نواف الزرو
مجددا - يطل علينا موسم قطف الزيتون في فلسطين هذا العام كما الأعوام السابقة حزينا أليما داميا صارخا ضد عربدة الاحتلال بجيشه ومستعمريه. ومجددا - تتسيد المشهد الفلسطيني في الضفة الغربية في هذه الأيام- ايام قطاف الزيتون الفلسطيني- هجمات وعربدات المستوطنين الإرهابيين الذين يصولون ويجولون تجريفا وتخريبا وتدميرا في حقول الزيتون الفلسطينية على امتداد مساحة الضفة من أقصى شمالها الى أقصى جنوبها.
وبذلك تفتح لنا هذه الهجمات والعربدات الاستيطانية التدميرية المحمية من جيش الاحتلال وحاخاماته مجددا ملف المجزرة المفتوحة التي يقترفها الاحتلال ضد شجرة الزيتون العربية في فلسطين. . . !
وفق الشهادات الفلسطينية ف »الأشجار الفلسطينية تموت واقفة، والمحتلون يكرهون أشجارنا، يكرهون شجرة النور المقدسة، يكرهون الزيتون فيقتلعونه بالديناميت، يجتثونه من الجذور، ومعركة الزيتون هي معركة هوية المكان (من مقال للكاتب مهند عبد الحميد/الأيام«.
تكثف دفاتر يوميات مواسم الزيتون الفلسطيني على مدى سنوات الاحتلال الماضية حرب الاحتلال ضد البيئة والشجر الفلسطيني بالعناوين التالية :
- فرق إسرائيلية تعمل على مدار الساعة لقطع وتدمير وسرقة أشجار الزيتون.
- الآلاف من أشجار الزيتون يجري اقتلاعها من جذورها بدقة متناهية ومن ثم يجري سرقتها ونقلها الى »إسرائيل«على وجه السرعة.
- موسم الزيتون الفلسطيني يبدأه المستوطنون بالحرائق وينهونه بخلط الزيت بالدماء.
- لم تشهد شجرة في التاريخ حربا شرسة وعداء مستحكما كما تشهد شجرة الزيتون الفلسطينية.
- الشجرة المباركة تتحول الى ضحية للاقتلاع والتنظيف على يد لصوص الأرض والتاريخ، والأرض الفلسطينية تبكي أصحابها وأشجار الزيتون تتناثر أشلاؤها تحت التراب في مشهد لا يمكن وصف فظاعته واجراميته.
والأخطر من كل ذلك أدلجة هذا الإرهاب الصهيوني ضد شجرة الزيتون الفلسطيني:
فها هو الزعيم الروحي لحركة شاس و»إسرائيل« الحاخام الأكبر عوباديا يوسف كان قد تمنى للمستعمرين اليهود خلال لقاء مع قادة مجلس المستعمرات « النصر على الفلسطينيين الذين وصفهم ب »الاغيار المجرمين«، وقد أفتى في إحدى فتواه قائلا: »لولانا - أي اليهود- لما نزل المطر، ولولانا لما نَبَتَ الزرع، ولا يُعْقَلُ أن يأتينا المطر، ويأخذ الأشرار -الفلسطينيون- ثمار الزيتون، ويصنعون منه الزيت«. والحاخام مردخاي الياهو أحد ابرز كبار حاخامات الصهيونية أيضا يشرع للمستعمرين سرقة الزيتون الفلسطيني قائلا: انه يمكن جني المحصول وقطف الزيتون من مزارع الفلسطينيين، لأنهم يزرعون في أرضنا، كما أصدر وزير البني التحتية الإسرائيلي سابقا »آفي ايتام« من جهته امرأ بوقف »حفر الآبار في المناطق الفلسطينية حتى يتوقف كليا - كما زعم - الحفر غير القانوني لآبار المياه وسرقة المياه. . «.
وبينما تواصل البلدوزرات العسكرية من جهتها تجريف الأخضر واليابس و»حلاقة الأرض الفلسطينية«، تحتشد جملة كبيرة من فتاوى الحاخامات والأوامر والقرارات الحكومية والخطط والحملات الحربية التدميرية، يضاف اليها اعتداءات وهجمات المستعمرين اليهود المتزامنة، لتتكثف كلها في موسم الزيتون الفلسطيني مترجمة على شكل حرب تجريف وتدمير واقتلاع وإعدام مع سبق النية والترصد ضد شجرة الزيتون الفلسطينية.
