المؤلف/ علي محمد الصلابي
قمصت قوامصهم رداء من ردى
وقرنت رأس برنسهم بسنان
وملكت رق ملوكهم وتركتهم
بالذل في الأقياد والأسجان
وجعلت في أعناقهم أغلالهم
وسحبتهم هوناً على الآذقان
إذ في السوابغ تحطم السمر القنا
والبيض تخضب بالنجيع القاني
وعلى غناء المشرفية في الطلى
والهام رقص عوالي المران
وكأن بين النقع لمع حديدها
نار تألق من خلال دخان
في مأزق ورد الوريد مكفل
فيه بري الصارم الظمآن
غطى العجاج به نجوم سمائه
لتنوب عنها أنجم الخرصان
أو ما كفاهم ذاك حتى عاودوا
طرق الضلال ومركب الطغيان
ومنها:
وجلوت نور الدين ظلمة كفرهم
لما أتيت بواضح البرهان
وهزمتهم بالرأي قبل لقائهم
والرأي قبل شجاعة الشجعان
أصبحت للإسلام ركناً ثابتاً
والكفر منك مضعضع الأركان
قوضت أساس الضلال بعزمك
الماضي وشدت مباني الإيمان
قل أين مثلك في الملوك مجاهد
لله في سر وفي إعلان
لم تلقهم ثقة بقوة شوكة
لكن وثقت بنصرة الرحمن
ما زال عزمك مستقلاً بالذي
لايستقل بثقله الثقلان
وبلغت بالتأييد أقصى مبلغ
ما كان في وسع ولا إمكان
دانت لك الدنيا فقاصيها إذا
حققته لنفاذ أمرك داني
فمن العراق إلى الشام إلى ذرا
مصر إلى قوص إلى أسوان
لم تله عن باقي البلاد وإنما
ألهاك فرض الغزو عن همذان
للروم والإفرنج منك مصائب
بالترك والأكراد والعربان
أذعنت لله المهيمن إذ عنت
لك أوجه الأملاك بالإذغان
أنت الذي دون الملوك وجدته
ملان من عرف ومن عرفان
في بأس عمرو في بسالة حيدر
في نطق قسى في تقى سلمان
سر لو أن الوحي ينزل أنزلت
في شأنها سورّ من القرآن
فاسلم طويل المعمر ممتد المدى
صافي الحياة مخلد السلطان
أ - ضم المغرب الأدنى:
عمل صلاح الدين على تحصين إنجازاته التي حققها في مصر وذلك بتأمين حدود بلاده حتى لا يؤخذ على غزة، وأسفرت جهوده عن ضم المغرب الأدنى، فقد كانت شمال إفريقة مرتبطة عضوياً بمصر منذ الفتوحات الإسلامية الأولى، فكان من الطبيعي أن تتجه أنظار صلاح الدين إلى ضم بلدانها للاستفادة من ثرواتها من جهة، وبفضل موقعها الجيد في حماية حدود مصر الغربية من جهة أخرى، ففي عام "568ه/ 1173م" أرسل صلاح الدين قوة عسكرية إلى المغرب الأدنى بقيادة شرف الدين قراقوش، غلام المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، فدخل طرابلس وبرقة وبعض بلاد المغرب الأدنى حتى قابس، باستثناء المهدية وسفاقس، وقفصة، وتونس.
ب - ضم اليمن:
يدخل ضم اليمن المخطط النوري الهادف إلى توحيد جبهة إسلامية واحدة لمقاومة الغزو الصليبي،وقد حققت سياسة صلاح الدين في ضم اليمن إلى:
أ - التضييق على أنصار الفاطميين وبخاصة أن والي اليمن عبد النبي بن مهدي كان رافضياً ينتمي إلى خليفة مصر الفاطمي.
ب - استطاع صلاح الدين تأمين حدود مصر الجنوبية، لأن ضم اليمن، الذي يعد مفتاح البحر الأحمر من ناحية الجنوب، ويؤمن له السيطرة العسكرية والتجارية على الأقاليم الجنوبية ويبعد احتمال حدوث تقارب بين الصليبيين الذين يتطلعون للسيطرة على البحر الأحمر وبين الحبشة التي تدين بالديانة النصرانية، حتى لا يقع بين فكي الكماشة الصليبية على وسواحل البحر المتوسط في المشال ، الأحباش على سواحل البحر الأحمر في الجنوب.
