;

هگذا فقدت واشنطن توجيه الاقتصاد الدولي 762

2008-11-02 03:37:29

سمير الصلاحي - جده

المتابع لتطورات الازمة الاقتصادية الدولية لا يمكنه الا ان يقول بكل بساطة تعليقا علي الأزمة الراهنة ,أن الرأسمالية فكرة وفلسفة وقيم وسلوكيات تعيش مرحلة احتضار تعبيراً عن نهاية حتمية حاولت الرأسمالية إنكارها ردحاً من الزمن وخاصة خلال سنوات ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وهي المرحلة التي حاولت خلالها الرأسمالية التعبير عن حقيقة خلودها وديمومتها ورسوخها كفكرة إنسانية عادلة ونموذجية وبالتالي حسبت الدول الرأسمالية سقوط الاتحاد السوفييتي على أنه انتصار للرأسمالية الفكرة والمنهج والإدارة والقيم .. لكن ما حاولت الرأسمالية تسويقه والتمسك به كانتصار مزعوم كشفته حقيقة تداعيات الأزمة المالية التي لم تبدأ بانهيار بعض المؤسسات المالية الكبرى في أمريكا وأوروبا ولا في إفلاس بعضها ولكن الأزمة المالية بدأت خلال العام الماضي حين راحت أسعار المشتقات النفطية تأخذ طريقا تصاعديا لا تحكمه قوانين السوق ولا تتحكم به قوانين العرض والطلب حينها كان العالم يقف مذهولاً من هول ذلك التصاعد النفطي الذي ألقى بتبعاته على اقتصاديات الدول الفقيرة فيما الدول الغنية راحت تبحث عن وسائل تحول دون الانهيار الشامل الذي فيه نهاية الرأسمالية الفكرة والقيم والأنماط السلوكية والاستهلاكية ..

لقد سعت واشنطن خلال شهور الأزمة التي راحت تعصف بمكوناتها الاقتصادية إلى محاولة إظهار الأزمة كأزمة دولية ونتاج معطيات ومتغيرات دولية وبالتالي عزل فكرة أن الأزمة هي تعبير حقيقي عن نهاية الرأسمالية وبالتالي يحتاج العالم إلى نظام جديد خاصة فيما يتصل بهوية هذا العالم الاقتصادية والمالية والتي لم تعد هويته الرأسمالية الراهنة تعبر عنه وعن تطلعاته وهذه الحقيقة تحاول واشنطن وبعض حلفائها في أوروبا تعويمها ونكران وجودها ورفضها حتى كمجرد فكرة خشية من فقدانها القدرة على السيطرة والتحكم وتوجيه الاقتصاديات الدولية وقدراتها إلى حيث تريد واشنطن وترغب به مؤسساتها المالية التي توجه مسار الاقتصاد الدولي عبر سيطرتها المطلقة على مؤسساته ومساربه وخطوط انسيابه ..!!

