ممدوح طه
ردد بعض المعلقين الروس المثل الروسي القائل «لأن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي إطلاقا»، مع بداية الزيارة التاريخية للزعيم الليبي معمر القذافي لروسيا الاتحادية في أول زيارة له إلى موسكو منذ ما يقرب من ربع قرن، والتي تأخرت بعد آخر زيارة له للعاصمة السوفيتية عام 1985م.
والتي جاءت ردا على الزيارة التاريخية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الجماهيرية التي جاءت هى الأخرى متأخرة كأول زيارة لرئيس روسي إلى ليبيا على الإطلاق منذ تأسيس العلاقات بين البلدين عام 1955، وآخر زيارة لبوتين كرئيس للدولة في بلاده.
وبعدما فتح الزعيم الليبي معمر القذافي الطريق الاتحادي نحو الجنوب الأفريقي ، ونجح في إزالة العوائق في الطريق إلى الشمال الأوروبي والغرب الأميركي وطوى صفحة العداء البواح بين الجانبين.. اتجه قائد ثورة الفاتح الليبية نحو الشرق من جديد لتوسيع الطريق المزدوج ذي الاتجاهين بين طرابلس و موسكو استكمالا لمد الجسور والقنوات مع الجهات الأربع من العالم .
تحقيقا للتوازن في العلاقات بين الجنوب والشمال من جهة وبين الشرق والغرب من جهة أخرى لتعزيز الأمن السياسي والاقتصادي والعسكري لبلاده بعد عقدين من العداء للغرب والجفاء مع الشرق . وبينما كانت مرحلة العداء ضد ليبيا مقررة من جانب الغرب عقابا لها على عدائها لإسرائيل وتصديها للقضايا العربية ، وعلى صداقتها القوية لروسيا في فترة الحرب الباردة بين الشرق والغرب .
حيث كان الطغيان الأميركي الذي يريد التفرد بالهيمنة على المنطقة العربية الغنية بالنفط يرفض أية سياسات لأية دولة عربية تتخذ طابع الحياد بين موسكو وواشنطن ولا يقبل إلا بالتبعية الأميركية، أو لأية دولة عربية تسعى لتعزيز العلاقات مع الدولة السوفييتية لضمان أمنها ضد التهديدات الإسرائيلية المدعومة أميركيا، أو لمواصلة تنميتها الوطنية المستقلة لتجاوز الممانعة الأميركية للتنمية الوطنية المستقلة وفق خيارها الرافض للتبعية!
كانت مرحلة الجفاء الليبية الروسية مبررة من كلا الطرفين، بعد أن شهدت تطورا عاليا على مدى عقدين في السبعينات والثمانينات وصل إلى ذروة التعاون المتبادل على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية برغم التباينات الأيديولوجية الواضحة بين النظامين الشيوعي السوفييتي والاشتراكي الليبي في ذلك الوقت.
حيث تراجعت العلاقات الليبية الروسية في التسعينات من القرن الماضي، وانعكست التطورات السياسية والأزمة الاقتصادية في روسيا في السنوات الأولى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي خصوصا بعد سياسات يلتسين الذي مال نحو الغرب على مستوى هذه العلاقات، خاصة بعد مشاركة روسيا غير السوفييتية في القرار الأنجلو أميركي إلى مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على ليبيا في عام 1992. فتجمدت العلاقات الثنائية، ما أسفر عن خسائر الطرفين على حد سواء.
غير أن هذه العلاقات عادت إلى الانتعاش في السنوات الأخيرة، لحاجة الطرفين في ظل المعادلات الإقليمية والدولية الجديدة والتراجع المتواصل للهيمنة الأميركية في العالم خصوصا بعد الأزمة الاقتصادية في العالم، والشكوك التي تحيط علاقات كل من روسيا و ليبيا لمستقبل العلاقات مع أميركا بعد الحروب الأميركية العدوانية السافرة في العراق وبالوكالة في جورجيا.
فعادت البعثات المتبادلة من السياسيين والاقتصاديين والعسكريين وآخرها زيارة حاملة الطائرات الروسية للموانيء الليبية في طريقها إلى فنزويلا كما يجري تبادل الزيارات الرسمية على مستويات رفيعة. فيما وصفته قناة «روسيا اليوم» بأنه «الحنين إلى الماضي».. زمن التوازن بين القطبين الذي كان يتيح للدول الصغرى حق الاختيار الحر في التنمية الوطنية و السياسية المستقلة.<