ت - كانت اليمن آنذاك تمر بمرحلة عدم استقرار تتنازعها الأهواء السياسية والدينية والمذهبية وبخاصة بين زبيد وصنعاء، كما ظهر دعي زعم أنه المهدي المنتظر هو عبد النبي بن مهدي وتغلب على اليمن ن وخطب لنفسه بعد أن قطع الخطبة للعباسيين، وتسمى بالإمام، وبنى على قبر أبيه قبة عظيمة، وأمر أهل اليمن بالحج إليها ومنعهم من الحج إلى مكة.
ث - أراد صلاح الدين وضع حد لهذه التجاوزات والمساوئ التي تهدد وحدة المسلمين وبخاصة بعد أن أرسل إليه أهل اليمن يستنجدون به لإنقاذهم.
ومهما يكن من أمر، فقد: وجه صلاح الدين سرية بقيادة أخيه الأكبر شمس الدولة توران شاه الذي ورد مكة فاعتمر بها وسار منها إلى زبيد، فامتلكها، كما سار إلى عدن وامتلكها ومنع الجيش من نهبها وقال: "ما جئنا لنخرب البلاد، وإنما جئنا لعمارتها وملكها"، ثم سار إلى بقية الحصون والمخالف والمعاقل فملكها، واستوثق له ملك اليمن بحذافيره وخطب للخليفة العباسي.
وقتل الدعي المسمى بعبد النبي، وصفت اليمن من أكدارها، وعادت إلى ما سبق من مضمارها، وكتب شمس الدولة إلى أخيه الملك الناصر صلاح الدين يخبره بما فتح الله عليه وأحسن إليه، فكتب الملك صلاح الدني بذلك إلى نور الدين، فأرسل نور الدين إلى الخليفة يبشره بفتح اليمن والخطبة بها له.
ج - فتح بلاد النوبة:
وكانت النوبة مملكة نصرانية عاصمتها مدينة دنقلة تقع في أعالي النيل، وتربطها بمصر روابط متينة بشكل عام منذ الفتح الإسلامي، ولما قامت الدولة الأيوبية في مصر أراد صلاح الدين فتح بلاد الةوبة لحماية مصر من التعدي عليها من ناحية الجنوب، وأرسل أخاه تورانشاه في شهر جمادى الآخرة عام "568ه/ شهر كانون الثاني عام 1173م" إلى بلاد النوبة، ففتح إبريم، وسبى وغنم، ثم عاد إلى قوص، ودخل الإسلام إلى أماكن لم تطرقها سنابك خيل المسلمين من قبل، وعين إبراهيم الكردي واليآ عليها، وكان هذا الفتح سبباًَ في إزالة الحواجز التي كانت تؤول دون انتشار الإسلام فيها.
تاسعاً: حقيقة الوحشة بين صلاح الدين ونور الدين:
تحدث المؤرخون عن علاقة نور الدين بصلاح الدين، فقد روى ابن الأثير وذكر أبو شامة نقلاً عن ابن أبي طيئ أسباب الوحشة بين نور الدين وصلاح الدين التي ابتدأت سنة "سبع وستين وخمسمائة، وذلك عندما اتفقا على حصار الكرك ورجع صلاح الدين إلى مصر، قبل أن يلتقي بنور الدين وأخذ عن ابن الأثير وابن أبي طيئ عدد من المؤرخين، وتبعهم بعض المؤلفين المعاصرين دون تمحيص، وغالوا في تعليلاتهم وتفسيراتهم لأسباب الوحشة ونتائجها، فوصفوا العلاقة بين نور الدين وصلاح الدين وكأنها علاقة عدائية، ومن ذلك أن كل واحد منهما يخاف صاحبه وأن صلاح الدين أصبح يعسى للتخلص من سيادة نور الدين ويحبذ أن تظل منطقة الكرك فاصلاً بينه وبين نور الدين، ونور الدين فكر في انه أخطأ في إنفاذ أسد الدين وصلاح الدين إلى مصر ووصف نور الدين بأنه خصم خطير لصلاح الدين وما إلى ذلك ، وهذا التصورات الباطلة لا أصل لها إلا عند ابن طيئ وابن الأثير:
فأما ابن أبي طيئ:
فقد حاول بما أتقنه من الدس والكذب أن يطعن في العلاقة بين الرجلين وهو متهم فيما ينسبه إلى نور الدين مما لا يليق به، فإن نور الدين كان قد أذلَّ فنفاه من حلب ولذلك نجد أن ابن أبي طيئ كثير التحامل على نور الدين ويحاول أن يلطخ العلاقة بين الرجلين العظيمين بأكاذيبه.
