المؤلف/ علي محمد الصلابي
هذا لعمري مالا يليق نسبته إلى عوام المسلمين كيف بأئمة الدين وقد ذكر هذا الكتاب، واعتمد عليه وأثبته عن الإمام أبي الحسن رحمه الله وأثنى عليه بما ذكره فيه، وبرأه من كل بدعة نسبت إليه، ونقل منه إلى تصنيفه، جماعة من الأئمة الأعلام من فقهاء الإسلام، وأئمة القراء وحفاظ الحديث وغيرهم، ثم ذكر رحمه الله جماعة من هؤلاء الأئمة الذين أثبتوا كتاب" الإبانة" للأشعري ومنهم:
* إمام القراء علي الحسن بن علي بن إبراهيم الفاسي "ت 446ه".
* الحافظ أبو عثمان الصابوني "ت 449ه".
* الفقيه الحافظ أبو بكر البيهقي "ت 458".
* الإمام الفقيه أبو الفتح نصر المقدسي "ت 490م".
* الفقيه أبو المعالي مجلي صاحب كتاب الذخائر في الفقه "ت 550ه".
وهناك جمع كثير من العلماء ممن أثبتوا كتاب " الإبانة" للأشعري، غير الذين ذكرهم ابن درباس ومنهم:
* الإمام ابن تيمية رحمه الله "ت 728ه".
* الحافظ الذهبي "ت 748 ه" وقال: وكتاب "الإبانة" من أشهر تصانيف أبي الحسن، شهرة الحافظ ابن عساكر واعتمد ونسخه بخطه محيي الدين النووي.
* الإمام ابن القيم "ت 571".
* الحافظ ابن كثير " 774ه".
* العلامة ابن فرحون المالكي "ت 7799ه".
وهناك جمع كثير لا يحصى عددهم من العلماء والأئمة في الدين اثبتوا كتاب "الإبانة" للأشعري وأنه آخر ما صنف.
وقد ذكر المؤرخون مجموعة من الأسباب في سبب رجوع أبي الحسن إلى مذهب أهل السنة وترك الاعتزال وأهمها رحمة الله به وهدايته له.
ب - سر عظمة الأشعري في التاريخ:
نهشض أبو الحسن الأشعري بعد هذا التحول العظيم ، يدعو إلى عقيدة أهل السنة، ويدافع عنها في حماسة وإيمان، ويرد على المعتزلة ويتبعهم في مجالسهم ومراكزهم يحاول إقناعهم بما اقتنع به أخيراً من عقائد أهل السنة، ومذاهب السلف، وكان نشاطه في ذلك أعظم من نشاطه في السابق، وكان يقصدهم بنفسه يناظرهم، فكلم في ذلك فقد قيل له: كيف تخالط أهل البدع وتقصدهم بنفسك وقد أمرت بهجرهم؟ فقال : هم أولو رياسة، منهم الوالي والقاضي، ولرياستهم لا ينزلون إلي، فإذا كانوا هم لا ينزلون إلي، ولا أسير أنا إليهم، فكيف يظهر الحق ، ويعلمون أن أهل السنة ناصراً بالحجة؟ وهذه الجهود العظيمة والمثابرة الصابرة في مناصر مذهب أهل السنة تستحق الثناء والتقدير وكان أبو الحسن الأشعري مستواه العقلي أعلى من مستوى معاصريه وأقراته، وكان صاحب نبوغ وابتكار في العقليات وكان يرد على حجج المعتزلة وعقائدهم في سهولة وينقضها بمقدرة وثقة، كما يرد الأستاذ الكبير على شبه تلاميذه، ويحل مشاكلهم، وقد كان أبو الحسن الأشعري إماماً مجتهداً في علم الكلام، وأحد مؤسسيه وقد خضع كل من جاء بعده من المتكلمين لعبقريته، وعمق كلامه، ودقة نظره وإصابة فكره.
ج- أبو الحسن الأشعري يشرح عقيدته التي يدين بها:
فيقول: وقولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها، التمسك بكتاب ربنا عز وجل، وبسنة نبينا عليه السلام، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل - نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مئويته - قائلون ولما خالف قوله مخالفون، لأنة الإمام الفاضل، والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق ، ورفع به الضلال ، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشك الشاكين، فرحمه الله عليه من إمام مقدم، وخليل معظم مضخم.
ولم تقتصر خدمة الأشعري على تأييد عقائد أهل السنة والسلف تأبيداً إجمالياً، فقد كان الحنابلة والمحدثون قائمين به غير مقصرين فيه، إن عبقريته تتجلى في أنه اقام البراهين والدلائل العقلية والكلامية على هذه العقائد، وناقش المعتزلة والمتفلسفة عقيدة، وذلك كله في لغة يفهمونها، وأسلوب بألفونه ويجلونه وبذلك أثبت أن هذا الدين وعقيدته الواضحة مؤيدان بالعقل الصحيح يؤيد الصحيح، ولا صراع بينهما ولا تناقض.
