;

صلاح الدين الأيوبي.. وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس ..الحلقة السابعة والخمسون 933

2008-11-01 03:26:49

المؤلف/ علي محمد الصلابي

4- إعادة التنظيم الإداري في مصر:

شرع القاضي الفاضل في تنفيذ مخطط قلب نظام الحكم الفاطمي بالتخلص من أصحاب الدواوين والكتاب الموالين للفاطميين، وكان بحكم عمله في الدواوين على علم برجالات الدولة وأصحاب دواوينها وكتابها،، وبولائهم السياسية وميولهم المذهبية، ولقد صاحب بعضاً منهم وعادى أو نافس بعضاً آخرى، وقد واتته الفرصة للتخلص ممن يستطيع التخلص منه ففعل ، وتخلص من عدد كبير من الكتاب الشيعية الإسماعيلية والمسيحيين واليهود وغيرهم خوفاً من أن يتآمروا مع الفلول الفاطمية، أو أن يتصلوا بالفرنج باسم الدواوين التي يعملون فيها.

ولقد أشار إلى خطر هؤلاء الكتاب في أكثر من راسلة رسمية إلى الخليقة العباسي وإلى نور الدين.

ففي إحدى رسائله عن صلاح الدين إلى الخليفة المستضيء "570ه/1174- 1175م" يصف أحوال مصر في ظل الفاطميين بقوله: ولهم "للفاطميين" حواش لقصورهم من بين داع تتلطف في الضلال مداخله وتصيب القلوب مخالته، ومن بين كتاب تفعل أقلامهم أفعال الأسل.

ولقد ثبت صدق ظنه فيما بعد بعندما راح هؤلاء يدبرون مؤامرة لإحباط حكم صلاح الدين.

وكما أنه سرح الكتاب والإداريين الذين شك في ولائهم فإنه أبقى الإداريين الذين ضمن ولاءهم، والذين كان بحاجة إلى إدارتهم ومعلوماتهم ومساعدتهم في تطبيق مخطط الانقلاب، وكان في مقدمة هؤلاء: الخطير بن مماتي رئيس ديوان الجيش وأحد أصدقاء القاضي الفاضل، فقد خدم ابن مماتي في ديوان الجيشي في عهد شاور، ودخل المذهب السني على يد أسد الدين شيركوه، وظل قريباً من القاضي الفاضل محبباً إليه حتى وفاته سنة "578ه"، وعين بعده ابنه الأسعد بن مماتي في الديوان، ولقد أخلص الأسعد كوالده للقاضي الفاضل الذي كان يعتمد على إدارةته وولائه في أثناء غيابه عن مصر، ورعى القاضي الفاضل أيضاً الأثير بن بيان، صاحب ديوان النظر، وأبقاه في منصبه وهو سني أيضاً، وابن بيان هذا أكبرب من القاضي الفاضل سنا، وكان يعمل في ديوان الإنشاء عندما دخله القاضي الفاضل طلباً للعلم فيه، ودافع عنه عندمكا عاد من الإسكندرية إلى القاهرة، وظل القاضيب الفاضل يعمل مع ابن بيان ويعتمد عليه حين تقدم ابن بيان في السن وعجز عن العمل، فقرر له القاضي الفاضل معاشاً يستعين به، وأبقى أبا الحسن المخزومي، وهو سني، ناظراً لديوان المجلس، بينما أمسك هو برئاسة ديوان الإنشاء بالإضافة إلى الإدارة العامة كوزير، وشرع القاضي في توجيه هذه الدواوين بمساعدتهم إلى خدمة أهداف صلاح الدين ودولته ومشروعه الإسلامي الكبير.

5- القاضي الفاضل والإحياء السني في مصر:

كانت الإسكندرية مركزاً للإحياء السني في مصر، وقد تم ذلك على يد علماء قصدوها من المغرب مثل أبي بكر الطرطوشي، ومن المشرق مثل السلفي، وأسسوا فيها مدارس كان لها أثر كبير في الإحياء السني وفي حركة الجهاد ضد الفرنج ، وهذا يفسر مساندة أهالي الإسكندرية لأسد الدينب - وصلاح الدين - وأما القاهرة فلم تحظ كالإسكندرية بمدارس وفقهاء للسنة، ولكن الوضع تغيير مع ظهور صلاح الدين على المسرح السياسي.

