يونس الشجاع
* محامي في وزارة الأوقاف والإرشاد
منذ أن بدأت أقترب من العمل السياسي تاقت نفسي لتقلد أحد مراكز صنع القرار في بلادنا، فجعلت أتشوق لصدور قرار أكون فيه واحداً من جملة المعينين في رأس هرم السلطة التنفيذية، فكلما صدر قرار جمهوري بتعيين وزراء جدد ازداد شوق نفسي إلى أن أكون من ضمن من شملهم قرار التعيين الرئاسي، كل ذلك بدافع الرهان الذي كان ينتابني أن آه لو صرت من جملة صانعي القرار لفعلت كذا .. وكذا، وعجلت بالدفع بعجلة التنمية في زمن قياسي قلَّ من يستطيع ذلك، حتى صدر القرار الجمهوري رقم "..." بتاريخ ".. /:/ 2000م" والذي كنت واحداً ممن أدى القسم الدستوري أمام فخامة الأخ/ رئيس الجمهورية بأن أكون متمسكاً بكتاب الله وسنة رسوله ملتزماً بالدستور والقوانين النافذة و.. و.. إلخ، بعد ذلك قمت بلملمة أوراقي وترتيب أوضاعي للاستعداد لدخول معترك تنفيذ البرامج الراكدة التي من كانوا يوماً من الأيام مسؤولين عن تحريكها - كانوا هم سبب عرقلتها أو بالأحرى سبب ديمومة ركودها، والآن أصبحت أنا المسؤول عن إخراجها إلى حيز التنفيذ وجعلها ترى النور بعد ليالٍ وأيام مرت عليها وهي قابعة في أدراج النسيان، خصوصاً وقد تحققت اللحظة التي لطالما تطلعت نفسي كثيراً لأن تكون حقيقة على أرض الواقع، وأصبح في مركز أستطيع فيه خدمة الصالح العام، فبدأت بتدشين أولى خطواتي مستعيناً بالله في تنفيذ المهام التي أوكل إلي تنفيذها، وقمت بعقد اجتماع مع من بيدهم الحل والعقد في الوزارة من وكلاء ومدراء عموم وغيرهم لمناقشة التراكمات التي أكل عليها الدهر وشرب، وما زالت تنتظر من يزيح عنها غبار الرياح والأعاصير الداخلة من النوافذ التي لم يعمل من أوكلت إليهم مهمة الإغلاق على إغلاقها، وأكدت لمن اجتمعت معهم ممن بيدهم القرار سالفي الذكر ضرورة انتشال الوزارة مما هي فيه من خلال تكاتف الجهود والعمل بروح الفريق الواحد، متيقناً في قرارة نفسي أن الصعوبات والعراقيل واردة مهما كان حجم الجهد المبذول لتجاوزها، إلا أنني لم أكن واضعاً في مخيلتي أن تلك الصعوبات والعراقيل ستفوق حجم التصور، وتخرج عن دائرة اللامعقول، وأنها ستكون يوماً من الأيام فارضة نفسها بقوة تجعل كل من يحاول أو حتى من تسول له نفسه ولو التفكير بإزاحة ركام الليالي السوداوية العاجة ببراثن الفساد القابع في أروقة الوزارة ودهاليزها وأدراجها - تجعله يتمنى أن لو كان "ألبوم" أحلامه وصدور قرار تعيينه أضغاث أحلام خيالية تحقيقها على أرض الواقع إن لم يكن مستحيلاً، فهو في خانة المستبعدات والاحتمالات التي بالكاد أن تتحقق.
ومع تلك الصعوبات والعراقيل الخارجة عن نطاق المنطق ودائرة اللامعقول أصبحت مجبراً على مراجعة أوراقي رغم ضغوطات الحياة المأزومة بكثير من شحنات الأزمات المفتعلة ممن لا همَّ لهم سوى إشباع رغباتهم الشخصية وتغليبها على المصلحة العليا للوطن، كل ذلك لم يمنعني من تذكر قسمي الدستوري الذي عاهدت الله فيه أن أظل محافظاً على النظام والوحدة والجمهورية، والمضي قدماً في تنفيذ مصفوفة الإصلاحات وبرنامج القيادة السياسية وانتشال أوكار الفساد وإغلاق نوافذه الذي كلي عزيمة وإصراراً على إغلاقها، وتجفيف منابعه، ولكن باستراتيجية تحمل في مارثون سرعتها زمناً أكثر مما تصورته مخيلتي، كي أكون بحجم الثقة التي أولتني إياها القيادة السياسية مهما أبى عشاق الفساد ترك من همهم التسريع بعجلة التنمية أن يعجلوا بلحظة ميلادها، ويرتقون بدولتهم إلى مصافي الدول الأكثر تقدماً وإزدهاراً.
"تنويه"
ما سبق من حشو ألفاظي وعك إنشائي عبارة عن قصة واقعية بطلها أحد الوطنيين الشرفاء الذين أثبتوا جدارتهم بمقارعة الفساد وشل حركته تدريجياً.. تم صياغتها وحياكتها في بضع سطور تحكي خسارة رهانات من يعتقد أنه لو اعتلى مركزاً من مراكز صنع القرار فسيكون الحظ حليفه للتغيير، وإن وجدت صعوبات وعراقيل فهي عبارة عن روتوشات من السهل تجاوزها وجعلها في مهب الريح، والتي هي ربما من ستجعله في مهب الريح، ويقول بدلاً من "ماذا لو كنت وزيراً" "ماذا لو لم أكن وزيراً"، ما لم يكن من الهامات الوطنية السالفة الذكر التي شعارها دائماً وأبداً "معاً من أجل وطنٍ خالٍ من الفساد".
