شكري عبد الغني الزعيتري
انطلقت مسافراً من أمانة العاصمة إلى محافظة حضرموت يوم الثلاثاء الماضي الموافق 4 نوفمبر 2008م بالساعة الخامسة عصراً ومع فريق حملة إغاثة تحمل إعانة عينية مكونة من الملابس "معاوز وشمزان وأثواب" مقدمة من شركة التبغ والكبريت الوطنية "كمران" لأبناء محافظة حضرموت المتضررين من السيول، إذ تعتبر هذه الشركة صرحاً اقتصادياً كبيراً نفتخر به كيمنيين وبنجاحها المتنامي سنة تلو أخرى، وفي ظل قيادتها المحنكة الفذة النشطة والطموحة ممثلة برئيس مجلس إدارتها الشيخ/ توفيق صالح عبدالله الذي أمر بتوجيهاته للمختصين بالشركة سرعة الإسهام في عون وإغاثة المنكوبين ممن لحقهم أضرار السيول وقام بإشراف مباشر وحث عاجل حتى خروج وانطلاق السيارات المحملة بالملابس المتنوعة وفراشات الإسفنج والبطانيات للإسهام في إغاثة المتضررين من أبناء أسر محافظتي حضرموت والمهرة ومحافظة الحديدة المنكوبات للإسهام في تخفيف معاناة ومأساة الأسر من الأطفال وكهول وعجائز، رجل وامرأة لا حيلة لهما ولا قوة من أبناء محافظات حضرموت والمهرة والحديدة، إذ لم تكن تلك المساعدات "الإعانة" العينية المقدمة من شركة التبغ والكبريت الوطنية "كمران" الأولى فقد سبقها أن قدمت شركة التبغ والكبريت مساعدة مالية نقدية بمقدار ثلاثون مليون ريال في اليوم الأول من إعلان محافظتي حضرموت والمهرة محافظات منكوبة بالإضافة إلى خصم قسط يوم من راتب كل موظف بالشركة، والجدير بالذكر القول بأن لشركة التبغ والكبريت الوطنية "كمران" حضور كبير ودائم في الأعمال الخيرية ودعم المشاريع العامة التي تسهم في بناء المجتمع، وحيث قد ركبت سيارتي ومعي رئيس الحملة المكلف من قبل رئيس مجلس إدارة شركة التبغ مباشرة وسرنا خلف السيارات المحملة بالمعونة العينية يوم الثلاثاء الموافق 4/نوفمبر 2008م متجهين إلى سيئون، وحين وصولنا إلى مدينة مأرب الساعة الثامنة ليلاً لم نتوقف فيها وتجاوزناها عبوراً، إذ كان هدفنا ونصب أعيننا محافظة حضرموت نريد الوصول إليها بأسرع وقت ممكن للاطمئنان على إخواننا وبأبنائنا من أهالي حضرموت وبعبورنا مدينة مأرب وتجاوزها دخلنا الخط الإسفلتي الصحراوي الطويل الرابط بين المحافظات الشرقية والشمالية وبالعاصمة "صنعاء" الذي هو أحد منجزات الوحدة اليمنية وضمن شبكة الطرق التي ربطت المحافظات الشمالية بالشرقية والجنوبية بالغربية، وفي الساعة الواحدة من منتصف الليل وصلنا إلى منقطة "بن عيفان" وهي منطقة مفرق يتفرع منها طريقان الأول متجه نحو مدينة سيئون وباقي مدن وادي حضرموت القطن وتريم وشبام وقراها ومزارعها ووديانها ويمتد حتى محافظة المهرة ومديرياتها، والطريق الثاني متجه نحو مدينة المكلا عاصمة حضرموت ومناطق حضرموت الساحل غيل باوزير والشحر وقصيعر والريدة ويمتد حتى سيجوت الغيظة عاصمة محافظة المهرة، وفي الصباح الباكر في اليوم التالي الأربعاء التقينا مدير عام مديرية حورة ووادي العين الذي كلف من قبل محافظ المحافظة لاستقبال المساعدات العينية التي خصصت لمناطق متضررة في وادي حضرموت، وقمت بزيارة ميدانية طفت خلالها في بعض مناطق وقرى وادي حضرموت طيلة يوم الأربعاء.