لقد حاولت واشنطن أن تجعل من حادثة ( 11 سبتمبر 2001م) بداية لهيمنة رأسمالية جديدة على العالم وبعيداً عن الصراع القطبي والمعادلات التوازنية الدولية , وتوهم بعض رموز تيار (المحافظين الجدد) في أمريكا أن الفكرة ممكنة التحقيق في ظل غياب القطب الآخر في المعادلة الدولية وفقدان الساحات المحورية التقليدية إقليميا ودوليا قدرتها على منافسة واشنطن خاصة بعد حادثة (سبتمبر) وإعلان واشنطن الحرب على ( الإرهاب) وبتلك الحدة والجدية والصرامة والوحشية التي انطلقت بها واشنطن فكانت الوسائل تعبر عن حقيقة الغايات , والتي قطعا لا تقف في نطاق ما يسمى ( الإرهاب) بقدر ما كانت الانطلاقة تعبر عن نوايا واشنطن الإستباقية للأزمة التي تعيشها اليوم الرأسمالية بكل مكوناتها السياسية والثقافية والاقتصادية والسلوكية والقيم والأنماط الاستهلاكية وبالتالي لم يعد هناك ثمة شك في أن الأزمة الاقتصادية الدولية الراهنة بكل صورها ومسمياتها هي تعبيراً عن نهاية للرأسمالية الفكرة والنظام وهو التحدي الذي يواجه الدول الآخذة بنظام الرأسمالية , مع التأكيد على حقيقة جوهرية وهي أن الرأسمالية السائدة حاليا ليست هي الرأسمالية التي نادى بها رموز الفكر الرأسمالي ومنه ولدت الاشتراكية داخل أوروبا فالاشتراكية السوفييتية قدمت من رحم الرأسمالية فكان هناك رأسمالية أوروبية وتصدت لها اشتراكية أوروبية وفي كل المتضادين والمتناقضين لم يكون هناك مساحة لديهما لاستيعاب النطاق العربي / الإسلامي لكن في الأخير حدث ما حدث من التبعية والارتهان فغابت الهوية العربية _الإسلامية وتوزعت مجتمعاتها وقيمها وذاكرتها بين القطبين المتناحرين دون أن يكون لا للعرب ولا للمسلمين منافع تذكر أو فوائد جراء تبعيتها لهذا القطب أو ذاك بل شكلت هذه التبعية عائقا أمام النمو الاقتصادي العربي / الإسلامي وفقد العرب والمسلمون كل إمكانيات التقدم والتنمية والتطور على خلفية تسليمهم بكل ما تطرحه محاور التأثير القطبي وفيما شكل انهيار الاتحاد السوفييتي نهاية للأنظمة العربية والإسلامية والعالمثالثية التي كانت آخذة بفلسفة تلك الإمبراطورية سياسيا واقتصاديا وحياتيا فإن سلسلة الأزمات الاقتصادية المتعددة المظاهر والمسميات والتي طالت النظام الرأسمالي وأتباعه كانت وخلال العقدين المنصرمين تعبيرا أصيلا عن نهاية الرأسمالية وفشلها , فالفشل لم يقف في نطاق الاتحاد السوفييتي والفكر الاشتراكي الذي أخذ به , بل حتى الرأسمالية ممثلة بأمريكا وأوروبا فشلت هي الأخرى فكراً وثقافة وقيم وحين هربت في البداية أوروبا إلى ( الوحدة ) واعتبرتها هي المنقذ للمسار والوجود وهذا ما تم فعلا فلولا الوحدة الأوروبية لكانت الدول الأوروبية اليوم في حالة تناحر واحتراب ولكن تمكنت _الوحدة الأوروبية _ من جمع مكونات القارة الأوروبية فيما واشنطن زعيمة الرأسمالية والعالم الحر والإمبريالية الفكرية حاولت الهروب من شرنقة الاستحقاق الحتمي إلى خارج حدودها متخذة من الترسانة العسكرية وسيلة للبقاء والديمومة ولكن هذا الخيار لم يعد ينسجم مع المتغيرات الحضارية الدولية وإن تحقق ونجحت واشنطن في الوصول إلى أفغانستان والسيطرة على شبه القارة الهندية ودول وسط آسيا , وكذا الوصول إلى العراق والسيطرة على منطقة الخليج مشكلة حزام جيو إستراتيجي يلتف حول من تصفهم بمحور الشر وبهذا الحضور تكون واشنطن_ مجازا_ مهيمنة على مناطق الثروة ومنابعها ومتحكمة بطرقها البحرية عبر أساطيلها المتناثرة في كل المضايق والممرات المائية وطرق الملاحة الدولية وهذا يجعل كل المحيطات تحت سيطرة واشنطن عسكريا، لكن هذا الخيار فقد أهميته بتداعيات درامية حلت على الخارطة الاقتصادية الأمريكية التي أخذت عناوينها في الانهيار واضعة الإدارة الأمريكية والدولة الأمريكية بكل قدراتها وإمكانياتها أمام سلسلة من التحديات يصعب الخروج منها بسهولة كما يستحيل تجنب ويلاتها دون إعادة النظر الجاد بالفكرة الأساسية للمنهج الرأسمالي وهذا ما دفع بعض رموز الفكر والثقافة الرأسمالية إلى إعادة النظر بالنظام المالي الدولي وهي دعوة مغلفة لكنها في الحقيقة دعوة صريحة لإعادة النظر بالرأسمالية الفكر والمنهج والقيم ..

قد لا يستوعب البعض حقيقة الانهيار الرأسمالي واحتضار الرأسمالية والفكر الليبرالي برمته على خلفية القدرات العسكرية والتقنية المتاحة راعية النظام الرأسمالي "أمريكا" لكن أمريكا ليست كدولة قادرة على توجيه الرأسمالية والسيطرة على أدواتها إن لم تكن الوسائل الرأسمالية والتي تمثل القاعدة للفكرة مستفيدة من أمريكا الدولة فالرأسمالية هي من أو جدت أمريكا ومنحتها هذه المكانة وليس العكس , وهذا يجعل من حتمية النهاية الدرامية للرأسمالية فكرة مقبولة نشاهد تداعياتها في صراع الاحتضار الذي يعيشه الاقتصاد الأمريكي والغربي والدولي بصورة دفعت كبرى المؤسسات المالية الدولية النافذة إلى التوافق والتوحد في توجيه مسار الأزمة بحيث تصبح كونية وتلقي بظلالها على الاقتصاد الدولي بكل أطيافه وهوياته ومعتقداته الفكرية والفلسفية خوفاً من هذه المؤسسات على أن يؤدي حصر الأزمة في نطاقها الأمريكي _ الأوروبي وحسب إلى بروز محاور قوة اقتصادية من شأنها أن تخل بمعادلة السيطرة والتوجه والنفوذ .. وفي هذا اعتقد أن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "هنري كيسنجر" استبق الأزمة بأسابيع وراح ينشر تصوراته عن الطفرة المالية التي حلت بدول النفط وقصد _كسينجر_ تحديداً الدول النفطية العربية وراح يهاجم طريقة حصولها على الثروة فيما هي مجتمعات صغيرة ومحدود السكان ..؟؟ لا شك أن في طرح كيسنجر ما يدل على أن معالجة الأزمة التي تسببت بها الدول الرأسمالية في الغرب ومنها أمريكا دفعت بمراكز صناعة القرار الدولي إلى تعميم ظواهر الأزمة ومن ثم مصادرات الاقتصاديات والقدرات لكل بلدان العالم لخلق وعي جديد يبعد فكرة إمكانية انهيار الرأسمالية فكراً ومنهجا ويحل محلها فكرة الخطأ التكتيكي الذي وقعت به بعض المؤسسات المالية الأمريكية ومن ثم نقر بأن الأزمة غير ذات صلة بمنهج الإدارة والفكر الموجه ' ونواصل قبولنا بفكرة خلود الفكر الرأسمالي وكل قيم وثقافة الليبرالية ..!

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد