عبد الباسط الشميري
abast 66 @ maktoob. com
كانت اليمن قضية العرب الشائكة وحتى سبعينيات القرن الماضي، وفي أحد الكتب الذي يتحدث عن ثورة اليمن واشكاليات الأحرار مع الإمامة مؤلفه محمد أحمد نعمان والذي صدم كما نحن اليوم بجهل بعضنا لتاريخ وطنه حيث قال: لكم كان قاسياً على نفسي وأنا في "أركويت" بالسودان أثناء مباحثات اللجنة التحضيرية، أن أشهد اثنين من العرب أحدهما من الجمهورية العربية المتحدة والثاني من المملكة العربية السعودية، وهما يسردان لنا نحن اليمنيين أسماء المناطق اليمنية وأقسامها الإدارية والقبلية، وذلك ليصححا البيانات لنا نحن اليمنيين وفينا شيخ القبيلة والضابط والسياسي والدبلوماسي.
لقد تهولت يومها بيني وبين نفسي مدى الجهل الفظيع الذي نجهل به بلادنا ونجهل به بعضنا بعضاً بسبب التقاطع والتدابر والتناحر الذي عشناه ولا تزال حياتنا حتى اليوم منفعلة به واستعدت في ذاكرتي الماضي الذي عاشته اليمن خلال ألف عام فازددت يقيناً واستمساكاً بدلالات "الأطراف المعنية"، ففي اليمن تواريخ لا تاريخ خلال هذه الحقبة من الزمن ولها إلى حد كبير ارتباطات جغرافية واقتصادية بالطبع ما تزال آثارها قائمة حتى اليوم بأشكال جديدة وتحت أسماء غير الأسماء القديمة، وحسبنا أن نستطرد هنا وبشكل سريع أسماء الدويلات التي نشأت في اليمن خلال هذه الفترة لندرك عمق هذا التمزق في تاريخ اليمن ولم يقف عند هذا الحد النعمان بل يواصل فيقول: "لقد أقر النبي محمد صلى الله عليه وسلم الحاكم الفارسي الذي سيطر على اليمن، فلما توفي باذان عام حجة الوداع عين النبي صلى الله عليه وسلم ابن باذان حاكماً على صنعاء وعين معه عشرة عمال لبقية أنحاء اليمن، وكان أغلب الحكام أو جميعهم على الأصح منتدبين من الحجاز وبحسب القاعدة كانت الضرائب تجبى إلى العاصمة الإسلامية وليس إلى العاصمة اليمنية إذ ليس هناك عاصمة ولما أراد اليمنيون أن يحتفظوا بزكاة أغنياء اليمن لتصرف على فقرائها، وأن يقيموا حكماً ذاتياً يطبقون فيه شريعة الإسلام على أنفسهم ما دام الإسلام لم يقض على العصبية الجاهلية ويؤاخي بين المسلمين حتى يتساووا في ظله في احتلال مراكز القيادة وإدارة دفة الدولة ووجهت هذه الإرادة حسب قول النعمان بحملة عنيفة قاسية وصور الداعون لها مرتدين عن الإسلام وتحت هذه الدعوى العريضة أثيرت الحرب على عبهلة بن قيس الملقب ب "الأسود العنسي"، ولو حق باللعنات حتى اليوم رغم أنه حدد قضيته بقوله: "نحبس فضول أموالنا في أرضنا نأخذها من أغنيائنا ونوزعها على فقرائنا"، وبعد إخماد حركة عبهلة بن قيس واغتيال سعد بن عبادة الذي لم يقبل بالمنطق العشائري الذي جاء في يوم السقيفة، إذ اعتبر النسب القرشي والقرب من الرسول صلى الله عليه وسلم أساساً للولاية في الدولة انتهج الخلفاء القرشيون في صدر الإسلام أو في ظل الأمويين والعباسيين سياسة متعصبة ضد اليمنيين هادفة لامتصاص الطاقات البشرية فيها وانتزاعها من أرضها ولذلك كانت اليمن المعين الذي لا ينضب للجيوش العربية التي نشرت الإسلام بالقوة خارج الجزيرة العربية، فلم يبق خلال الفتوحات الإسلامية من أهل اليمن إلا المرتبطون بالأرض يفلحونها ويقدمون زكاتها للولاة ليبعثونها إلى المدينة أو دمشق أو بغداد.
واستمر الحال على هذا حتى أيام المأمون بن هارون الرشيد الذي بعث والياً على اليمن سنورد تفاصيل ذلك في عددنا القادم إن شاء الله.