وأما إبن الأثير:
فهو منهم فيما يكتبه عن صلاح الدين، فهو يلتمس المناسبات أحياناً لنقد صلاح الدين وتجريحه وخاصة عند المقارنة بينه وبين نور الدين، فمؤرخ البيت الزنكي في كتابيه " الكامل في التاريخ" و"الباهر في تاريخ الدولة الأتابكية" قد ذكر الآراء في كتابيه والتي نقلها عنه عدد من المؤرخين، وفحواها أن صلاح الدين لم يكن وفياً لأستاذه نور الدين، بل كان يجتهد منذ استقرار نفوذه في مصر إلى الاستقلال عنه، ومزاحمته السيادة السياسية ببلاد الشام، فكل هذه الآراء كتبها ابن الأثير بعد وفاة صلاح الدين، واضطرار صلاح الدين إلى الخروج على رأس عساكره إلى بلاد الشام، وضم ممتلكات أستاذه نور الدين بها إلى ممتلكاته بمصر إذ أن خروج صلاح الدين إلى الشام كان من أجل إعادة الجبهة الإسلامية الموحدة، التي كان عماد الدين زنكي ثم ابنه نور الدين قد أجهدا نفسيهما طويلاً في تكوينها، وكانت بعد وفاة نور الدين على وشك أن تنفصم، وترجع الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاً من سوء وتشرذم وضعف، بعد انقسام البيت الزنكي، حزب في دمشق وحزب في حلب، ولم يستطع ابنه الطفل الصالح إسماعيل إعادة توحيد مملكة والده، ولقد كت صلاح الدين إلى الخليفة العباسي، وإلى ابن نور الدين يخبره أن خروجه للشام، هو لتوحيد كلمة المسلمين ضد الفرنج، وأغلب الظن أن هذه الاقوال التي رددها ابن الأثير، ونقلها عنه بعض المؤرخين بخصوص عدم ولاء صلاح الدين للبيبت الزنكي، والروايات التي قيلت حول هذا الموضوع، قد صاغها المؤرخون وعلى رأسهم ابن الأثير لتعليل مسلك صلاح الدين بعد وفاة نور الدين وكان وراءها ولاء ابن الأثير للبيت الزنكي، ثم عدم تعاطفه مع صلاح الدين، الذي قضى على هذا البيت وممتلكاته من ناحية أخرى، خاصة وقد لاحظ المؤرخون المحدثون أن ابن الأثير قد تحامل على صلاح الدين في تاريخه الكامل والباهر، وتلمس له مواضع الزلل، وأسبابا الخطأ.
وفي الحقيقة أن صلاح الدين كان نعم الجندي في السمع والطاعة لقائده نور الدين زنكي وإليك الأدلة على ذلك:
1- قال العماد الأصفهاني:
إن صلاح الدين كان: لا يخرج عن أمر نور الدين، ويعمل له عمل القوي الأمين ويرجع في جميع مصالحه إلى رأيه المتين.
صلاح الدين الأيوبي مؤلَّف جديد يضيء شمعة أخرى في الموسوعة التاريخية التي نسعى لإخراجها، وهو امتداد لما سبقه من كتب درست الحروب الصليبية، ويتناول الدكتور/ علي محمد الصلابي في هذا الكتاب صراع المشاريع: المشروع الصليبي، والمشروع الإسلامي، ولخص الحملات الصليبية التي سبقت قيام الدولة الأيوبية، والرصيد الخلقي لصلاح الدين وصفاته، وتوسعه في إنشاء المدارس، ومكانة العلماء والفقهاء عنده ، ثم أفرد المؤلف فصلاً كاملاً لمعركة حطين وفتح بيت المقدس، وأسباب الانتصار في تلك المعركة الفاصلة والحاسمة، ثم الحملة الصليبية الثالثة وردة فعل الغرب الأوروبي من تحرير بيت المقدس والتعبئة الشاملة التي حدثت، وأخيراً وفاة صلاح الدين وتأثر الناس بوفاته حتى المؤرخون الأوروبيون أشادوا بعدله وبقوته وتسامحه واعتبروه أعظم شخصية شهدها عصر الحروب الصليبية قاطبة، وستظل سيرته تمد أبناء المسلمين بالعزائم الصلاحية التي تعيد إلى الحياة روعة الأيام الجميلة الماضية وبهاءها.
ونظراً لأهمية هذا الكتاب وما يحتويه من معلومات تهم القارىء الكريم ونزولاً عند رغبته تعمل أخبار اليوم عن نشره كاملاً في حلقات.