عبدالوارث النجري
في الوقت الذي نتفاخر أننا في بلد الشورى والحرية والديمقراطية وقد مارسها شعبنا منذ آلاف السنين، وفي الوقت الذي نلاحظ الاتهامات المتبادلة بين الأحزاب والنخبة السياسية في بلادنا حول أهم شروط ومقومات الوحدة الوطنية في 90م وهي الحرية والتعددية السياسية وحرية الرأي والصحابة وغيرها، في الوقت نفسه نرى بعض الأشخاص الذين يرون أنفسهم فوق النظام والقانون والدستور واللوائح والأعراف والعادات والتقاليد والقيم وغيرها، نجدهم ما إن يتطرق إليهم أو لسلوكياتهم رأي مواطن سواء في صحافة أو غيرها، حتى نجدهم ينتفخون شططاً وغضباً وتهوراً وجنوناً ويسعون إلى أعمال البلطجة والانتقام بالعنف من صامت ذلك الرأي، أما عن طريق سفهائهم أو بأنفسهم، وفي الوقت الذي تدين مثل هذه السلوكيات كافة اللوائح والقوانين والأعراف إلا أننا ندين مثل هؤلاء الذين يصنفون أنفسهم ب "الكبار" لأن اللوم كله يقع على الدولة أو النظام الحاكم في البلاد الذي أفقد الدولة هيبتها والقوانين قوتها، ففي الوقت الذي تدرك تماماً أن الناس سواسية أمام القانون، لا فرق بين شيخ أو وزير أو ضابط أو رئيس عصابة أو مواطن عادي، لكننا في نفس الوقت نتمنى من الدولة أو السلطة أو الحزب الحاكم أو المسؤول الأول في هذه البلاد السعي لمحاربة مثل تلك السلوكيات اللامسؤولة وأعمال البلطجة وتجاوز النظام وانتهاك الحقوق والحريات، وكذا محاربة مثل تلك الثقافات والسميات الدخيلة على عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا الإسلامية السمحاء، مفهوم "الكبار" هذا ما أنزل الله به من سلطان، ولا يمكن أن نفهمه بذلك المعنى السائد، فالكبير هو كبير القوم الذي يحكمهم أو يسودهم أو يرأسهم لكنه ليس كبيراً على كل الناس وعامتهم، فكبير الجند أو الضباط هو كبير عليهم داخل المعسكر وليس كبيراً على المواطن العادي والفلاح والتاجر والمعلم والنجار وغيره، وكبير القبيلة أي الشيخ هو كبير على رعيته، على عزلته، على منطقته وأبنائها، ولكنه ليس كبيراً على كافة القبائل الأخرى وعامة أبناء الشعب، وليس كبيراً على القوانين واللوائح والأنظمة، هذا فيما يخص المسميات، أما فيما يخص التصرف فإن تصرفات مثل هذه لا تمثل كبار القوم ووجهائها، بل تعتبر تصرفات سيئة لا يقدم عليها إلا سفهاء القوم والبلاطجة وأفراد العصابات الخارجة عن النظام والقانون، لذا فإنك إذا أردت أن تكون كبيراً في نظر الآخرين فعليك أن تتمتع بالصفات والعادات الحميدة والأخلاق والشهامة والصدق والكرم، إذا أردت أن تكون كبيراً في نظر الآخرين فيجب عليك الالتزام بالعهد والنظام والقانون، يجب عليك الترفع عن الصغائر وأن تنظف قلبك من الحقد والكراهية والضغينة والجشع والطمع، وأن تبتعد عن الرذيلة وتكون من أنصار الفضيلة، عندما تكون كذلك فإنك بلا شك ستنال احترام وتقدير الآخرين من الناس وبذلك تكون بأخلاقك تلك كبيراً في أنظارهم، ومع ذلك ستظل متساوي معهم في الحقوق والواجبات، الالتزام باللوائح والقوانين، فكلنا بشر والكبير هو الله سبحانه وتعالى، يجب على أصحاب تلك المفاهيم والثقافات الخاطئة أن يدركوا بأن الشعب لم يعد مثلما كان عليه في ستينات وخمسينات القرن الماضي من الجهل والذل والهوان التي حررته منها ثورتي سبتمبر وأكتوبر، لقد أصبح الشعب اليوم أكثر وعياً وإدراكاً مما مضى، أكثر تحرراً وثقافة وعلماً، فرب الأسرة كبير داخل المنزل، ومدير المدرسة ورئيس الجامعة كبير داخل حرم المدرسة والحرم الجامعي، وكذلك الوزير والوكيل والشيخ وغيره الجميع يحكمهم قانون ولوائح تنظم العلاقة فيما بين الرئيس والمرؤوس، ولهذا فإن على المدرسة والجامعة والإعلام والجامع العمل على تصحيح تلك المفاهيم الخاطئة، كما إن على الدولة أن تضع حداً لمثل أولئك الذين يظنون أنفسهم فوق الناس وكبار عليهم وعلى القوانين واللوائح والنظام، وعلينا جميعاً الوقوف صفاً واحداً لمواجهة تلك الممارسات اللاقانونية التي يقترفونها ليس بحق عامة الناس، بل وبحق الدولة والنظام والقانون والثورة وأهدافها والإنسانية جمعاء، على هؤلاء أن يدركوا بأنه مهما حدث هناك ضعف لأداء أجهزة الدولة إلا أن التمادي في التجاوزات والممارسات الغير شرعية وكافة أعمال البلطجة خط أ؛مر وسيرد عنها كافة أبناء الشعب، بل وسينزل بأصحابها أشد وأقسى العقوبات، ولنجعل من قصص وحكايات التاريخ قصصاً وعبرة لمن لا يفقهون حتى يدرك هؤلاء أننا بني الإنسان لا نختلف في الزعل أو الفرح، لا يوجد فينا كبير أو صغير، كلنا سواسية أمام النظام والقانون والشرع. <