فمع أن نور الدين وأسد الدين كان ق استفاد من بعض أهل السنة وزارة صلاح الدين للحصول على مؤازرة شعبية لحركتهما داخل مصبر ، فإن هذه العناصر وحدها لم تكن كافية، وكان هناك حاجة إلى ثورة ثقافية في مصر يتم من خلالها إعاد مصر إلى المذهب السني البتدريج، وقد بدأ صلاح الدين إصلاحاته في مصر ، وحتى قبل القضاء النهائي على الفاطميين بتأسيس عدد\ من المدراس عل المذاهب الأربعة بني أولها للمذهب الشافعي على أنقاض حبس المعونة، السجن الذي ضم الكثير من قادة مصر سنة "566ه/1170- 1171م"ولعلها أصبحت المع8ونة، مدرسة من نوعها في مصر ، كما أنشا سنة "566ه/1170م" مدرسةللمالكية في جوار جامع عمرو بن العاص عرفت بالقمحية ، وأسس تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب ، ابن أخي صلاح الدين، مدرسة للشافعية عليها عدة أماكن.

كانت هذه المدارس بداية حركة بنائية سنية ساهم فيها كثيرون من الأيوبيين وأمرائهم خلال حكم صلاح الدين في مصر فيما بعد، كما ساهم فيها القاضي الفاضل بمدرسة من أغنى هذه المدارس، إذ رصد فيها قسماً كبيراً من خزانة كتب الفاطميين، وإن تمكن فكرة إنشاء المدارس، إذ رصد فيها قسماً كبيراً من خزانة كتب الفاطميين، وإن تكن فكرة إنشاء المخدارس السنية مستوردة من الشام على غرار مافعله نور الدين فيها من إنشاء مدارس شبيهة بمناهجها وموضوعات تدريسها في المدرسة النظامية ببغداد، فإن تمويل هذه المدارس واختيار المدرسين فيها كان ضمن مسؤوليات القاضي الفاضل، فمن ضمن إصلاحاته الإدارية في فترة وزارة صلاح الدين فصل: ديوان الأحباس الفاطمي الذي كان يشرف على إدارة المؤسسات الدينية وتمويلها وتزويدها عن ديوان الأموال، وجعله ديواناً مستقلاً تحت إدارةب الوزير مباشرة، أي صلاح الدين، قبل القضاء على الفاطميين وتحت إدارته هو بعد القضاء عليهم، ومن ثم فقد كان المسؤول الأكبر عن إدارة هذه المؤسسات المهمة، وعن اختيار المدرسين فيها وقراء القرآن والحديث والوعاظ والأئمة، وكان هؤلاء جميعاً من وسائط التغيير وكان من المعروف أن صلاح الدين كان يعتمد على خبرة القاضي الفاضل في اختيار هؤلاء وهو في مصر، وظل على ذلك عندما انتقل إلى الشام، إذ كان يستشيره في الناحيتين التربوية والدينية وبعد أن هيأ صلاح الدين المصريين للانقلاب وقلم أظفار المؤسسة الفاطمية، كما ذكرنا ، بدأ بالإعداد للقضاء نهائياً على شعائر الخلافة الفاطمية - ففي سنة "565ه/1169م" أبطل الأذان "بحي على خير العمل وعلي خير البشر" ويعلق المقريزي بأن هذه أول وصمة دخلت على الدولة.

* ثم أمر بعد ذلك في يوم الجمعة العاشر من ذي الحجة "565ه/1169 - 1170م:، بأن يذكر في خطبة الجمعة الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان ثم علي.

* وأمر بعد ذلك بأن يذكر العاضد في الخطبة بكلام يحتمل التلبيس على الشيعة فكان الخطيب يقول: اللهم أصلح العاضد لدينك.

* وولى القضاء في القاهرة للفقيه عيسى الهكاري، وهو كردي من أقرب المقربين إلى صلاح الدين، وقد فعل هذا كبداية لتحويل هؤلاء في القاهرة التي كان أغلب أهلها من الإسماعيلية.

* كما عزل قضاة مصر من الشيعة، واستولى بعدها على ممتلكات العاضد وعلى القصور وسلمها إلى الطواشي بهاء الدين قراقوش الأسدي، فتحكم في مصر وصار يراقب كل صغيرة وكبيرة فيه، حتى أصبح الخليفة العاضد كالمعتقل في قصره.

* وفي بداية سنة "567ه،1171 - 1172م" قطع صلاح الدين الخطبة للفاطميين وكان قطعها بالتدريج أيضاً، ففي الجمعة الأولى في محرم "567ه/1171 - 1172م" حذف اسم العاضد من الخطبة، وفي الخطبة الثانية خطب باسم الخليفة المستضيء بأمر الله أبي محمد الحسن بن المستنجد بالله.

وقطعت الخطبة الفاطمية.

وقد توفي العاضد في العاشر من محرم"567ه/1171 - 1172م".

