;

من ينقذ «اقتصاد غزة»؟ 834

2008-10-18 22:54:20

طلال عوكل

فيما ينشغل العالم بزلزال المال والأعمال، الذي يضرب في أركان الأرض أكبر الدول وأقواها وأصغرها وأضعفها، يعيش قطاع غزة، الذي يزدحم بأهله المليون ونصف المليون فلسطيني على مساحة 365 كيلومتراً مربعاً، يعطي هؤلاء وضعية تستقر على زلزال متواصل لا يتوقف لحظة عن إحداث حالة من القلق والفقر، الذي تحول إلى نمط حياة.

الحصار الذي يتعرض له قطاع غزة، ترافق مع ظهور نتائج الانتخابات التشريعية التي فازت حركة حماس بأغلبية مقاعده، وشكلت على ضوئها حكومتها، وتصاعد الحصار تدريجياً، حتى جرى تشديده في المرة الأولى بعد عملية الوهم المتبدد في 25/ 6/ 2006.

التي أدت فيما أدت إليه إلى أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، ثم تم تشديده مرة أخرى، واتخذ طابع الحصار الدولي والإسرائيلي والعربي مباشرة بعد سيطرة حماس الكاملة على قطاع غزة في الرابع عشر من يونيو العام الماضي.

ستة معابر على حدود القطاع مع إسرائيل، بالإضافة إلى معبر رفح على حدوده مع مصر توقفت تماماً عن العمل، إلا ما ندر ولأسباب إنسانية، فيما حددت إسرائيل عدد وكم المواد المسموح بمرورها للقطاع، وألغت الكود الجمركي وصعدت من إجراءاتها ارتباطاً بقرارها في سبتمبر العام الماضي الذي اعتبر قطاع غزة كياناً معادياً. . كانت حركة حماس وحكومتها المقالة وعبر وساطة مصرية، قد وافقت قبل نحو أربعة أشهر على تهدئة حصراً في قطاع غزة، كان يقضي بأن تقوم إسرائيل مقابل ذلك بفتح المعابر التجارية تدريجياً، ثم بشكل كامل ارتباطاً بمدى استقرار الاتفاق، بما يؤدي إلى رفع الحصار، وبأمل أن يؤدي ذلك إلى فتح معبر رفح باعتباره كما تراهن حماس معبراً مصرياً فلسطينياً لا علاقة لإسرائيل به.

على أن الإلزام الكامل بالتهدئة من الجانب الفلسطيني لم يغير واقع الحال، فلم تلتزم إسرائيل بفتح المعابر، وظل معبر رفح مغلقاً بشكل عام، وبالتالي ظل أهل القطاع يعانون ندرة وشح المواد الأساسية، وارتفاع أسعارها، دائماً بسبب ارتفاع الأسعار عالمياً بالنسبة لبعض المواد، فضلاً عن جشع التجار الذين يسميهم مفتي غزة الشيخ عبدالكريم الكحلوت «بكلاب الدنيا» وأيضاً بسبب غياب الرقابة والمحاسبة.

الحديث عن غلاء الأسعار في ظل تزايد واتساع ظاهرة الفقر والفقر المدقع، حديث مؤلم جداً، فمثلاً ارتفع سعر لتر البنزين في بعض الأوقات، إلى أربعة أضعاف سعره الرسمي، والحال ليس حصراً على أنواع الوقود، وإنما يشمل الكثير من المواد بما في ذلك الأساسية التي ارتفعت أسعارها بنسب تصل إلى 500% أحياناً.

وإذا كانت الحاجة أم الاختراع كما تقول الأمثال الشعبية، فإن التغلب على فكر السياسة، وقسوة واستمرار الحصار، جعل الغزيين يقيمون «اقتصادهم» ويديرون حياتهم ويوفرون حاجياتهم من خلال ما يمكن تسميته تجاوزاً «اقتصاد الأنفاق».

الأنفاق التي تقع تحت جزء من الحدود بين قطاع غزة والجانب المصري، وتصل كل هذه الحدود إلى أربعة عشر كيلومتراً فقط، هذه الأنفاق كانت موجودة منذ الاحتلال الإسرائيلي ونقصد قبل قيام السلطة الفلسطينية في مايو 1994.

