د/محمد أحمد عبدالله الزهيري
الأزمة المالية العالمية المفاجأة التي ضربت العالم كشفت هشاشة النظام الرأسمالي القائم على الربا، وأنه بناء ضعيف لا يقوم على ثوابت وأصول صحيحة مستمدة من منهج خبير عليم بما يصلح الإنسان وما يفسده وما يضره وما ينفعه، إنما هو قائم على أهواء وآراء بشرية قاصرة مخالفة منحرفة، فكان هذا السقوط المدوي الذي هو جزء مما توعد الله من حرب للمرايين في قوله تعالى: "فأذنوا بحرب من الله ورسوله..."، وقد سارعت التصريحات من أصحابها بعد أن استحى الانهزاميون المولعون بثقافة الغالب في بيان مميزات الإسلام المنهج الرباني الذي هو الصراط المستقيم والطريق القويم كما وصفه الله تعالى في سورة الملك فقال: "أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم، فجاءت التصريحات من الماليين المتخصصين من الغرب لتعلن أن سبب المشكلة هو تراكمات قرنين من الربا، وصدق الله القائل: "يمحق الله الربا ويربي الصدقات"، ويسارع مجلس الشيوخ الفرنسي إلى الدعوة إلى تطبيق النظام المصرفي الإسلامي الذي يقوم على خمسة أسس هي: تحريم الربا، تحريم بيع الغرر والميسر، تحريم التعامل في الأمور المحرمة شرعاً: الخمر والزنا، تقاسم الربح والخسارة، تحريم الفوارق إلا بشروط؛ لأن المجلس رأى أن النظام المصرفي الذي يعتمد على قواعد مستمدة من الشريعة الإسلامية مريح للجميع مسلمين وغير مسلمين: "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.."، وتأتي هذه الأزمة التي لا يعلم إلا الله أين تنتهي بعد سلسلة من الأحداث المعبرة التي تحتاج إلى الوقوف عندها وأخذ العظة والعبرة، ومن هذه الأحداث أزمة النمور الأسيوية التي حولتها إلى قطط أليفة جعلت مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا يصرح بأننا خسرنا في ليلة ما بنيناه في ربع قرن، وأزمة الأسهم والأسواق التي أفلست فيها الكثير من الشركات والأفراد الذين تحولوا في ليلة وضحاها إلى معدمين، وقبل فترة يبشرنا أساطيل المال والأعمال الذين اجتمعوا في نيويورك بأن أربعة أخماس العالم سيتحولون إلى فقراء، وأن خمس العالم بعد فتح الأسواق وتوقف السلع هم الذين سيملكون الثروة وصدق الله إذ يقول: "الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم"، مع وضوح فشل النظام الرأسمالي الربوي الذي يبشرنا كل يوم بكارثة اقتصادية فإنهم مع ذلك يتاجرون بالدعارة والجنس وثقافة السطح، ولا حل لكل مشكلات العالم ومنها المشكلات الاقتصادية ومشكلات الفقر إلا الإسلام وإصلاح العلاقة مع الله، فالإسلام قد حل مشكلة الفقر في زمن قياسي تغيرت له حالة العرب من عالة حفاة عراة فقراء إلى أغنياء أثرياء يخرج الرجل بزكاته إلى أطراف العالم الإسلامي لا يجد من يأخذها، وقد يعزو البعض هذا إلى سياسة عمر بن عبدالعزيز وينسون أن هذا يعزى إلى الإسلام الذي مثل عمر أحد نماذجه، وتراكمت الحلول الإسلامية منذ عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما يبدو في قوله للأنصار بعد غزوة حنين: "ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي.."، وفي عهد الخلفاء الراشدين كما يبدو في قول عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: "نخشى أن تكون قد عجلت لنا طيباتنا في الحياة الدنيا.."، والتاريخ يشهد أن أي دولة سنية تحكم بالإسلام إلا أنعم الله عليها بالغنى والخيرات، وصدق الله القائل: "واستغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا"، فهل يعي المسلمون دورهم في تقديم النموذج الإسلامي الإلهي لحل مشكلات العالم في وقت أفلست فيه المناهج البشرية وتعالت الأصوات بالبحث عن المنهج البديل؟!<