وقد اختلفت هذه العاشوراء عما تعود المصريون عليه من أشراف الدولة الفاطمية على البدع في يوم عاشوراء، من خطب مدمية للقلوب إلى مراث مؤثرة في آل علي رضي الله عنه نثير في نفوسهم الكثير من الأحقاد بواسطة القصص الموضوعة والأكاذيب المفضوحة، ويسبون الخلفاء من راشدين وأمويين، ثم ينصرفون إلى بيوتهم ليأكلوا القمح المسلوق والعدس وغيرها من المأكولات التي توارثتها أجيال بعدهم، وعرفت بعاشوراء حتى وقتنا الحاضر، ثم يصبحون في اليوم التالي ليبدأ عاماً جديداً من حياتهم، وأنظارهم موجهة إلى حكامهم، وكان الخليفة يحتجب في قصره يوم عاشوراء وعند الضحى يركب قاضي القضاة والشهود في لباس خاص ويذهبون إلى مشهد الحسين المزعوم، فيجلسون ومعهم قراء القصر والخطباء ، فيدخل الوزير في صدر المجلس وعلى جانبيه القاضي والداعي، ويشرع القراء في تلاوة نوبة نوبة والجميع خشوع، وما إن ينتهون من قرائتهم حتى يقوم الشعراء، وهم عادة من غير شعراء ااقصر، فينشدون أشعاراً أعدوها لهذه المناسبة المهمة، وكانت أشعارهم رثاء أهل البيت، فإن كان الوزير رافضياً تغالوا، وإن كان سنياً اقتصدوا.

ويظلون على هذه الحال مدة ثلاثة ساعات، وبعد الانتهاء من القراءة والإنشاد كانت تأتيهم رسل الخليفة تستدعيهم، فيغادر أول من يغادر الوزير وهو بمنديل صغير إلى بيته، وأما قاضي القضاة والداعي ومن رافقهما فيذهبون إلى بابا الذهب من القصر، حيث يرون منظراً يختلف عما تعودوا عليه، فالسجاجيد الثمينة قد طويت لتحل محلها حصر بسيطة ، وصاحب الباب جالس ينتظرهم. فيجلسون ، والناس من وجهاء البلد والعلماء والفقهاء والعسكر حولهم أو يجانبهم، فيقرأ قراء القرآن ثانية ، كما ينشد المنشدون فيبكون الحاضرين ثانية، ثم يفرش سماط الحزن وفيه نحو ألف زبدية من العدس والملوحات والمخللات والأجبان والألبان وأعسال النحل والفطير والخبز المغير لونه بالقصد.

ووقت الظهر يقف صاحب الباب وصاحب المائدة فيدخلان الناس للأكل، فيكون أول الداخلين القاضي والداعي ويجلس بقربهما صاحب البابا نيابة عن الوزير، ثم يدخل من يريد أن يأكل من الناس، وبعد الانتهاء من الأكل يغادر الجميع القاعدة ويطرق النائحون في القاهرة، ويغلق التجار حوانيتهم حتى العصر ثم يفتحونها.

وتعود الحياة طبيعتها بعد هذه البدع.

ولكم اشترك القاضي الفاضل في هذه الاحتفالات بحكم عمله وقربه من المؤسسة الفاطمية، لكن هذه العاشوراء اختلفت عما تعود المصريون عليه، فليس هناك قاضي قضاة، ولا داعي دعاة لأنهما عزلا، وليس هناك منشدون ولا نائحون يطوفون في شوارع القاهرة، لأن اليوم كان معداً لنوع آخر من الاحتفال، وهو الاحتفال بالقضاء على هذه الطقوس والمراسيم التي مارسها المصريون أكثر من مائتين عام، والقضاء على واضعي هذه الطقوس والمراسيم بشتى رموزهعا ومفاهيمها، ولم يذهب صلاح الدين إذاً إلى المشهد الحسيني - المزعوم - كعادة الوزير، بل ذهب إلى جامع عمرو بن العاص للصلاة فصلى ومعه عدد من أهالي الشام ومصر، وجلس بعد الصاة جانباً وبقربه القاضي الفاضل يتباحثان فيما أنجزاه منذ الجمعة السابقة التي تم فيها إلغاء الخلافة الفاطمية، وأثبتت فيها الدعوة للخليفة العباسي فدخل أحد الجنود مسرعاً وتوجه إليهما وقال لهما شيئاً وخرج، فنظر كل من صلاح الدين والقاضي الفاضل أحدهما الآخر فغمز القاضي الفاضل إليه وابتسما ابتسامة ارتياح وحبور، ثم سرعان غير صلاح الدين تعبير وجهه، وقال: لو عرفنا أنه - أي الخليفة العاضد - يموت في هذا اليوم ما غصصناه برفع أسمه من الخطبة.

فضحك القاضي الفاضل ورد عليه قائلاً: يا مولاي لو علم أنكم ما ترفعون اسمه من الخطبة لم يمت، فابتسم الحاضرون لهذه المداعبة الكلامية، بين الوزير صلاح الدين وكاتبه أو مستشاره التي انطوت فيها آخر صفحة من صفحات تاريخ الدولة الفاطمية، فقد توفي العاضد آخر الخلفاء في هذا اليوم، عاشوراء سنة "567ه/1171م" أي يوم ذكر مقتل الحسين بن علي. <

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد