شكري عبدالغني الزعيتري
قيل : عن أهمية النفط بأن له تأثيره الكبير كسلاح فعال يؤدي إلى الانتصار أو الهزيمة في الحروب. . . ؟ وأكدت ذلك شواهد ووقائع كثيرة حدثت ونعطي هنا مثالين اثنين هما : الأول على مستوي الصراع الدولي والعالمي (الحرب العالمية الثانية ). . والثاني على مستوى الصراع الإقليمي (العربي الإسرائيلي).
فالمثال الأول نقول انه : بمطالعتنا مجريات الحرب العالمية الثانية اتضح بأنه في مرحلة البداية لاشتعالها ظهرت أهمية وتأثير النفط كعامل رئيسي وكسلاح حرصت أمريكا بان يؤدي إلى انتصار أمريكا وحلفائها في الحرب العالمية الثانية والذي رأت إن أهملته كان من الممكن أن يؤدي إلى هزيمتهم وخسارتهم و نورد بعض مقتطفات لما حدثت من مناقشات حول النفط في تلك الفترة إذ يتضح مما ورد في مذكرة رئيس الهيئة المشتركة لرؤساء الأركان لدول التحالف (الأدميرال ليهى)والموجهة إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إذ في 8 يونيو 1943 وجه الأدميرال (ليهى) بالنيابة عن الهيئة المشتركة لرؤساء الأركان مذكرة إلى الرئيس روزفلت يحذر من أن أمريكا ليس لديها مخزون كاف من النفط الخام المحلي اللازم لتلبية متطلبات القوات المسلحة والاحتياجات المدنية الأساسية. وشددت المذكرة على أن دواعي الأمن القومي تتطلب اتخاذ خطوات فورية لضمان استمرار السيطرة على احتياطيات نفطية كافية لتلبية احتياجات أمريكا وأوصت بأن تقوم هيئة التعمير والتمويل التابعة للحكومة بتأسيس هيئة يكون الغرض منها امتلاك احتياطيات بترولية خارجية. وقد اقتنع الرئيس الأمريكي روزفلت بأهمية المشكلة، وجه (ليهى) لمقابلة وزير الخارجية(هول) شخصياً، لوضع الترتيبات اللازمة لحصول الحكومة الأمريكية على احتياطيات نفطية كافية عن طريق اكتساب حصة في حقول النفط السعودي. (المصدر : العلاقات السعودية الأمريكية بنسون لي جريسون ترجمة : سعد هجرس سينا للنشر القاهرة ص31 32 ) واجتمعت لجنة تضم ممثلين عن وزارات الخارجية والحربية والبحرية والداخلية ومكتب التعبئة الحربية. ونتيجة لذلك عقدت الاجتماعات المقترحة في منتصف يونيو 1943 برئاسة جيمس بيرنز القاضي السابق بالمحكمة العليا وزير الخارجية فيما بعد والذي كان يعمل حينئذ مديراً لمكتب التعبئة الحربية. واتفق جميع أعضاء اللجنة على الرأي الذي ضمنوه تقريرهم وأرسلوا التقرير إلى الرئيس في 25 يونيو 1943م وقد أوصى هذا التقرير بإنشاء هيئة تسعى لامتلاك احتياطيات نفطية خارجية قبل أول يوليو 1943 وأن تبدأ على الفور خطوات لامتلاك حصة في حقول النفط السعودية البالغة الأهمية. . . وقد أنشئت الهيئة المقترحة في الموعد المقرر يوم 30 يونيو 1943 تحت اسم (بتروليوم ريزيرفز كوربوريشن) وقد سعي الأمريكيين في هذا لإدراكهم بأهمية النفط في الحرب العالمية الثانية وفي قدرتهم لمواصلة المواجهة ضد خصومهم في الحرب ولذا سعوا نحو تأمين مخزون كافي من النفط. . .
والمثال الثاني نقول انه : بمطالعتنا مجريات الحرب التي نشبت بين مصر وإسرائيل في 6 أكتوبر 1973م ( نجد ما يدلل عملياً أهمية النفط والذي كان كسلاح انتصار في حرب 6 أكتوبر 1973م إذ وقعت هذه الحرب وأسبابها الظاهرة تحرير أرض مصر المحتلة (شبه جزيرة سينا ومشارف خليج العقبة) من الاحتلال الإسرائيلي وحين تهاوى خط بارليف، انزعج الأمريكان لدرجة أن هنري كيسنجر قد صرح بقوله : (لقد انطلق المارد من القمقم ولقد وصلت الأمور إلى درجة يصبح فيها كل تحرك انتحاراً أو كل تردد كارثة ولا جدوى بعد من استدراج الفرقاء لوضع حد للحرب) (المصدر : الطريق إلي بيت المقدس القضية الفلسطينية د جمال عبدالهادي مسعود د / وفاء محمد رفعت جمعه دار التوزيع والنشر الإسلامية القاهرة ص 515 ).
