احمد عمرابي
من قال إن «الدولة» في نظام اقتصاد السوق (الاسم الحديث للرأسمالية المعاصرة) لا تتدخل في حركة الاقتصاد الوطني؟ إنها تتدخل وبقوة كما تفعل إدارة بوش الآن على خلفية الكارثة المالية العظمى الراهنة في الولايات المتحدة. ولا ينبغي أن يفهم من ذلك أن الدولة في النظام الرأسمالي لا تتدخل إلا في حالة طوارئ.
فالدولة في نظام اقتصاد السوق الحرة لها دور معلوم ومحدد تتحرك بموجبه على مدى أيام السنة كلها. لكنه دور يقصد به حماية مصالح الشركات والمؤسسات الرأسمالية الكبرى ذات الطبيعة الاحتكارية أو شبه الاحتكارية، وليس مصالح عشرات الملايين من جمهرة المستهلكين ذوي الدخل المحدود. هذا هو ما نراه الآن بالعين المجردة. فالهدف من حالة الاستنفار التي تلبست إدارة بوش محصور في كيفية إنقاذ بنوك كبرى وما يماثلها من مؤسسات مالية خاصة كشركات التأمين العظمى وليس جموع صغار العملاء المثقلين بديون بطاقات الائتمان ومن بينهم الملايين الذين يفقدون ملكية منازلهم بسبب العجز عن مواصلة السداد بالفوائد المركبة. دور جهاز الدولة في نظام اقتصاد السوق ليس اقتصادياً بمعنى التخطيط الاقتصادي المركزي على المستوى الوطني العام. إنه دور تشريعي حصراً، فالأولوية العليا لأجهزة مؤسسة السلطة في هذه الحالة هي العمل على إصدار تشريعات لمساعدة الشركات والمؤسسات الكبرى الخاصة في تعظيم الربح على حساب القاعدة الجماهيرية للمستهلكين.
وعلى هذا النحو تحرص السلطة على خفض الضرائب على الأرباح التجارية مع رفع الضرائب المفروضة على جمهرة ذوي الدخول المحدودة. في هذه الأثناء تظل الدولة مبتعدة تماماً عن حركة الاقتصاد على أساس مبدأ حرية السوق كقاعدة ثابتة ومقدسة لا يجوز المساس بها. الآن ومن خلال الكارثة المالية الراهنة انكشف سوء نظام اقتصاد السوق كما يجمع الاقتصاديون العالميون. لكن هذه الكارثة على عظمها ليست سوى مقدمة لما هو آت على الطريق. رويداً سوف تعكس المشاهد القادمة أن انهيار بورصات الأسهم وإفلاس البنوك ليست إلا الوجه الخارجي للكارثة.
فالأزمة المالية تعكس حال المشاهد القادمة أن انهيار بورصات الأسهم وإفلاس البنوك ليست إلا الوجه الخارجي للكارثة. فالأزمة المالية تعكس حالة كساد واسعة النطاق في «الاقتصاد الحقيقي» الأميركي تطال القطاع الصناعي الإنتاجي بأسره، ومن ثم سيكون في مقدمة إفرازاتها إفلاس مصانع بالجملة مما يؤدي إلى تبلور ظاهرة بطالة متنامية بإيقاع متسارع. ورويداً أيضاً سوف تنعكس الأزمة البنيوية سلباً على المكانة الدولية للولايات المتحدة بما يؤدي إلى تقليص الهيمنة الأميركية العالمية. <