سيار الجميل
هذه السيدة تسيبي ليفني، ابنة إسرائيل، ابنة الخمسين سنة، وولادة تل أبيب، ابنة والدين عملا في منظمة الأرغون الإرهابية.. ابنة أب سياسي وعضو كنيست.. ابنة حركة بيتار اليمينية المتطرفة.. ابنة المظاهرات الصهيونية ضد خطة كيسنجر بعد حرب 1973 لفك الاشتباك بين إسرائيل وبين كل من سوريا ومصر.. ابنة القوات المسلحة الإسرائيلية برتبة ملازم اول.. ابنة كلية الحقوق.. المحامية المستقلة ابنة الموساد الذكية التي أدارت عمليات في الخارج.. ابنة العقيدة الصهيونية الصلبة، وهي زوجة المحامي نفتالي شبيسر.. تتميز بمثابرتها وانطوائيتها معا..
ولكن لم يجدها الإسرائيليون على المحك بعد في صنع قرارات مهمة! فهل سيكون باستطاعتها الخروج من ظل الآخرين الذين بقيت تحت خيمتهم؟ إن ليفني قادرة على ان تكون زعيمة لإسرائيل، ولكنها لن تصل إلى مستوى وحذاقة غولدا مائير.
إنها ثاني امرأة تتولى وزارة الخارجية الإسرائيلية. انتُخبت ليفني للكنيست لأول مرة في 1999 حيث كانت عضوًا في لجنة الدستور والقانون والقضاء وفي لجنة النهوض بمكانة المرأة. وترأست ليفني كذلك اللجنة الفرعية المكلفة بالتشريع الخاص بمنع غسيل الأموال.
في 2001، وعُيّنت وزيرة في الحكومة ال29 حيث تولّت حقيبتي التعاون الإقليمي والزراعة. وفي الحكومة ال30 أسندت إليها حقائب الاستيعاب والبناء والإسكان والعدل والخارجية.
كانت ليفني سابقا عضوًا في حزب الليكود حتى أواخر عام 2005 حيث انضمّت إلى شخصيات سياسية أخرى في تشكيل حزب كاديما.
إنها ليفني التي تصل لزعامة حزب كاديما قبل أيام بعد أن عملت ليل نهار في خدمته وخدمة مؤسسه اريل شارون عام 2005. كان المفترض أن تتولّى ليفني المسؤولية بعد شارون نفسه، ولكنها آثرت الموقع الثاني احتراما لكبر سن منافسها أولمرت، حتى وصلت منتصرة إلى الموقع الأول بعد أن قضت قضايا الفساد على أولمرت وعلى تاريخه برمته.. لم تصل ليفني متأّخرة ومجهولة لا يعرفها أحد.
بل وصلت بعد أن كان العالم كله قد تعّرف عليها، ناضجة تعرف كيفية دفة سفينة إسرائيل.. لقد فازت بزعامة كاديما اثر انتخابات داخلية، فوصلت يوم 17 سبتمبر 2008، ومن ثم جرى تكليفها بتأليف وزارتها المرحلية يوم 22 سبتمبر حتى إتمام هذه المهمة بموجب القانون الإسرائيلي يوم 2 نوفمبر 2008. إن المهم قد تحقق أمام هذه السيدة التي لا تعرف كيف تبتسم.. لقد وصلت إلى أعلى منصب في إسرائيل.
إن إسرائيل أمام سبيلين، أولاهما تشكيل حكومة ائتلاف جديدة وثانيهما تنظيم انتخابات عامة مبكرة.. لقد أعلنت ليفني، أنها غير مستعدة لدفع أي ثمن كان من أجل إنجاز هذه المهمة. وصرحت بأنها ستتخذ قرارًا نهائياً بشأن تشكيل حكومة ائتلاف أو إجراء انتخابات مبكرة. وأدلت بهذا التصريح بعد أن خذلها حزب شاس، في قراره عدم انضمام شاس إلى الائتلاف الحكومي الجديد.
وتستطرد قائلة: إما أن نشكل حكومة جديدة، وإما أن نذهب إلى انتخابات مبكرة.. وتواصل تقول: «رأيت أن من واجبي أن اعمل على تشكيل حكومة لا سيما في هذا الوقت من أجل إعطاء دفع للاستقرار، وأعتقد أن هذا هو الأفضل اليوم للبلاد. أجريت مفاوضات مع كل الشركاء الممكنين من اجل تشكيل حكومة مستقرة». إن المهلة القانونية المعطاة لليفني ستنتهي في الثالث من نوفمبر، وهي من 42 يوما. ولا يزال أولمرت على رأس الحكومة الانتقالية في انتظار تشكيل حكومة جديدة. وكان حزبا كاديما (29 نائبا) والعمل (19 نائبا) قد وقعا معا في 13 أكتوبر بالأحرف الأولى على اتفاق لتشكيل ائتلاف حكومي لقيادة إسرائيل، في حين لم تزل الخلافات قائمة بين كاديما وشاس المتشدد (12 نائبا)، والتحالف معه يسمح لكاديما بالاعتماد على قاعدة برلمانية صلبة، فضلا عن أن المفاوضات بين كاديما وحزب المتقاعدين (7 نواب) لم تصل إلى أية نتيجة. وعليه، فقد قررت ليفني عدم انتظار انتهاء المهلة التي منحها إياها بيريز لعرض تشكيلتها الحكومية على البرلمان.
ويمكن لبيريز نظريا خلال الأيام الثلاثة التي تلي انتهاء المهلة تكليف نائب آخر لتشكيل الحكومة خلال مهلة 28 يوما. وفي حال حدوث فشل جديد، فثمة اختيار آخر لتشكيل حكومة ضمن مهلة 14 يوما. وإذا فشل كذلك، يفترض إجراء انتخابات عامة خلال مهلة تسعين يوما.
وأعلنت قيادة حزب شاس الديني المتطرف الجمعة رفضها للشروط التي فرضتها ليفني للمشاركة في الحكومة الجديدة مما يهدد تشكيلها.
إن حقيبة ليفني أو حقيبة أي رئيس بديل ستمتلئ بالمشكلات الصعبة على امتداد الأسابيع المقبلة، فما الخطط الإسرائيلية في مواجهة تحديات الأزمة الاقتصادية التي تجتاح العالم اليوم؟ وماذا يمكن عمله لتخفيف حدة الاختناقات والأضرار الاقتصادية في إسرائيل؟
إن خطوات ليفني بطيئة جدا وحذرة إذ تخشى نشوب تداعيات واسعة في البنية الاجتماعية لا يمكن معالجتها، ولكن من طرف آخر، فخصومها أقوياء.. وهنا، فإن مخاطر عدة ستلحق بإسرائيل حالة إجراء انتخابات عامة مكلفة للخزينة الإسرائيلية. وليفني مطالبة اليوم باستحقاقات عدة لابد من تحقيقها بشجاعة منقطعة النظير..
وخصوصا، وان جدول الأعمال قد سجل عليه عدة استراتيجيات لا يمكن لإسرائيل أن تتباطأ فيها ومنها ما يخص: إيران ولبنان وسوريا وحماس. إن الإسرائيليين يطالبون ليفني بزعامة حقيقية كالتي تمتعت بها غولدا مائير قبل أربعين سنة. فهل ستنجح ليفني في مهمّتين اثنتين وخطيرتين معا: زعامة كاديما ورئاسة حكومة؟