لتقترف دولة وقوات وعصابات المستعمرين أوسع وأبشع مجزرة لم يشهدها تاريخ البشرية حتى الآن ضد الشجرة الخضراء التي يفترض انها رمز الخير والسلام، فأصبحت هذه الشجرة هدفا رئيسيا للجنود والمستعمرين اليهود. والحصيلة الإجمالية لمجزرة الزيتون كانت استشْهِادَ 45 مزارعًا فلسطينيًّا على يد المستوطنين منذ بداية انتفاضة الأقصى عام 2000.
والحصيلة الإجمالية ايضا ان شجرة فلسطينية مثمرة تقتلع كل دقيقة في الأراضي الفلسطينية، وقد تم حتى كتابة هذه السطور اقتلاع وتدمير اكثر من 1355290 شجرة فلسطينية، ونحو 200 الف شجرة نخيل،بينما تم تجريف 76867 دونما من الأراضي الخصبة.
إضافة الى تجريف 31263 من شبكات الري وتدمير 902662 مترا من خطوط المياه، كما جرى الاستيلاء على 125 ألف شجرة مقتلعة بينها 36 ألف شجرة زيتون وإعادة زراعتها داخل الخط الأخضر، الطرق الالتفافية وجدار الفصل العنصري والتوسعات الاستيطانية عزلت عشرات آلاف الأشجار عن أصحابها وأصبحت بلا عناية ولا تقطف.
والهدف الكبير من وراء هذه المجزرة البشعة: خلخلة العلاقة التاريخية العضوية الجذرية ما بين الفلسطيني والأرض الوطن. الواضح ان دولة الاحتلال تستهدف شجرة الزيتون الفلسطينية إيديولوجية واقتصادية ومعنوية وترحيلية.
فسلطات الاحتلال وان كانت تستهدف شجرة الزيتون الفلسطينية بشكل عام، الا انها تستهدف في الوقت نفسه استهدافا مركزا نوعا خاصا من شجر الزيتون يزيد عمره عن عمر أقدم تاريخ مكتوب لليهود في فلسطين، وهو »لزيتون الروماني«، وتدمير وحرق هذه الشجرة بحد ذاته هو محاولة مبرمجة ومدروسة ترمي الى إعادة كتابة التاريخ على قاعدة ان تاريخ المنطقة القديم قد ابتدأ منذ ثلاثة آلاف عام فقط، اي منذ دخل اليهود الى فلسطين.
وكأن لسان حال عائلة الزيتون الفلسطينية يقول لنا: انا عجوز فلسطينية اسمي زيتونة تمتد جذوري عبر التراب المقدس وعبر عمق الصخور الراسية في عمق الأرض الطيبة. . . أنا عجوز فلسطينية أعيش في كل حقل فلسطيني يقوم هؤلاء الأشرار بقتلي انا وأخواتي وأبنائي عن سبق تخطيط وإصرار. . . ويقومون باقتلاعي من جذوري. .
وتقوم أسنان جرافاتهم بتمزيقي ويدوسون على أعناقي«. ونقول: ماذا تقول هذه الجدة - العجوز الفلسطينية الرابضة الراسخة المتجذرة في أعماق التربة الفلسطينية حينما تدوس الدبابات والجرافات على أعناقها وحينما تنغرس أسنان الجرافات في أحشائها على نحو سافر شرس لا يرحم. . . ؟
تصرخ العجوز الفلسطينية في وجه قائد الجرافة الصهيونية قائلة: هذه زيتونة رومانية. . . الا تفهم. . . ؟!!!
ولم يكن قائد الجرافة الصهيونية بالطبع يفهم معنى قتل هذه الشجرة التراثية. . . ؟!!
كان المرحوم محمود درويش قد قال في الزيتون: لو يعرف الزيتون غارسه لصار الزيت دمعا. . !
وتقول العجوز الفلسطينية المباركة :
ماذا ترانا نقول عن قاتل الشجرة المباركة الذي لا يعرف معنى الزيتون والزيت وعبقرية الفلاح الفلسطيني التي تقف وراء هذا التراث الزيتوني العظيم. . !
فكم هو همجي وغبي ذلك القاتل. . . ؟!!
* كاتب فلسطيني