;

النفــــط والدولار من أدوات لعب الانتخابـــــات والأزم 784

2008-10-18 22:15:44

* عبدالجليل النعيمي

لم يعد الحديث عن قرب أفول الحقبة الأميركية على العالم يحرج أحداً الآن. بل أصبح الحرج يواجه السلطات المالية الأميركية المتخبطة في أزمة لن تجد الحل إلا في الخروج من النظام المالي العالمي المبني على النموذج الأميركي.

صحيفة Les Echos الفرنسية تفيد بأنه ذهب ذلك الوقت الذي اعتبرت فيه نيويورك العاصمة المالية للعالم. صحيفة الواشنطن بوست الأميركية تؤكد: «لقد أصبح لأسوأ أزمة مالية بعد الكساد العظيم ضحية جديدة أخرى هي النمط الأميركي للرأسمالية»، الذي تميز، عن النمط الألماني مثلاً، بأنه يحتقر التوجيه ويعشق المغامرة.

ذلك أصبح يفقد واشنطن حقها المعنوي في ترويج مبدأ (دعه يعمل) بالنسبة للرأسمالية، صحيفة Der Standard النمساوية تقول ان «أياً من الإجراءات لم تساعد في تخفيف حدة الأزمة، وأنه لا أحد يعرف الإجراءات المطلوبة. لكن الصحيفة تشير في مكان ما إلى أنه: «لا بد من الارتجال، وببساطة مواصلة تجريب كل الأدوات الممكن استخدامها للخروج من الأزمة».

لقد بينت الأزمة الحالية أن النظم الاقتصادية الأقل تكاملاً مع السوق والنظام المالي العالميين هي الأقل عرضة لضربات هذه الأزمة. وهذا ما أصبح يشجع قادة بلدان كثيرة على الدعوة الصريحة مجدداً لبناء نظام مالي واقتصادي عالمي جديد وعادل.

أما البلدان الأكثر ارتباطاً بالاقتصاد الأميركي فلم تتلق آثار ضربات الأزمة القادمة من هناك فقط، بل وأنها أصبحت ضحية خطط الإدارة الأميركية في محاولاتها «تجريب» الحلول المختلفة، بما في ذلك على حساب هذه البلدان، ومنها بلداننا بشكل خاص.

وقد لا يعجب ذلك الكثيرين حتى من الأصدقاء الذين سيدرجون هذا «الإدعاء» ضمن التفكير وفق المبالغات ونظرية المؤامرة. حسناً، لنبدأ بالمؤامرة، ومن أسعار النفط التي نشهد انخفاضها وأسعار صرف الدولار التي نشهد ارتفاعها هذه الأيام.

في مايو الماضي بشر بولسون وبرنانكي الأميركيين «بانتهاء» الأزمة استناداً إلى أن الناتج الإجمالي المحلي الأميركي لم يشهد تراجعاً خلال الربع الأول من العام الحالي 2008. الحقيقة كانت هي أن النمو سجل فقط بسبب احتساب السلع المنتجة على أساس الطلب القديم. لكن البيع تم في ظروف تراجع هذا الطلب.

معطيات الربع الثاني من العام أظهرت أن الإنتاج في أميركا بدأ يتكيف مع الطلب الآخذ في الهبوط، وأن الاحتياطات تقلصت، كما أن الاستيراد انخفض في شهر مارس وحده بنسبة 9. 2%. ولأن السلطات المالية لم تكن تريد وقف إصدار المزيد من الدولارات كما تحدثنا مراراً، ومن أجل تشجيع الطلب الاستهلاكي فقد تم توزيع شيكات على المواطنين في إطار برنامج إعادة الضرائب (يعني برنامج الدعاية الانتخابية).

80% من المواطنين قالوا أنهم لن ينفقوا هذه الأموال على الاستهلاك، بل على سداد الديون وللادخار. وهكذا أسقط في يد السلطات. ومنذ فشل تلك المحاولة حذر الاقتصادي الروسي المعروف ميخائيل خازن في مقال له نشر في مجلة بروفايل في 19 مايو الماضي من لجوء السلطات المالية الأميركية إلى إجراء آخر.