- مصدر العقيدة عند أبي الحسن الأشعري:
كان الأشعري مؤمناً بأن مصدر العقيدة والمسائل التي تتصل بالإلهيات وما وراء الطبيعة هو الكتاب والسنة، وما جاء به الأنبياء وليس اللعقل المجرد والمقياس والميتافيزيقا اليونانية، ولكنه لم يكن يرى السكوت والإعراض عن المباحث التي حدثت بتطورات الزمان، واختلاط هذه الأمة بالأمم والديانات والفلسفات الأجنبية، حتى تكونت على أساسها فرق ونحل، وكان يرى أن السكوت عن هذه المباحث يضر بالإسلام، ويفقد مهابة السنة ويحمل على على ذلك ضعف السنة العلمي والعقلي، وعجز علماء الدين وممثليه عن مواجهة هذه التيارات ومقاومة هذه الهجمات، ويهتبله أهل الفرق الضالة، فينفذون في أهل السنة والعقيدة الصحيحة، فينفثون فيهم،ويزرعون الشكوك، ويستميلون شبابهم الذكي المثقف إلى أنفسهم ، وكان الأشعري مؤمناً بأن مصدر العقيدة هو الوحي والنبة المحمدية،والطريق غلى معرفته هو الكتاب والسنة وما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم، وهذا مفترق الطريق بينه وبين المعتزلة، فإنه يتجه في ذلك اتجاهاً معارضاً لا تجاه المعتزلة، ولكنه رغم ذلك يعتقد مخلصاً أن الدفاع عن هذه العقيدة السليمة، وغرسها في قلب الجبيل الإسلامي الجديد، يحتاج غلى الحديث بلغة العصر العلمية السائدة، واستعمال المصطلحات العلمية، ومناقشة المعارضين على أسلوبهم العقلي، ولم يكن يسوغ ذلك فقط، بل يعده أفضل الجهاد وأعظم القربات في ذلك العصر، وهذا مفترق الطرق بينه وبين - بعض - من الحنابلة والمحدثين الذين كانوا يتأثمون ويتحرجون من النزول في هذا المستوى.
د- بعض مؤلفات أبي الحسن الأشعري:
لم يقتصر أبو الحسن الأشعري على المناظرة والمعارضة، بل خلف مكتبة كثيرة من مؤلفاته في الدفاع عن السنة، وشرح العقيدة الحسنة، وقد ألف تفسيراً للقرآن، أقل من قيل في أجزائه أنه في ثلاثين مجلداً، وقد ذكر في الرد على مذاهب وفرق أخرى ومنها كتاب "الفصول" الذي رد على الفلاسفة والطبيعيين، والدهرية، والراهمة، واليهود، والنصارى، والمجوس، وهو كتاب كبير يحتوى على اثني عشر كتاباً، وقد ذكر ابن خلكان من مؤلفاته كتاب " اللمع" و"إيضاح البرهان" و"التبيين عن أصول الدين" و"الشرح والتفصيل في الرد على أهل الإفك والتضليل".
وله - عدا العلوم العقلية والكلام - مؤلفات في علوم الشريعة منها: كتاب "القياس وكتاب " الاجتهاد" و "خير الواحد" وكتاب في الرد على ابن الراونديَّ في إنكاره للتواتر، وقد ذكر في كتابه "العمد" مؤلفاته التي فرغ منها سنة "320ه" يعني قبل وفاته بأربع سنوات، وهي ثمان وستون مؤلفاً، وكثير منها يقع في عشرة مجلدات أو أكثر، وقد آلف في آخر حياته كتباً كثيرة ويدل كتابه "مقالات الإسلاميين" على أنه لم يكن متكلماً، فحسب، بل كان مؤرخاً أميناً لعلم العقائد، وقد اعترف بدقته وأمانته وتحريه للصدق في النقل المستشرقون، وكتب الفرق والديانات تدل على أمانته ودقته في النقل.
ه- اجتهاده في العبادة: لم يكن أبو الحسن الأشعري رجل علم وعقل وبحث ونظر فحسب، بل كان - مع وصوله إلى درجة الإمامة والاجتهاد في العلم والعقل - مجتهداً في العبادات متحلياً بالأخلاق الفاضلة، وذلك ما يمتاز به العلماء الأقدمون؛ فإن اشتغالهم بالعلم لم يكن مانعاً عن الاجتهاد في العبادات والحرص على الطاعات، وكانوا يجمعون بين الدراسة والإفادة والعبادة والزهادة.
قال أحمد بن علي الفقيه: خدمت الإمام أبا الحسن بالبصرة سنين، وعاشرته ببغداد على أن توفي رحمه الله فلم أجد أورع منه، وأغضَّ طرفاً، ولم أرى شيخاً أكثر منه في أمور الدنيا، ولا أنشط منه في أمور الآخرة.
ويحكي أبو الحسين السروي من عبادته في الليل واشتغاله، ما يدل على حرصه وقوته في العبادة، قال ابن خلكان: وكان يأكل من غلة ضيعة وقفها بلال بن أبي بردة بن أبي موسى على عقبه، وكانت نفقته في كل يوم سبعة درهماً، هكذا قاله الخطيب.
و - عقيدة أبي الحسن الأشعري التي مات عليها:
1- الإقرار بالله وملائكته ورسله وأن محمداً عبده ورسوله.
2- وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.
3- وأن الله عز وجل على عرشه كما قال تعالى: "الرحمن على العرش استوى" [طه:5].
4- وأن له يدين بلا كيف كما قال عز وجل: "خلقت بيدي" [ص: 75].
5- وأن له عينين بلا كيف كما قال عز وجل :" تجري بأعيننا" [القمر: 14].
6- وأن له وجهاً كما قال عز وجل: " ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" [الرحمن:27].
7- وأن أسماء الله لا يقال إنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج.
8- وأقروا أن الله سبحانه عالماً كما قال عز وجل: " أنزله بعلمه" [النساء: 166]وقال :
"وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه"[فاطر: 11].
9- وأثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة.
10- وأثبتوا لله القوة كما قال عز وجل:" أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة" [فصلت:15].
11- وقالوا: إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله.
12- وأن الأشياء تكون بمشيئة الله ، كما قال عز وجل:" وما تشاءون إلا أن يشاء الله" [التكوير: 29]. وكما قال المسلمون: ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون. <