نبيل مصطفى مهدي
وظيفة الصحافة وظيفة مركبة ما يجعلها مهنة سامية وأساسية في حياة أي مجتمع أو شعب أو مسيرة أية أمة، فالصحافة تعمل على تعريف الناس بما يجري حولهم كما أنها تنير الطريق بالحقائق أمام الرأي العام، بالإضافة إلى كونها وسيط ورابط صادق وافي بين قاعدة القراء والسلطة، وتعبر عن اتجاهاتهم وتنقل أفكارهم بموضوعية، وبدورها تعمل على تقييم نشاط واتجاه السلطة انطلاقاً من الموضوعية الواضحة والمعرفة الكافية كما للصحافة قبل كل شيء دور هام ولاعب في عملية تنوير المجتمع.
إن هذه الوظيفة المركبة للصحافة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال وعي ناضج يتحلى بيقظة الضمير والحس الوطني والمهنية التي تفرض على الصحفي أن يتحلى دوماً بأعلى درجات الموضوعية والصدق والإخلاص لمبادئ المهنة ولولا ذلك أو إن لم يفعل ذلك لأرتكب خطأ جسيماً متعدد الآثار في حق الرأي العام والشعب، أن من يمارس الصحافة عليه ذلك وأن يتميز بنفس قوية وعقل منظم لا يخلط بين دور المهنة ووظيفة السلطة، فمهما كانت مكانة الصحفي أو موقع صاحب القلم فإن دوره ينتهي حين يكتب ما يمليه عليه ضميره في إطار قواعد المهنة، ومن الخطأ أن يعتقد بأنه يمتلك دور "محرك الكون" الذي يستطيع أن يفعل أي حاجة كما أنه من الخطأ أن تتحول القضايا التي يكتبها إلى معارك شخصية يفرض فيها رأيه على الغير دون علم فذلك ليس من حقه المهني ودون ملاحظة، إن لم يكن تجاهلاً مع العلم أن كل معلومات الوقائع أو الحقائق لا يمكن أن تتوفر لدى صحفي واحد، وأعتقد أن بعض الأقلام قد أخطأت في فهم طبيعة الدور المهني للصحافة.
لكن أحيانا يدخل في صفوف مهنة الصحافة سياسيون يريدون استخدامها وتسخيرها كأداة في تحقيق أهدافهم وحين التحق في العمل الصحفي "غير المؤهلين" الذين لا يملكون الحق لممارسة المهنة وفي ظل الدور الغائب للنقابة للتقويم، فظهر المتسلب المذبذب والجاهل والساعي لتحقيق منصب أو مكانة من خلال استخدام الصحافة، كما ظهر أخطر من كل هؤلاء والذي يجمع كل صفاتهم هؤلاء من يمكن أن تصفهم أو نطلق عليهم مخابيل الصحافة، وأمثال هؤلاء يعتبرون حالة شاذة ومريضة نفسياً بمواصفاتها فصاحبها يظن أنه إذا كتب فيجب أن يطاع ويعطي لنفسه فوق حجمها وقدرتها وإمكانياتها، فالمعارضة والنقد بالنسبة له غير مقبول ويعيش حالة توهمات العظمة، يتخوف من كل شيء "أناني" اندفاعي، ليس لديه شعور بالذنب، ويتصرف وكأنه فوق المجتمع والقانون.
صحيح أن الصحافة هي السلطة الرابعة ولكنها سلطة معنوية يتجسد دورها بالموضوعية والتوثيق والخوف على مصالح الوطن وعدم تخطي دورها المهني، أن هؤلاء المخابيل يرتكبون الجرم حتى يعتقدون أن سلطة الصحافة تنفيذية، فسلطة الصحافة تكمن في تنوير المجتمع وليس إدارته وهي تعبر عن الرأي العام وليس حكومة، فمثل هؤلاء المخابيل سوف يظلون ملوثين لمهنة الصحافة ما دام الصمت سائداً تجاه مخابيل الصحافة.<