وفي يوم الخميس كانت المكلا ثاني محطتي وتوقفي فيها وتنقلت في أحياءها وزرت بعض قرى مجاورة لها يومي الخميس والجمعة، وأثناء جولتي في بعض مناطق متضررة في محافظة حضرموت رأيت في طريقي أراض شاسعة وقيل لي من العارفين من أبناء حضرموت ممن رافقوني في الجولة بأنها كانت أراضي زراعية وبمساحات واسعة على ضفاف وجانبي وديان متعددة قمت بزيارتها وقيل لي بأنها كانت تربتها خصبة وفيها زرعت أشجار النخيل والموز والمانجو والليمون وعمب الفلفل وقد جرف السيل الهادر ترابها واقتلع أشجارها وعريت من رقعتها الزراعية وتربتها وأصبحت جزء من الوادي العريض اتسع عرضه وقد غطت وبلطت قيعان تلك الأودية وبعشوائية الأحجار الصخرية الصغيرة الكثيرة فأضحت لا يرى في قاع كل وادي والمساحات من ضفافها التي كانت مزارع واسعة وخصبة ترابها إلا عشوائية كساء هذه الصخور الكثيرة وسيقان وجذوع الأشجار المقلوعة اليابسة ومخلفات متناثرة هنا وهناك، رأيت وقد تكرر هذا المشهد في أراضي زراعية وبمساحات واسعة على ضفاف وجانبي أودية عديدة لم تعد ضفاف خصبة لمزارع وأشجار وإنما بسط عليها وضمت إلى قيعان الوديان مثل "وادي حلة وادي خربة وادي بويش وادي شحير وادي العيون وادي امبيخه وغيرها"، كما رأيت طرقاً اسفلتية كثيرة وقد تقطعت أوصالها وقطع المسير فيها بالسيارات، وجسوراً وقد هدت بناءها وأضحت خرساناتها الأسمنتية مرمية في كل مكان ومتفرقة حول مواقع البناء الأصل الذي كان تواجدها جزءاً لا يتجزأ منه كطرق عبدت للمسير، ورأيت أعمدة الكهرباء الخشبية منها والحديدية وقد تهاوت أرضاً وسحبت إلى غير إقامتها، ورأيت حواجز مائية وقد فجرت وأفرغت من مياهها، ورأيت حيوانات ميتة في طرقات وعلى صحاري وجانبي أودية، رأيت مدن كانت مناطق عامرة بالسكان كنت قد زرتها وعرفتها سابقاً وقد طمس الكثير من معالمها بفعل فيضانات السيول التي مرت مرور الكرام عليها ولمدة ثلاثون ساعة أو أدنى فأصابت وقتلت وخربت وهدمت، ومن ثم ذهبت في اتجاه البحر العربي غائرة، رأيت البحر وقد هدءاها غلب هدوءه فوضويتها فأسكتها صامتة، أضاعها وقد غارت لم أجد تلك السيول التي فجعت وأصابت وهدمت الكثير في البر، كانت قد ضاعت في أعماق البحر حين زرت المكلا يومي الخميس والجمعة، إذ أصبحت جزءاً من ماء وملح البحر لا يستطيع أحد معرفة ملامح مياه تلك السيول التي حلت ضيفاً قاسياً على البر وساكنيه، وإن أراد أحداً الانتقام بالقصاص من تلك السيول القاتلة فلن يستطيع قدرة لأن هذا من المستحيل وهي أقدار الله تعالى سبحانه وقضاءه وإنا لله وإنا إليه راجعون، ظللت صامتاً أتأمل البحر وسعته وامتداده اللامحدود لرؤى العين، رأيت ألوانه الممزوجة بين الأخضر والأزرق والترابي وأمواجه بين الاندفاع نحو الأمام والتراجع إلى الخلف وأتخيل عمقه عن مستوى رقعة اليابسة التي كنت أقف فوقها، تخيلت عمقه القاتل لغير الخبير به ولغدره ولغير المتمرس لتجذيف ميائه، وظهر لي بأنه أيضاً القاتل لما لا يستطيع الإنسان مواجهته أو قتلة "السيل والنار".
نستقبل آراء القراء للكاتب على البريد الالكترونيShukri_alzoatree@yahoo.com