هاني عبدالحميد كرد
كنا في ندوة من ندوات مركز منارات، ذلك الصرح العلمي الثقافي الذي استفدنا فيه كثيراً وخرجنا منه بمعلومات كثيرة، ومن هذه المعارف التي استفدناها في ذلك المركز العظيم كيف كانت اليمن في عهد الدولة الرسولية؟ كيف كان يتعامل الحكام مع العلماء؟ وكذلك كيف كان يسعى العلماء إلى نشر العلم في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والزراعية والدينية؟ حتى صار العديد من الحكام في هذه الدولة علماء ينشرون العلم ويؤسسون المدارس والمستشفيات والمعاهد، كيف غرس هؤلاء العلماء الملوك التسامح والتقارب والتآلف والوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية بشكل عام؟ حيث كانت هذه الدولة تمتد إلى عمان ومكة والمدينة وكيف كان هؤلاء العلماء الملوك ينصرون قضايا الأمة؟ ومما يذكر في ذلك أن مجموعة من مسلمي الصين جاءوا إلى الحج والتقوا بأحد ملوك الدولة الرسولية وشكوا له ما يتعرضون له من مخالفات من ملك الصين فأرسل إلى ملك الصين هدية وأرسل له أيضاً سيفاً وكأنه يقول لملك الصين إن أردت السلام فخذ هذه الهدية وإن لم ترد السلام فهذا السيف بيننا وبينك، ولست مبالغاً إذا قلت أن كل الدول التي قامت في اليمن كانت تحكم أغلب أجزاء اليمن، وإن وجدت هناك دويلات قامت في أجزاء معينة من اليمن، وقد تجد أكثر من دولة في وقت واحد والدولة الرسولية حكمت اليمن من أقصاه إلى أقصاه، إلى عمان ومكة والمدينة، حيث يشير الكثير من المؤرخين أن اليمن إلى مكة والمدينة فقد قال العلامة سلمان العودة في كتابه جزيرة الإسلام: من كان يظن أن اليمن هي هذه الدولة التي تسمى اليوم باليمن فهو مخطئ، اليمن إلى مكة، والمدينة أول من سكنها أهل اليمن صلى الله عليه وسلم بل بعضهم نسب النبي إلى اليمن لأنه جاء في بعض الأشعار والآثار أنه النبي القرشي التهامي وتهامة من اليمن والأدلة كثيرة التي تثبت ذلك، نعم اليمن موحدة منذ الأزل، وأن اتحدى أي واحد أن يأتي بدليل تاريخي يثبت فيه أن اليمن كانت قسمين أو أن الجنوب ليس من اليمن، حتى ذلك الرجل الذي ظهر قبل أشهر في قناة "BBC" وتكلم بكلام ركيك وألفاظ تدل على أن الرجل لا يمتلك ذخيرة علمية تؤهله أن يتكلم في مثل هذه القضايا المصيرية حيث وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على توحد اليمن، حتى الصحابة والتابعين من القرون الأولى كانوا إذا ذكروا علماء عدن ولحج وحضرموت وغيرها كانوا يقولون ومن صعيد اليمن من أهل حضرموت وعدن فلان وفلان كما جاء عن القاضي عياض وغيره ولا أريد أن أذكر المراجع التي تذكر أن اليمن موحدة منذ الأزل ولكن أكتفي بذكر:
1- طبقات فقهاء اليمن 547ه.
2- تاريخ مسلم اللحجي المتوفي 550ه.
3- العقود اللؤلؤية للخورجي
4- ياقوت الحموي.
5- الهمداني الإكليل وصفة جزيرة العرب وغيرها.
كل هؤلاء العلماء والمؤرخين وغيرهم كثر، وأظن أنه لم يكتب أحد من العلماء والمؤرخين بمثل هذا الكلام الذي لا يقوله إلا جاهل.
ومن الأدلة التي تدل على توحد اليمن أن المحافظات الجنوبية أو بعض منها إنما سميت بأسماء الأولاد حمير مثل عدن ولحج وأبين فهذا يدل على عظم اليمن ووحدته.
قال أحد الشعراء الجاهليين عندما كان متوجهاً إلى عدن:
تقول عيسي وقد وافيت مبتهلاً لحجاً وبانت لنا الأعلام من عدن
أمنتهى الأرض يا هذا تريد بنا فقلت كلا ولكن منتهى اليمن
إذاً فالكل يعلم أن اليمن موحد منذ الأزل ولم ينفصل أي جزء منه إلا في عهد الدولة القاسمية عندما أعلن الشيخ/ فضل بن علي بن صلاح السلامي انفصال لحج وعدن عن الدولة المركزية في صنعاء سنة 1728م ومع هذا فقد كانت اليمن موحدة بين أبنائها.
أخي القارئ: هذه هي اليمن وهذا هو تاريخنا وتراثنا الذي يجب أن نعلمه الأجيال ونكتبه بماء من ذهب.
هذا هو تاريخنا الذي نقله إلينا العلماء المجاهدون، فما أحلى أن تكون الدولة متصلة بعلمائها تشاورهم وتأخذ بآرائهم فوالله وتالله وبالله ما خابت أي دولة أخذت برأي علمائها وأقرب شاهد على ذلك الدولة الرسولية.
وهناك ظهر من يشيع بين الناس أن الجنوب ليس من اليمن والواقع يثبت زيف هذا الكلام وبطلانه.
أما ما يسمى بدولة اتحاد الجنوب العربي فالناس يعلمون علم يقين أن هذه التسمية إنما جاءت إبان الاحتلال البريطاني بل هي صنيعة بريطانية جاءت من أجل سلخ جنوب اليمن عن هويته اليمنية، وفي هذه الأيام ظهر من يعيد نشر مثل هذه الأفكار التي قد عفى عليها الزمن ولكن تحت مسمى منظمة "تاج" هذا التنظيم الذي يدعوا إلى الانفصال ورفع علم غير العلم اليمني ويطالب قوات الاحتلال اليمني كما يزعم بالرحيل ويعدهم بالنصر القريب، "يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا
إنما هو امتداد لتلك الأفكار الانفصالية التي تتبناها مجموعة من قادة الأحزاب إبان الاحتلال البريطاني ومن هذه الأحزاب حزب الرابطة حيث أعلن أمينه العام في تلك الفترة قائلاً: "إن الرابطة تؤيد فكرة توحيد القطرين الجنوب العربي "يعني جنوب اليمن" واليمن لا على أساس أن الجنوب تابع وخاضع لليمن أو بعض منه، أو أن عرب الجنوب ينتسبون إلى العرق اليمني بل على أساس قطرين عربيين متجاورين، بل لا تقر الرابطة نظرياً المبدأ القائل بأنه يجب على الجنوب أن يتوحد مع اليمن أولاً وقبل كل شيء فمهما كان النظام القائم في اليمن هذا موجود في أدبياتهم وأفكارهم.
اليمن موحد قديماً وحديثاً وكل الحوادث تدل على توحد اليمنيين وما حصل في حضرموت والمهرة من بلاء وابتلاء وكيف أن اليمن كلها من أقصاها إلى أقصاها تألمت لهذا الحدث الأليم وبكت العيون وهب الناس لنجدة أخوانهم المتضررين لأكبر دليل على التآلف والتقارب والود بين أبناء اليمن الواحد. <