عبدالوارث النجري
في بداية العام 2000م ونحن في نقاش حول مستوى التعليم في بلادنا سألني أحد الأصدقاء بالقول: ترى ما أسباب فشل الدكاترة الذين يتم تعيينهم في وزارة التربية والتعليم، بعد أن كان يتولاها حملة الشهادة الجامعية أو الثانوية وبعضهم مهندس وغير ذلك، لكن كانت العملية التعليمية في بلادنا تشهد نشاطاً وانتعاشاً غير عادي؟ سؤال قد يحير البعض في الإجابة عليه خاصة من لا يدركون ما يحدث داخل دهاليز وزارة التربية والتعليم ومكاتبها في المحافظات والمديريات، وحتى لا يزعل معالي الدكتور الجوفي فالسؤال كان في بداية العام 2000م، لذا فنحن هناك لا نستهدف شخصاً بعينه بقدر ما نطرح موضوعاً هاماً قد يجد أذاناً صاغية تعمل بجدية على مناقشته من حيث الأسباب والنتائج والخروج بمعالجات ناجحة تؤتي ثمارها ويستفيد منها كافة أبناء الوطن، صحيح أن المسؤولية صعبة والمهام ثقيلة ومعقدة وليست بالعادية، هذا لو كان الأمر مرتبط بشخص واحد أو عشرة أو مائة، لكن عندما تكون المهام موكلة لآلاف الإداريين والمستشارين والوكلاء والنواب في وزارة التربية والتعليم ومكاتبها في جميع المحافظات والمديريات، فالأمر يختلف تماماً ويوحي بثمة خلل كائن الكل يدركه، وفي نفس الوقت الكل يتجاهله، عندما يسأل أحدنا عن أسباب تدني مستوى التعليم في بلادنا العلمية والتعليمية برمتها هناك من يرجع الأسباب إلى جنسية المعلم، حيث تقول بعض الآراء إنه وبعد الاستغناء عن المعلمين المستعارين من الدول الشقيقة وإبدالهم بالمعلم اليمني، تدهور مستوى التعليم في المدارس وخاصة مرحلة التعليم الأساسي ويبرر أصحاب هذا الرأي ذلك بالقول إن المعلم اليمني أقل خبرة وكذا أقل اهتمام بواجباته والمسؤولية الملقاة على عاتقه وخاصة أولئك الذين تم توظيفهم في العمل بقطاع التربية والتعليم بعد تخرجهم من معاهد المعلمين "دبلوم ما بعد الابتدائية والإعدادية والثانوية" وهكذا، وللأسف فقد أوكلت إلى هؤلاء الشباب الخريجين الطائين مهام ومسؤوليات من المفترض أن توكل إلى أناس عاقلين ومؤهلين بشهادات جامعية لكننا نجد حالياً أن هذا الخلل قد نلاحظه في المدرس الجامعي من خلال الممارسات والسلوكيات المخالفة للبعض منهم، إذاً الخلل ليس في المعلم وليس في الطالب، بل إن الخلل يكمن في سوء الإدارة، فالإدارة الفاشلة ثمارها بلا شك فاسدة، ولعل أهم أسباب سوء وفشل الإدارة إقحام العمل الحزبي في المؤسسات التربوية والتعليمية حتى صارت قيادات التربية الحزبية تنظر إلى المعلم وإلى المشرف وإلى الموجه وإلى المدير بنظرة حزبية وليست بنظرة تربوية ومسؤولية وطنية فهذا المعلم أو غيره مهما كشفت التجربة فشله وسوء عمله وضعفه يعد ناجحاً ما دام وهو منظر في الحزب الذي يقود القطاع التربوي برمته، حتى أن من لا عهد ولا ذمة لهم ولا مبادئ صاروا هم السائدين والمتنفذين في القطاع التربوي بمختلف المراحل، فعندما كانت الوزارة يديرها أحد وزراء التجمع اليمني للإصلاح في الحكومة الائتلافية لما بعد حرب صيف 94م أعلنوا انضمامهم إلى حزب التجمع وأظهروا ولائهم ونشاطاتهم لهذا الحزب، وعندما فاز المؤتمر في انتخابات 97م النيابية وشكل حكومة الأغلبية المطلقة أعلن هؤلاء انضمامهم إلى المؤتمر الشعبي العام ليظلوا باقين في مواقعهم الإدارية بمختلف مكاتب التربية والتعليم، ويا للأسف دون حساب أو عقاب لممارساتهم وفسادهم داخل تلك المرافق، بل على العكس منحت لهم المواقع القيادية العليا في مقرات المؤتمر ومكاتب التربية، إن ما نتحدث حوله اليوم لا يتعلق بقضية واحدة أو اثنتين تخص قطاع التربية والتعليم، بل هي تراكمات ومشاكل كان للتعصب الحزبي الأعمى المسؤولية الكاملة في وجودها وآثارها السلبية في سير العملية التعليمية والمضي بتجهيل جيل كامل، نطمح أن يكون المستقبل المنشود للبلاد في شتى المجالات، الحديث عن التربية والتعليم لا ينتهي عند المدرسين والوكلاء والمشرفين وغيرهم، كما لن ينتهي الحديث عند العملية التعليمية باختبارات مادة الفيزياء للعام الماضي أو لوضع المنهج الدراسي، وكذا نقل المدرسين من مدرسة إلى أخرى، ومن مديرية إلى أخرى وما يرافق ذلك من وساطات ومحسوبيات وحزبيات وتوصيات هاتفية عليا وغيرها، لذا فإن الحديث عن قطاع التربية والتعليم وما صارت تعاني منه العملية التعليمية في بلادنا ذو شجون ويحتاج إلى مجلدات لسردها كما يحتاج إلى عقول نظيفة ونوايا صادقة لحلها، وفوق هذا كله تأتي اللجنة العليا للانتخابات لاختيار أعضاء لجان القيد والتسجيل وتصحيح السجل الانتخابي من قطاع التربية والتعليم "الكادر الإداري"، وما إن يتم الإعلان عن أسماء تلك اللجان حتى نكتشف أن أعضاء اللجان ليسوا إداريين فقط، بل ومعلمين في الميدان، وإداريين في مكاتب المحافظات التي أصبحت شبه خالية، فبالله عليكم هل نحن ناقصو تجهيل وغياب وانقطاع؟ وإلى متى ستستمر هذه التراكمات الخاطئة؟!.<