وقال في تلك الفترة ( دايان) وفي يوم 9 أكتوبر أمام الصحفيين: (إن حالة التفوق الإسرائيلي قد أسقطتها وأثبتت بطلانها المعارك الدائرة الآن على الجبهة التي كشفت للعالم أننا لسنا أقوى من المصريين)(المصدر : لعبة الأمم والسادات، محمد الطويل الزهراء للإعلام).
وأنزعج اليهود والأمريكان لما وقع إذ رأوا إن الأمر يكاد يخرج من أيدي المخططين وسيطرتهم وأن المارد قد خرج من القمقم، ومن هنا كان الجسر الجوى والبحري من الإمدادات الأمريكية، والأوروبية من السلاح، وأستطاع اليهود أن يحدثوا لأنفسهم موضع قدم على الضفة الغربية لقناة السويس عبر منطقة البحيرات المرة بين الجيشين الثاني والثالث المصري، وألقت الولايات المتحدة بثقلها تطلب من النظام المصري وقف أطلاق النار، وقبلت مصر وتظاهر اليهود بالقبول وأثناءها طوروا هجومهم حتى وصلوا إلى ميناء الأدبية والزيتية بالسويس، وواصلوا تقدمهم حتى وصلوا إلى الكيلو 101 طريق السويس مصر وبعدها قبلت مصر بالذهاب إلى مؤتمر جنيف، وبعدها قبلت مصر مفاوضة العدو اليهودي على أرض مصر عند الكيلو 101 لتوقيع ما يسمى باتفاقية فصل القوات، وتم الفصل، وكانت مكسباً ضخماً للعدو وخسارة عظيمة للأمة العربية والإسلامية. أن العدو اليهودي قد وافق على فك الارتباط في قناة السويس لإنقاذ قواته المعزولة غرب القناة. . من الهلاك، وللعودة لحالة اللا سلم واللا حرب. . والدخول في مساومات جديدة. وأتضح أن أمريكا لم تسهر الليالي، وتنتقل بين القارات، في شخص وزير خارجيتها وتعمل على فك ارتباط القوات. . لم تفعل ذلك أساساً إلا من أجل (رفع الحظر عن النفط. ) الذي أعلنه العرب كأحد أدوات المواجهة والحرب في 1973م. . . وفي تلك الفترة قال هنري كسينجر التصريح التالي : (إن التقدم الذي تم تحقيقه في الشرق الأوسط منذ حرب أكتوبر مبعثه جهود الولايات المتحدة الدبلوماسية وحدها. . وأن الإبقاء على حظر النفط يجب أن يفسر بأنه شكل من أشكال الابتزاز، كنت أعتقد أن التقدم في المفاوضات سيؤدي إلى رفع الحظر. . ) هذا هو تصور هنري كيسنجر في هذه النقطة. . . وبعدها قام العرب برفع الحظر عن النفط. . وبهذا فقدوا أمضى سلاح استراتيجي ووقعوا فريسة لخداع أمريكا واليهود. . . كما إن إغلاق المضيق في وجه العدو عملية خنق استراتيجيه تكتم الأنفاس وتشل الحركة وتفوض جميع الاستعدادات، فالعدو يتلقى عبر الممر شحنات من النفط تنقل بحراً وتبلغ الشحنة الواحدة من 80 إلى 120 ألف طن، يمر هذا النفط من خلال فلسطين المحتلة بواسطة طريق بحري يمتد من إيران إلى المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، ثم يتجه شمالاً إلى خليج العقبة ليتم تفريغه في إيلات وعن هذا الطريق يتلقى العدو أربعين مليون طن من النفط سنوياً. وقد صرح احد الخبراء العسكريين في إسرائيل في تلك الفترة بقوله التصريح التالي : (بمجرد فرض الحصار على باب المندب الذي هو أخطر بكثير من شن الحرب علينا إننا نخنق استراتيجيا الآن ولابد من فك الحصار بأي وسيلة) (المصدر : الطريق إلي بيت المقدس القضية الفلسطينية د جمال عبدالهادي مسعود د / وفاء محمد رفعت جمعه دار التوزيع والنشر الإسلامية القاهرة ص 560 ).
