ممدوح طه
تزايدت الدعوات العالمية لضرورة مشاركة دول العالم في وضع قواعد نظام اقتصادي عالمي جديد متعدد الأقطاب وبغير هيمنة لقطب واحد، ويضع الحلول لمعالجة الأزمة المالية العالمية الحالية، والتي هي في أصلها أزمة الرأسمالية الأميركية.
لأن تركها للإدارة الأميركية وحدها أمر غير مأمون، وهى التي أنتجت بسوء إدارتها المالية وسوء سياستها الاقتصادية تلك الأزمة التي هزت بنسب متفاوتة الجهاز المصرفي العالمي كله خاصة الأكثر تبعية للاقتصاد الأميركي..
عالمية الحلول التي دعا إليها الرئيس الفرنسي ساركوزي على أساس من رأسمالية مقننة، وعدالة ومسؤولية النظام الجديد بغير هيمنة التي دعا إليها الرئيس الروسي ميدفيديف، تفرضها طبيعة التأثير الاقتصادي المهيمن للقطب الأميركي على الاقتصاد العالمي، باعتبار أن حجم الاقتصاد الأميركي يمثل 40% من حجم الاقتصاد العالمي، وإذا عطس أصاب العالم بالزكام!
وبالرغم من محاولة البعض الفصل الكامل بين النظام المالي والنظام الاقتصادي بالقول نعم هناك أزمة خطيرة في النظام المصرفي لكن النظام الاقتصادي قوي، فلا يمكن إنكار آثار انهيار النظام المالي السلبية على مجمل النظام الاقتصادي بل والاجتماعي الأميركي وبالتالي العالمي، باعتبار أن الجهاز المالي هو الشرايين التي تضخ المال في البنيان الاقتصادي المتصل بالاجتماعي.
والتي إذا انسدت أو نضبت فيها السيولة المالية أصيب القلب والعقل الاقتصادي في هذا البنيان بالشلل.. وبالرغم من حاجة العالم إلى قمة عالمية لا يلوح لنا أنها ستنعقد لبحث كيفية مواجهة آثار أزمة النظام الرأسمالي القديم ووضع أسس النظام العالمي الجديد، ومن مطالبة مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين الرئيس بوش بالدعوة إلى قمة للدول الثماني الكبرى.
فلقد تنادى زعماء غربيون سابقون لستة بلدان كبرى هم الرئيس الأميركي بيل كلينتون، والبرازيلي فرناندو كاردوسو، ورؤساء حكومات مثل البريطاني توني بلير، والفرنسي ليونيل جوسبان، والألماني جيرهارد شرودر، والإيطالي ماسيمو داليما لعقد لقاء تشاوري في إيطاليا قبل أيام لاستعراض تجاربهم الوطنية المختلفة للتوصل إلى حلول مشتركة لتغيير المجتمع، تحت شعار «الاقتصاد الجديد: فرص متساوية».
وفيما رأى «شرودر» أن «النموذج الاشتراكي الديمقراطي الأوروبي لم يتجاوزه الزمن»، مستعرضا المثال الألماني الذي جمع بين «ديمقراطية حيوية اقتصادية وضمانات اجتماعية»،ختم قائلا: «يجدر إعادة هيكلة النظام العام، وعلى المواطن أن يستثمر ليصبح منتجا، محذرا من التخلي عن مبادئ الدولة الاجتماعية»..
عرض «كلينتون «ثلاثة اقتراحات، تتمثل في تخصيص المزيد من الاستثمارات للتربية والتعليم، ولتمويل برامج خاصة للفئات الاجتماعية الفقيرة، ولإلغاء الفجوة التكنولوجية في مجال الإنترنت، مشددا على أهمية التربية والتكنولوجيات الحديثة من أجل تنمية عادلة ومتساوية.
بينما استبعد «داليما» فكرة «قدرة الدول على البقاء بمنأى عن التغييرات الضرورية». داعيا إلى دور للسياسة في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، قائلا: «يجب ألا نترك مسألة حل المشاكل لضرورات السوق فقط». واعتبر «جوسبان» أن «واقعية الاقتصاد الجديد لا تلغي التاريخ، ويجدر ألا تغرق الدول الديمقراطية في الأزمات، مطالبا ب«التنبه إلى نتائج الرأسمالية التي ستؤدي إلى الاحتكار».
لكن الرئيس البرازيلي الذي يمثل الدول النامية دعا إلى ضرورة وجود نظرة تقدمية على المستوى الدولي تصحح «تناقضات» النظام العالمي الحالي. .. وهذا يؤكد خلل النظام الرأسمالي الأميركي العولمي الحالي، وتطلع العالم إلى نظام عالمي اقتصادي واجتماعي جديد أكثر عدالة وإنسانية ومسؤولية.<