وكانت تفرضها الحاجة لنقل الأسلحة (بشكل محدود)، وبعض الأشخاص المطلوبين للسلطات الاحتلالية، لكنها في كل الأحوال كانت محدودة العدد والإمكانيات، غير أنها اتسعت لتصبح شبكة واسعة يفوق عددها الثلاثمئة نفق في هذه الأيام.

قبل الحصار المشدد، كانت عمليات حفر الأنفاق تخضع للسرية التامة، ومن داخل بيوت سكنية في منطقة رفح الفلسطينية، وتصل إلى بيوت سكنية في رفح المصرية، غير أنها هذه الأيام تقام في أماكن مفتوحة على الجانبين، مستورة بخيم أو بعض الشوادر، والأغطية الخشبية أو التنكية... وما شابه. .وقد طور الفلسطينيون تقنيات للحفر، والحماية، والإخفاء، ونقل البضائع، والتعامل مع طبيعة التربة، التي ينبغي أن تكون صلبة (طينية)، مما جعل بعض هذه الأنفاق تصل إلى أعماق تقترب من خمسة وعشرين متراً تحت الأرض. .عبر هذه الشبكة الواسعة من الأنفاق، يتم نقل كميات كبيرة من كافة أنواع الحاجيات والبضائع، بما في ذلك أنابيب الغاز المخصص للطبخ (بشكل محدود)، والوقود بمختلف أنواعه ويتم نقله عبر خراطيم تحت الأرض ومضخات دفع وسحب، كما يمكن أن يختار الإنسان ما يحتاج إلى جلبه من مصر.

يحتاج حفر النفق إلى موافقة وترخيص مسبق، مقابل مبلغ من المال، وتصل تكلفة حفر بعض الأنفاق حسب طولها، نحو ربع مليون دولار وتتمتع بإضاءة خفيفة، وتهوية داخلية، عبر أنابيب فيها فتحات لضخ الهواء. وبالرغم من أن السياسة الرسمية المصرية، وفي ظل ضغوطات أميركية، تقض بمنع ومكافحة هذه الأنفاق، إلا أن الحال يشير إلى أنها أصبحت واقعاً وشرياناً رئيسياً، لتوفير ما يحتاجه سكان قطاع غزة المحاصرون.

تكاليف حفر الأنفاق، والضرائب التي تفرض على البضائع، لا تفسر الارتفاع الكبير في أسعار المواد والبضائع التي يتم شراؤها من السوق المصرية بأسعار رخيصة نسبياً، وهو ما يشير إلى جشع التجار، وتلاعبهم بالعرض والطلب، وبالأسعار، ويحققون مردوداً عالياً مما يحدث حالة من فلتان وفوضى السوق والأسعار، تذكر بالفلتان والفوضى في مجال الأمن، ومجالات أخرى. .خلال الأشهر الأخرى، ازداد عدد ضحايا الأنفاق حتى زاد عن خمسين، فيما تتعدد الأسباب بين ما يتصل بالمكافحة المصرية، وما يتصل بإجراءات السلامة خلال الحفر أو خلال عملية نقل المواد خصوصاً منها القابلة للاشتعال. . لكن كل ذلك لا ينال من أهمية وفعالية واستمرارية هذه الشبكة الاقتصادية التي تشكل الشريان الرئيسي لتوفير حاجيات سكان القطاع. في الواقع فإن الكثير من البضائع أصبحت متوفرة، لكن الكثير من الناس لا يستطيعون الوصول إليها بسبب البطالة الواسعة والفقر، وأيضاً بسبب تدني القدرة الشرائية لدى الكثير من محدودي الدخل.

وبعيداً عن القيم والأخلاقيات، فإن شهر رمضان شهد أعلى معدلات ارتفاع الأسعار، واتضح أن بعض التجار احتفظوا ببعض ما لديهم من بضائع كانت مفقودة من السوق، وقاموا بعرضها في رمضان أو في العيد، سعياً وراء ربح وافر. وإذا كانت المراكز الاقتصادية والمالية العالمية والإقليمية قد بادرت وما .. تبادر لمعالجة الأزمة التي تضرب اقتصاديات الأرض ومنها توفير ضمانات الحماية والسعي لتغيير النظام المالي السياسي، فإن معالجة «اقتصاد» قطاع غزة، وكل الهموم الفلسطينية بكل أنواعها وما أكثرها وأخطرها مرهون بنتائج الحوار الذي تشرف عليه مصر نيابة عن العرب، من أجل إنهاء الانقسام وإنهاء الحصار.

* كاتب فلسطيني

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد