كروان عبد الهادي الشرجبي
الحياة كالبحر الثائر دائماً نعبره بقارب من الصبر ومجدافين من الأمل والحب، وإن الاجتهاد والصبر هما وحدهما طريق النجاح.
هذه العبارة كانت ترددها دائماً إحدى مدرساتي.
هكذا... فأنا بالأمس القريب كنت طفله أذهب إلى المدرسة وأقصى طموحاتي هو أن انجح في المدرسة ثم تمر الأيام وأكبر فتكبر معي أحلامي وترتفع طموحاتي بلا حدود وأعيش في عالم من الخيال والرومانسية عالم ليس له وجود إلا في خيالي أنا فقط ... لكني استمتع بعالمي الخاص دون أن يشاركني فيه أحد.
ثم تمر الأيام فالتحق بالجامعة لكي أرى الحياة بمفهوم آخر مختلف وأظل أحلم وأتمنى دوماً فأمنياتي وأحلامي لا تنتهي أبداً بعضها قد تحقق وبعضها الآخر لم يتحقق لكني لم أتوقف عن الأحلام والأمنيات الجميلة، وعندما أشعر بقسوة العالم الذي أعيش فيه أهرب فوراً إلى عالمي الخاص الذي نسجته أنا من وحي خيالي أعيش فيه لحظات قليلة لكنها تكون لحظات جميلة اتنفس فيها هواء نقياً وأشاهد نفسي على حقيقتها بدون أي تجميل أحاسبها أحياناً وأكافئها في أحيان أخرى.
ثم أعود مرة أخرى إلى العالم الحقيقي لكي أحاول من جديد أن أحيا وأعيش فليها دون أن يصيبنا ضرر من الآخرين.
وأتذكر دائماً عبارة مدرستي التي بدأت بها مقالي هذا، لأنها تركت بداخلي أكبر الأثر، فرغم من بساطة العبارة إلا أن معناها عميق، فكلما أزداد عمري سنة تزداد خبراتي سنوات كثيرة وأدرك يوماً بعد يوم معنى الحياة ويأتي يوم جديد لا أعرف فيه شيئاً جديداً قد يغير أو يضيف على خبراتي التي مازالت قليله، وأشعر كل يوم بقيمة هذه العبارة التي كثيراً ما أحاول بكل جهد تطبيقها في حياتي وأحاول جاهدةً أن أحدث بعض التغيير حتى لو كان بسيطاً في محيط علاقاتي وأصدقائي.
وكلما نظرت إلى الحياة أجدها بسيطة ولا تحتاج منا إلى كل التعقيد والجري واللهث وراء بعض الأشياء الزائفة التي نجدها في آخر الأمر سراباً ووهماً.
يستوقفني كثيراً حجم الصراعات بين الناس وبين الأهل، والأخوة أشعر أحياناً بالخوف الذي قد يصل إلى حد الهلع عندما أنظر من حولي في محاولة للبحث عن بعض القيم التي أوشكت على التلاشي، أبحث عن الحب فأجده يكاد يختنق ولا يجد من يعطيه فرصة للتنفس، وأبحث عن الصدق والإخلاص فأجد هما على وشك الرحيل ليحل محلهما الغدر والنفاق، وأبحث عن الضحكة الصادقة الصافية الخالية من الكذب، وابحث عن الخير في كل مكان ولا أجده إلا في عين أمي حيث الفطرة الجميلة التي لم تتلوث أو تتأثر بعوامل الحياة التي استجدت علينا، فهي عندما تبتسم تعني بالفعل الابتسامة من الداخل قبل الخارج، وعندما تغضب وتظهر غضبها فهكذا يكون حقيقة ما تشعر به بلا تزييف ولا نفاق.
أبحث وأبحث عن أشياء كثيرة سقطت منا سهواً وأصبحنا نعتبرها من عبارات الزمن الماضي، وعندما أشعر بالتعب والإرهاق أذهب على الفور إلى عالمي الخاص الذي أدعو إليه الجميع، لنأخذ راحة نتوقف فيها عن التفكير المستمر في ماديات الحياة والجري وراء أشياء زائفة وليعطي كل منا لنفسه فرصة لكي يتعرف فيها على حقيقتها وعلى المعنى الحقيقي للحياة.<