وقد أجرت الفاينانشل تيمز الأمريكية تحقيقاً عن حصار باب المندب قالت فيه: (إن كل إجراء لوقف أطلاق النار يعتبر ملغي وعديم الجدوى في نظر إسرائيل ما لم يرفع العرب الحصار عن باب المندب). والواقع أن إغلاق المضايق المؤدية إلى البحر الأحمر أحدث تأثيراً خطيراً مباشراً على الاقتصاد الإسرائيلي باعتبار أن هذا المضايق هي المنفذ الوحيد لإسرائيل إلى أفريقيا وآسيا والشرق الأقصى وليس اقتصاد العدو هو الذي تأثر فحسب إذ أن التحرك العسكري يعتمد على النفط وكان كل يوم مر من الحصار يمثل شللاً جديداً في هذا التحرك ويرفع الحصار عن العدو في باب المندب يكون كيسنجر قد أعاد الحياة للعدو. ) (المصدر : الطريق إلي بيت المقدس القضية الفلسطينية د جمال عبدالهادي مسعود د / وفاء محمد رفعت جمعه دار التوزيع والنشر الإسلامية القاهرة ص 506 510). . . إذن نخلص إلي القول من طرح هذان المثالين بما أن الدول العربية تمتلك النفط وبكميات كبيرة ومخزون عالي عما لدى دول العالم إذ فقط يمثل نسبة ما ينتج ( من دول الخليج العربي ما نسبته 42% من احتياجات العالم للنفط). . كما تعبر ناقلات النفط إلى بلدان قارات العالم المستهلكة ولكامل احتياجاتها من أربعة مضايق بحرية تشرف عليها الدول العربية (مضيق باب المندب ) ويصل البحر الأحمر بالبحر العربي و(مضيق قناة السويس) ويصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر و(مضيق جبل طارق) و يصل البحر المتوسط بالمحيط الأطلسي و(مضيق هرمز) ويصل دول الخليج الأكبر أنتاجاً للنفط بكافة دول العالم المستهلكة. . وهاتان الميزتان واللتان تمثلان سلاح اقتصادي وسلاح جغرافي من أكثر الأسلحة التي يمكن أن يواجه بها العرب أي دولة أجنبية تحاول أن تعتدي على سيادة دولة عربية أخري في ظروف (الحرب). . وتمثل أيضاً أدارة ضغط سياسية واقتصادية على أي دولة تعتدي على مصالح أي دولة عربية في ظروف (السلم) وحتى في ظروف (اللا سلم واللا حرب). . فمن خلال هذه الأدوات يمكن أن تتحقق للدول العربية النفوذ والهيمنة. . وأيضا حماية مصالحهم وأموالهم وثرواتهم المعرضة للابتزاز من قبل أمريكا ودول أوروبا الصناعية الكبرى وإسرائيل ومنع ما يحدث بالوقت الراهن من اعتداءات ويمكن أن تتحقق للدول العربية النفوذ لتامين مصالحها لدي دول العالم اجمع. . . وبأكثر مما تحققه الإمبراطورية الأمريكية الغاشمة لنفسها اليوم من نفوذ سواء (منفردة). . و حتى حين تجتمع مع حلفاء معها من أوروبا أو دول أخري بالقارات الأخرى. . . ألا أننا نلاحظ أن هذه الأدوات (النفط ومضايق المنافذ البحرية للملاحة الدولية) لا. . ولم تستغل الاستغلال وبما هو في صالح العرب ودوله العربية ليس فقط في ظروف حرب أو ظروف سلم أو ظروف اللا حرب واللا سلم. . بل حتى فيما هو أدنى من هذه الظروف في جمع الكلمة الواحدة لقادة الدول العربية واتفاقهم على مصالح متكاملة ومصالح مشتركة. . أو حتى في منع ودفع الأذى عن دول عربية تتعرض لظلم وعداء من عدو أجنبي. . بل نجد الأمر من هذا أن هذه الأدوات انجد تستغل لقهر وإرضاخ والاعتداء على سيادة وسلام بلدان عربية والحرب ضدها. . وإذلال شعوبها وأكبر شواهد على هذا ما جرى للعراق وشعبها ويجري حالياً. . وما جرى للبنان وشعبه في حرب 2006م. . وما جرى من محاولات العزل (السياسي والاقتصادي ) لسوريا. . وما جرى من محاولات العزل (الاقتصادي ) لليبيا. . وما يجري من تهديد للسودان في الوقت الحاضر ومحاولة تقسيمه إلي كيانات صغيرة ونهب ثرواته. . . الخ أذن نلخص إلى القول بأن النفط العربي سيف حاد بيد عجوز لا تقوى على تحريكه للدفاع عن نفسها كمرآة. . وارتعاش يديها لكبر السن يدار السيف نحو جسدها فتجرح وتذبح أجزاء من جسدها وأوصاله فتارة تجرح الصدر وتارة تجرح اليد وتارة تجرح الرجل. . ومستمرة في هذا التجريح وتتزايد الجروح التي لم تلتئم وتتقيح وقد تؤدي التقيحات إلي التقطيع لأوصال الجسد. . حتى تصل في نهاية المطاف وجهده العجوز إلى قطع رأسها ومن ثم الموت وقد يكون هذا بالمستقبل ما لم يتم تدارك الأطباء الحكام والأطباء السياسيين العرب في لملمة أوصالها و الحام أجزاءها واشفاء تقرحاتها بعمليات جراحية وان كانت مؤلمه في بدءها ولكن ألمها سيكون مؤقت وسيزول. . . وهذا الألم أفضل من الموت الحتمي والزوال. . وفي أحسن الأحوال من بقي علي قيد الحياة سيخضع للعبودية والاسترقاق واللهو واللعب بعرضه من قبل الأعداء للأمة العربية والإسلامية. . وما تم في سجن أبو غريب في العراق لأكبر شاهد على هتك العرض وسيعاد تكراره إن سمحت الفرص للأعداء في المستقبل ولأي عرب يريدون المساس بهم. .
نستقبل آراء القراء للكاتب على البريد الالكتروني للكاتب
Shukri_alzoatree@yahoo. com