فبما أن التضخم في الولايات المتحدة يضرب بشدة في أسعار البنزين والمحروقات، فمن الممكن محاولة خفض أسعار النفط العالمية بشكل حاد ولو مؤقتاً لمئة دولار للبرميل، والأفضل إلى 70 80 د/ب. وكما رأينا فقد تحققت نبوءة خازن وها نحن نشهد منذ الأسابيع الأخيرة تدهوراً سريعاً في أسعار النفط.

وقد بين خازن في حينه أنه إذا هبطت أسعار النفط قبيل بداية الصيف فإن مفعولها سيبدأ مع بداية الخريف، أي قبيل الانتخابات. ولأن هذا الإجراء وقتي بالتأكيد، لأن الطلب العالمي على النفط في ارتفاع، فقد حذر خازن من أنه إذا عاودت الأسعار الارتفاع فسيضاف ذلك التضخم «الاصداري» الذي قد يقفز مع بداية العام المقبل إلى 25%.

غير أن هذا لا يهم الإدارة الحالية لأن المشكلة ستكون خارج «جغرافيتها». أما السؤال الكبير الذي طرحه خازن، فهو: متى ستنتهي «إعادة الإصدار» وتنفجر الأزمة من جديد، قبل الانتخابات في نوفمبر، أم بعدها مباشرة؟ ولقد جاء الجواب العملي على تساؤله قبل أسابيع، أي قبل الانتخابات وليس بعدها. وهنا أيضاً اسقط في يد الإدارة الأميركية.

لكن البلدان المنتجة للنفط دفعت الثمن. من هذا الثمن تراجع دخل البلدان المصدرة للنفط بشكل كبير وإرباك مشروعات التنمية. فإقرار مشروع الميزانية البحرينية القادمة، مثلاً، سيواجه إرباكاً إذا كان قد اعتمد متوسط سعر برميل النفط بتسعين دولاراً.

اللعبة المؤامرة الثانية هي لجوء السلطات الأميركية إلى رفع سعر صرف الدولار مقابل العملات الأخرى، الأمر الذي أثار دهشة الكثيرين كونه يتعاكس تماماً والسياسة النقدية الأميركية طوال السنوات الماضية. وفي حين لا يبدو أن مثل هذا الإجراء يخدم الاقتصاد الأميركي على المدى القريب.

حيث تفوق صادرات أميركا وارداتها بفجوة كبيرة، إلا أن اللعبة السحرية هنا هي أن ارتفاع سعر صرف الدولار يخفض أسعار السلع المستوردة، أي أنه يستعرض أمام الناخبين حرص السلطات الحالية على مصالحهم.

خفض سعر النفط كان أيضاً أداة فعالة لرفع سعر صرف الدولار. وقد جاءت جولات المسؤولين الأميركيين حول العالم منذ الصيف الماضي بهدف إقناع المصارف المركزية «للبلدان الصديقة» بما سمي «بشراء الدولار» وسندات الخزانة الأميركية وضخ الأموال عن طريق مختلف القنوات والصفقات التجارية والعسكرية إلى الولايات المتحدة بشكل مستعجل.

وقد جرى ذلك في ظل أن أسعار كل الأصول المقومة بالدولار، الأسهم، بيوع النفط المستقبلية، وغيرها من الأوراق المالية كانت في هبوط طيلة الأسابيع الماضية. وكما نرى فإلى جانب الآثار التلقائية لانهيار الهرم المالي الأميركي والعالمي.

فإن البلدان المرتبط اقتصادها بالاقتصاد الأميركي كانت عرضة لاستخدام أدوات غير اقتصادية، سياسية، للضغط عليها للتضحية من أجل تحقيق «حلول» وهمية لا تخدم الخروج من الأزمة الحالية فعلاً، بقدر ما تخدم أغراضاً سياسية انتخابية للإدارة الأميركية الحالية. <

 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد