طلال عوكل
بعيداً عن ادعاء المهنية والموضوعية، ثمة صعوبة في فهم دوافع بعض وسائل الإعلام العربية النافذة خصوصاً من فئة الفضائيات، إزاء تجريدها حملات مكثفة جداً لمتابعة ومرافقة الحملات الانتخابية للمتسابقين على البيت الأبيض الأميركي، حتى بعد أن استقر الفوز للديمقراطي الأسود براك أوباما.
أخبار الحملات الانتخابية وتحركات المتنافسين، وكل ما يدور من قريب أو بعيد حول هذا الموضوع، احتلت صدارة النشرات، والتقارير والبرامج، واستحوذت على مساحات واسعة من البث، واستدعي للتعليق عليها عشرات الخبراء والمحللين، وكأن الأمر يتصل بانتخاب أول رئيس للدولة العربية الواحدة الموحدة.
وربما لا نبالغ بالقول إن بعض الفضائيات العربية أبدت اهتماماً أكثر من الكثير من وسائل الإعلام الأميركية، وإلى درجة أن من يواظب على متابعة تلك الفضائيات بات يعرف عن تقاليد الانتخابات الأميركية، وأسماء الأماكن والأشياء أكثر مما يعرف عن الكثير من البلدان العربية الشقيقة.
في الواقع فإن أحداً لا ينكر أهمية الأحداث التي تقع في الولايات المتحدة، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية نظراً لمكانة أقوى دولة في العالم، وتأثير ما يجري فيها بتفاوت على مختلف زوايا الأرض، بل وحتى الفضاء الخارجي.
غير أن الإقرار بهذه الحقيقة شيء والتعامل معها بطرق مناسبة شيء آخر، خصوصاً وأن منطقة الشرق الأوسط، وأكثر تحديداً المنطقة العربية، تشكل واحدة من ضحايا السياسة الأميركية خلال كافة الإدارات الجمهورية والديمقراطية التي تعاقبت على الحكم منذ عقود طويلة.
المهم أن المواطن العربي يمكن أن يتفهم هذا المستوى الإعلامي الذي لاحظناه، لو أنه يستهدف التأثير على الرأي العام الأميركي لتنمية وعيه إزاء حقوق ومصالح العرب، ومن أجل تحقيق تعديل ولو طفيف في السياسة الأميركية، أسوةً بما يفعله اللوبي اليهودي الذي يشكل أحد مرتكزات صناعة القرار في الولايات المتحدة.
أما وقد وقع ما وقع، فقد أبدت وسائل الإعلام كافة اهتماماً بمعرفة ردود الفعل، والتوقعات المنتظرة من الرئيس الأميركي الجديد. في هذا الإطار ينبغي أن نميز بين مستويين: المستوى الأول وهو المستوى الرسمي، فلقد صدر عن السلطة الوطنية الفلسطينية بيان كان سيصدر باللغة ذاتها والمضمون ذاته في كل الحالات، حتى لو كان الرئيس الجديد هو ماكين، مفاده أن السلطة تواصل التزامها بعملية السلام والمفاوضات، وتطالب الرئيس أوباما بمتابعة هذه العملية.
المستوى الثاني يتصل بالفصائل والجمهور الفلسطيني، وهنا يتفاوت رد الفعل بين موقف سياسي تعلنه الفصائل استمراراً لمواقف وسياسات ثابتة وسابقة لا ترى في تغيير الرئيس تغييراً في جوهر السياسة الأميركية تجاه الحقوق الفلسطينية والعربية، وموقف شعبي يتسم ببعد أخلاقي نفسي ليس أكثر.
يدرك الجمهور الفلسطيني كما الجمهور العربي، أن ليس ثمة فارق بين سياسة الجمهوريين، وسياسة الديمقراطيين إزاء القضايا العربية، فالتنافس بينهما يكون دائماً باتجاه من يتقرب أكثر من إسرائيل، ومن يبدي استعداداً أكبر لدعمها وحمايتها ومدها بأسباب القوة والحياة لا أكثر ولا أقل.
على أن الصورة البشعة، الدموية التي قدمها جورج بوش الابن خلال السنوات الثماني التي قضاها على رأس الإدارة الأميركية، تجعل الجمهور يرحب بالتغيير. . أي تغيير، خصوصاً حين يكون التغيير لصالح رئيس ليس من فريق الرئيس السابق، وليس جزءاً من منظومته الفكرية والفلسفية.
كما أن لون بشرة أوباما، وأصله الكيني، المسلم، يترك لدى الجمهور الفلسطيني والعربي شعوراً بأن الرجل ينتمي لهذا الجمهور. هي حالة إسقاط نفسي تعوض عن الشعور العميق بالظلم الذي تسببت به السياسات الأميركية التي تدعم كل من وما يعادي الحقوق العربية، والتي تستهدف الاستحواذ على خيرات الأمة العربية والشعوب الفقيرة.
بعيداً عن المواقف الرسمية، والإسقاطات النفسية والأخلاقية فإن المراهنة على تغيير ما في السياسة الأميركية باتجاه المزيد من التعاطف مع القضايا العربية هي مراهنة خاسرة ومبنية على جهل بآليات صناعة القرار في الولايات المتحدة، وجهل أو تجاهل لمضامين واستهدافات السياسة الأميركية إزاء الآخرين.
في خطاب الانتصار الذي ألقاه الرئيس الجديد، لم يذكر ولا بكلمة واحدة القضية الفلسطينية أو موضوع الصراع العربي الإسرائيلي، فلقد اكتفى بالإشارة إلى العراق، أفغانستان، الأزمة المالية والأوضاع الداخلية. أما خلال حملاته الانتخابية الطويلة والمكلفة فلقد أتى على الموضوع الفلسطيني في مقامين، مرةً حين أكد أنه سيتابع العملية السلمية بعد انتخابه مباشرةً، ومرةً أخرى متزلفاً لليهود ومسترضياً إسرائيل حين أعلن أنه سيدعم بقاء القدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل.
في الواقع لا جديد في ذلك سوى ما يتولد لدى الآخرين من أوهام، فلقد عرف الحزب الديمقراطي تاريخياً على أنه أكثر قرباً من إسرائيل، وبالتالي ما هو متوقع من أوباما الرئيس لا يخرج عن الحدود التي رسمتها إدارة بوش.
أوباما سيتابع عملية انابوليس من حيث وصلت، وربما يشكل فريقاً من خبراء سابقين مثل دينيس روس والسفير مارتين انديك، وأيضاً سيتابع التمسك بجوهر الموقف القائم على رؤية الدولتين، وتبني مضامين ورقة الضمانات التي قدمها الرئيس بوش لشارون في 14/ 4/ 2004، والتي اعتبرها الفلسطينيون في حينه شبيهة بوعد بلفور المشؤوم.
هكذا علينا أن نتوقع استمرار السياسات الأميركية في الجوهر كما نعرفها، وإن كان ثمة مراهنة على تغيير فلن يتجاوز على الأغلب، أسلوب تنفيذ تلك السياسات.