المخالفة للكتاب والسنة، واستكمالاً لهذه الخطوة، أقدم الأيوبيون على صبغ الأعياد والمواسم الدينية بمصر، بصيغة سنية، بقيت إلى اليوم.

6- محو رسوم الفاطمية وعملاتهم:

واقترن بمحو الرسوم الفاطمية بمصر، إبطال التعامل بالعملات الفاطمية، خاصة وأنها كانت تحمل نقش العقيدة الفاطمية المؤيدة لحقهم في الخلافة "لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله"، كما أنها كانت تحمل أسماء الخلفاء الفاطميين، وصيغ عقائدية فاطمية، كما أن بعضها كانت عملات تذكارية تفرق في المواسم والأعياد المذهبية الشيعية على المقربين، استمالة لهم لعقيدة الدولة. <

صلاح الدين الأيوبي مؤلَّف جديد يضيء شمعة أخرى في الموسوعة التاريخية التي نسعى لإخراجها، وهو امتداد لما سبقه من كتب درست الحروب الصليبية، ويتناول الدكتور/ علي محمد الصلابي في هذا الكتاب صراع المشاريع: المشروع الصليبي، والمشروع الإسلامي، ولخص الحملات الصليبية التي سبقت قيام الدولة الأيوبية، والرصيد الخلقي لصلاح الدين وصفاته، وتوسعه في إنشاء المدارس، ومكانة العلماء والفقهاء عنده ، ثم أفرد المؤلف فصلاً كاملاً لمعركة حطين وفتح بيت المقدس، وأسباب الانتصار في تلك المعركة الفاصلة والحاسمة، ثم الحملة الصليبية الثالثة وردة فعل الغرب الأوروبي من تحرير بيت المقدس والتعبئة الشاملة التي حدثت، وأخيراً وفاة صلاح الدين وتأثر الناس بوفاته حتى المؤرخون الأوروبيون أشادوا بعدله وبقوته وتسامحه واعتبروه أعظم شخصية شهدها عصر الحروب الصليبية قاطبة، وستظل سيرته تمد أبناء المسلمين بالعزائم الصلاحية التي تعيد إلى الحياة روعة الأيام الجميلة الماضية وبهاءها.

ونظراً لأهمية هذا الكتاب وما يحتويه من معلومات تهم القارىء الكريم ونزولاً عند رغبته تعمل أخبار اليوم عن نشره كاملاً في حلقات.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد